حضر إلىّ وهو في كامل قواه العقلية، يسألني: هل أنا مريض يستحق الحجر عليه؟
قلت له: هل تشكو من شيء؟
قال: لا، ولكنني صاحب مؤسسة ناجحة كتبت وصية لأولادي وبناتي، وأنا أقترب من الثمانيين، وهم أولاد وبنات طيبون، يمارسون حياتهم بحماس وإيجابية، ونجاح، أهديتهم وأنا حي بعضا مما أفاءه الله على، وفى رأيي أن كلا منهم يريد أن يكون مواطنا صالحا منتجا عارفا ربه كما ربيته ووجهته.
قلت له: وماذا في هذا كله، هل اعترضوا على الوصية مثلا؟
قال: أبدا، لم يعترض أحد منهم، لكنني شخصيا حين أعدت قراءة الوصية فزعت، وحضرت إليك أسألك السؤال الذي بدأنا به اللقاء،
قلت له: هل معك الوصية، فناولني إياها وهذا نصها:
تمهيد:
برجاء محاولة الإجابة، مع تجنب الإجابات التقريبية (مش عارف قوى)، والتأجيلية (أما نشوف، كله على الله، إنشاء الله سلبا)، والتبريرية، والهروبية – (اللاشعورية = أبى قد جـُن والذي كان قد كان....!!)، والإحالية: إلى رأى من خارجك، (فتوى رسمية مثلا) تبرر بها ما تنوى
أولا: الهدف
ما هو هدفك من الحرص على تولى أمر هذه المؤسسة، أو امتلاك هذا المشروع، أو حيازة هذه الأملاك، أو ولاية هذا المنصب؟ أو شغل هذا المقعد؟
٠ أن تحصل على أموال أكثر؟
٠ أن تساهم في جعل الحياة في المؤسسة أو خارجها أحسن؟
٠ أن تشارك في تدريب الناس فيه حتى يتقنوا عملهم أفضل؟
٠ أن تفتح بيوتا تأكل مالا حلالا أكثر؟
٠ أن تورّث أولادك – بالتالي- ميراثا أضخم؟
٠ أن تتاح لك فرصة معرفة أكثر؟
٠ أن تعبد الله من خلالها أفضل؟
٠ أن تتقن عملك/مهنتك أمام ضميرك وربك أحسن؟
٠ أن تنافس المشاريع المماثلة وتتفوق عليها جدا؟
٠ أن تحقق ما تتصور أنه الأصلح عن طريقها لصالح الناس خارجها وفى كل مكان؟
٠ أن تشعر أن غيرك لم يأخذ حقا أنت أحق به؟
٠ أن تدفع ما عليك من دين لوالديك بعد أن أسديا إليك ما أوصلك إلى ما أنت فيه؟...الخ.
ثانيا: المراجعة
٠ كم عمرك الآن من فضلك؟
٠ كم بقى لك من سنين وأيام (على أطول الفروض)؟
٠ ماذا سوف تفعل في هذه السنين حتى تموت (بالسلامة مثلى)؟
٠ ما هو هدفك النهائي في هذه الحياة المحدودة الممتدة معا؟
1. أن تحصل على مزيد من الراحة واللذة والسياحة والترفيه؟ (وهذا حقك)؟
2. أن تترك لأولادك ناتج جهد جدهم ليتمتعوا به بدورهم جدا.
3. أن تعمر الأرض، وتنير الوعي، وتضيف الجديد لك وللناس.
٠ ما هو موقفك مما أعطاك والدك من أموال ومزايا وهو حي (حتى الآن؟)
1. أن تحمل أمانة ما وصلك لتوصلها لأصحابها؟
2. أن تعين والديك فيما هما فيه في آخر أيامها؟
٠ هل ستنفذ وصية والدك (حمل الأمانة ثم تسليمها إلى من هو أحق؟)
1. بنصّها وروحها معا (=كما هى، وكما تنبض به)؟
2. بعد إعادة تفسيرها بطريقتك الخاصة؟
3. من واقع ما سيفتى به شخص لا يعرف أي شيء عن كل ذلك؟
الوصية
أولاً: إن كل ما أعطيتك إياه من حر مالي، سيولة أو مشاريع، هو للناس وأنت أمين عليه، ولست مالكا له، فهو بالرغم من أنه باسمك، فهو كذلك على شرط أن تستعمله لصالح أصحابه (الناس).
ثانياً: حتى ما ستكسبه من عرق جبينك هو أيضا للناس، نفس الأمانة، نفس المسئولية.
ثالثاً: إذا لم يصلك كل ما سبق بطيبة وقوة، فأرجو ألا تشغل نفسك بي، وأوصيكم بأمكّم خيرا.
رابعاً: وأفوض أمري إلى الله.
خامساً: والله على ما أقول شهيد.
(انتهت الوصية)
قلت له: هل يمكن أن أستعير منك هذه الوصية أعطيها لأولادي وبناتي أنا أيضا
قال: لك ما شئت ولكنني أحذرك مما جئت به إليك، فقد يحجرون عليك.
قلت له: مستحيل أنا أعرف زملائي، أنا مثلك في كامل قواي العقلية
قال: وأنا أعرفهم أكثر.
قلت له: ما رأيك أن نقترح هذه الوصية على كل من بلغ عمرنا وأكثر، ممن يلي سلطة أو مؤسسة في أي موقع.
قال: أرجوك يا دكتور أسرع في استشارة أحد زملائك، يبدو أن حالتك أصعب من حالتي.
نشرت في الدستور بتاريخ 4-8-2010
اقرأ أيضا:
خذ من الديمقراطية ما شئت لما شئت!! / حرية / الدورات السبع