مسألة معقدة... تلك؟!!
تتشابك الخيوط هنا وتتعقد الملفات والعلاقات وتتداخل... فعندما تتحدث عن حزب الله وسوريا تدخل الجغرافيا في التاريخ في السياسة في الاعتقاد المذهبي!!... ويدخل مع ذلك كله في كفة أخرى الصراع الإسلامي الصهيوني... وقضية استقلال الشرق الإسلامي من الهيمنة والتبعية الاستعمارية الغربية.
في سوريا يحكم نظام البعث المتمثل في عائلة الأسد منذ عقود، وهو نظام عائلي سُلطوي مُغطًى بغطاء أيدولوجي يرفع من خلاله لافتات العروبة والممانعة ومساندة المقاومة، وهو منتمي لعهد الديكتاتوريات الصريحة التي شاعت في شرقنا الإسلامي والعربي منه على وجه الخصوص منذ انقلاب سنة 1952 في مصر المحروسة.
يعلم هذا النظام تماما أن بقاءه في السلطة مرهون بالعداء لإسرائيل!!
ويعلم أيضا أن شرعيته لا يستمدها من صناديق الاقتراع!.
ولذلك فهو يعادي إسرائيل ليكتسب شرعية في الشارع تعوضه عن شرعيته المفقودة من الصندوق!
ولذلك يحتضن حركات المقاومة ((الإسلامية منها والقومية)) ويُقدم لها الدعم السياسي واللوجيستي والمعنوي.
ولكن يُحسب لهذا النظام أنه وقف صامدا طيلة هذه السنين متمسكا بمبادئه أمام ضغط الغرب بإغراءاته وتهديداته وظل متمسكا بخيار المقاومة والممانعة وداعما للمجاهدين في لبنان وفلسطين ورافضا للتطبيع والصُلح مع كيان العدو الصهيوني.
إلى الجنوب من سوريا الحبيبة يوجد لبنان العزيز والغالي... ذلك البلد العربي المسلم والصغير (جغرافيا) والكبير بشعبه ومقاومته المجيدة. لبنان ذلك البلد الجميل جعل منه الاستعمار قبل أن يرحل عنه ساحة صغيرة أو مسرحا مُصغرا للصراعات الدولية وهو من الممكن تسميته المسرح المُصغر لصراع الحق مع الباطل.
مساحة لبنان (10452 كلم2 تقريباً، حيث لا يوجد مساحة رسمية معلنة عن لبنان غير التي قالها رئيس لبنان الأسبق بشير الجميل -10452 كلم2-) يحده من الشمال والشرق سوريا ومن الجنوب كيان العدو الصهيوني (فلسطين المُحتلة)، ومن الغرب البحر المتوسط فالساحل اللبناني يمتد بطول (225 كلم) على ساحل البحر.
طبقا للعلوم الجيوسياسية (الجغرافيا السياسية) أهم بقعة على وجه الأرض بالنسبة للبنان في الوقت الحالي هي سوريا فهي العمق الاستراتيجي ولو جاز لنا التشبيه فإن سوريا ستكون بمثابة الأم الحاضنة للبنان (جغرافيا) أمام الذئب الصهيوني.
وهذه هي النقطة المركزية التي تفسر وتوضح لماذا يقف حزب الله في مربع النظام السوري في ثورة الشعب السوري البطل (مع ملاحظة أن حزب الله لم يقف ضد تطلعات الشعب السوري)، فجنوب لبنان يوجد على حدوده عدو الأمة بأسرها وعدو المقاومة بالذات ومن الغرب يوجد البحر الذي يسهل محاصرته بأساطيل الغرب وجيوشه الداعمة للعدو والمنتشرة في القواعد العسكرية الموجودة بعرض البحر المتوسط وطوله.
لذا فإن سوريا هي الملاذ الآمن والوحيد للبنان ولإمداده بسبل المعيشة والمقاومة, فهو شريان الحياة الذي يمد لبنان بكل سُبل الحياة.
لذلك فموقف حزب الله من الثورة السورية موقف شديد التعقيد.
لبنان بدون سوريا سيصبح بلدا معزولا عن العالم وستصبح العشرة آلاف كيلو متر مربع التي هي مساحته ما هي إلا سجن كبير لــ 3 ملايين فرد من أمتنا في هذا البلد الرائع.
ولو اكتسب حزب الله عداوة النظام السوري الذي يتحكم حتى الآن في مقاليد الأمور في سوريا فمعنى ذلك أن المقاومة ستفقد العمق الاستراتيجي الذي تستند إليه في تأمين الحصول على الإمدادات العسكرية وغير العسكرية أثناء اندلاع أي مواجهة مع العدو الصهيوني.
وستصبح المقاومة التي هي أهم وأقوى شوكة في حلق إسرائيل ستصبح فريسة سهلة أمام الذئب الصهيوني.
أضف إلى ذلك أهمية سوريا بالنسبة للمقاومة كهمزة وصل للسلاح الآتي من إيران.
لا يمكن لأي عاقل أن يُنكر إنجازات وبطولات وتضحيات المقاومة الإسلامية في لبنان من أجل لبنان والأمة وفلسطين على وجه الخصوص, ولا ينكرها إلا مُجحفٌ أو جاهل بالأمور أو متطرف ينظر للأمور بنظرة طائفية مقيتة!
ولا يُمكن لأي عاشق ومولع بحزب الله (مثل العبد الفقير إلى المولى جل وعلا) أن يقبل منه موقفه تجاه الثورة السورية من حيث المبدأ.
ولا يمكن لذي بصيرة سياسية وعسكرية أن يلومه على هذا الموقف.
فمن حيث المبدأ لا يمكن للمقاومة التي هي أنبل وأرقى وأروع ظاهرة على وجه الأرض، والتي هي أروع وأنبل وأرقى أداة لتحرير الإنسان من العبودية والاستبداد والظلم, لا يمكن أن يقبل منها أن ترضى الاستبداد والظلم على غيرها خاصة إذا كان من إخوانها وأهلها.
لكن عندما تكون في مواجهة مع عدو غاشم فاجر فأنت تحكمك استراتيجية المواجهة مع هذا العدو.. وتترتب أولوياتك حسب هذه المواجهة.
ولذلك ربما تُضطر لاتخاذ موقف مُغاير لقناعاتك ومبادئك وذلك تجنبا لخطر أكبر وأفدح ولأولوية قصوى أهم وأخطر, خاصة إذا كان هذا الموقف لن يفيد في شيء.
فماذا سيفيد الثورة السورية لو أن حزب الله عادى النظام لأجلها؟!!... هل سينصر ذلك الثورة ويقضي على حكم نظام الأسد.
ومن اللغط الغريب المثار في هذا الموضوع أنك تسمع من يقول أن حزب الله يساند نظام الأسد لسبب طائفي، وهذا اتهام مُضحك لأن الطائفة التي ينتمي إليها بشار الأسد غير الطائفة التي ينتمي إليها حزب الله، كما أنه غير مُنصف لأنه بالرجوع بالذاكرة إلى الخلف قليلا سنجد أن حزب الله وقف أمام تيار السيستاني (المنتمي إلى نفس طائفة حزب الله) وموقفه من حرب العراق... وساند المقاومة العراقية بل وساند الجيش العراقي ضد الاحتلال الأمريكي الغازي، كما كان لسيد المقاومة قولة مشهورة ضد إياد علاوي (رئيس الوزراء العراقي السابق الذي عينه الاحتلال) المنتمي لنفس الطائفة ايضا عندما وصفه "بأنه عميل الإحتلال".
والمدهش أن كثيرا ممن يتهمون حزب الله بالطائفية هم نفسهم ينظرون للموضوع بنظرة طائفية!!... وهذا عجب عجاب!! (لا أحب تقسيم المسلمين إلى طوائف ولكن هذا للتوضيح)، والأغرب من ذلك أن تجد عاقلا وراشدا يقول أن حزب الله يشارك جيش بشار عمليات القتل والقمع وسفك الدماء بحق الشعب السوري، وهذا كلام إن جاز لنا تسميته بأنه كلام أهبل وعبيط وطائفي مقيت!!
وذلك لسبب بديهي أن جيش بشار المدجج بالسلاح لا يحتاج إلى مساندة أمام شعب أعزل من السلاح تماما!!
وكأن جيش بشار يُحارب امبراطورية كبيرة فسيحتاج إلى مساندة!!
حزب الله قرأ الواقع جيدا... وفهم اللعبة باتقان، فجيش بشار الذي يقتل شعبه من أجل البقاء في السلطة لن يكون بعزيز عليه أن يبيع المقاومة التي هي خارج شعبه!!
لذلك فإنه يمكننا القول بأن حزب الله أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان.
ما كنا نتمني أن تقع المقاومة في هذه المحنة التي نسأل الله عز وجل أن يفرج محنتها ويثبتها ويقوي شوكتها وينصر الإسلام ويعز المسلمين.
واقرأ أيضًا:
هل الثورات العربية خطة أمريكية؟ / الحاجة إلى ثورة تربوية فقهية إيمانية إبداعية! / نظرة في الثورات العربية