لا أحد يدري من الذي طرح اسم الدكتور عصام شرف لرئاسة الوزراء، ولقد علمت ممن أثق به أن الاسم الأول الذي كان مطروحا هو الدكتور حازم الببلاوي، وتمت محاولات للاتصال به ولكن يبدو أنه كان قد غير الخط أو حدث شيء ما منع الاتصال، وهنا بدأ الاتصال بعصام شرف فرد وبدأت عملية الإعداد لتوليه رئاسة الوزراء في حكومة ثورة 25 يناير، ويبدو أن اسمه طفا على السطح نتيجة مشاركته في بعض أحداث الثورة فتذكره الثوار كأحد الوزراء السابقين القلائل الذين شاركوا في الثورة (على الرغم من كونه عضوا باللجنة العليا للسياسات في الحزب الوطني الديمقراطي؟؟؟!!!!)، وربما نتيجة التسرع والحماس لم يفكر الناس في إمكانات وملكات عصام شرف ومدى قدرته على قيادة حكومة ثورية ملقى على عاتقها مسئوليات جسام أهمها استعادة الأمن والاستقرار، وتطهير المواقع القيادية من فلول النظام ثم دفع عجلة الإنتاج إلى الأمام وأخيرا إدارة الفترة الانتقالية من ناحية إصدار دستور جديد للبلاد وإجراء انتخابات الشعب والشورى والرئاسة.
كانت هذه هي مهمات بديهية أمام رئيس وزراء ثورة كبيرة مثل ثورة مصر وهي مهام تحتاج لرجل ذي مواصفات قيادية وسياسية عظيمة وشامخة، وحضر عصام شرف (أو أحضر) إلى ميدان التحرير في يوم جمعة وحمله الناس على الأعناق ووقف يخطب في الجموع الغفيرة، وبدا أنه غير قادر على التعبير، فقلنا ربما الحر والزحام الشديد منعاه من ذلك، وحين طالبه المجتمعون في ميدان التحرير (كانوا يتجاوزون المليون يومها) بحلف اليمين في الميدان أمام الشعب وألحوا في الطلب مرارا ولكن عصام شرف لم يستجب لهذا الطلب (واستغربنا هذا الموقف منه أمام شعب أنجز لتوه ثورة من أعظم ثورات التاريخ)، وكانت هذه إرهاصة مهمة بولائه وانتمائه، إذ لم تحركه نداءات الجماهير التي أتت به بثورتها واختارته بإرادتها متوسمة فيه الخير، وأبى حلف اليمين أمام الشعب حتى ولو بطريقة غير رسمية.
وبدأت خطوات عصام شرف في الوزارة منذ 3 مارس 2011م فبدا طيبا (أكثر من اللازم) ومتواضعا (أكثر من اللازم) ومتساهلا (أكثر من اللازم) وحاضرا غائبا. وبدأت الاختبارات في صورة انفلات أمني وعنف وبلطجة وأحداث طائفية، وظهر عصام شرف ليس كرئيس وزراء ولكن كمطبطباتي ومطيباتي ومهدئ للنفوس، وقلنا وقتها إنه رجل طيب ويحاول أن يداوي جراح الشعب ولا يريد أن يستخدم هيبة القانون وحزمه وحسمه، ولكن توالت الكوارث والنكبات وعجز شرف عن المواجهة وبدأ يكثر من سفرياته خارج البلاد بحجة عمل اتفاقيات وتسهيلات اقتصادية، فشكرنا سعيه وحمدنا الله أن رزقنا برئيس وزراء يحاول تحسين أحوالنا، ولكن للأسف لم تتحسن أحوالنا وازدادت سوءا.
وقد كانت خياراته للوزراء صادمة، إذ جاء بمعظمهم من النظام القديم ومن فلول الحزب الوطني المنحل وجاء بالمحافظين على نفس الشاكلة بل أسوأ واتضح أنه لا يملك القدرة على الاختيار وقيل بأنه كان يستمع لنصائح الدكتور يحيى الجمل والذي وضعوه نائبا لرئيس الوزراء لكي يكمل ضعف إمكانات رئيس الوزراء التي كانت واضحة للعيان.
وعلى الرغم من معرفة طلاب كلية الاقتصاد والعلوم السياسية لطريقة إدارة المرحلة الانتقالية بعد الثورات إلا أن حكومة شرف لم تكن تعرف ماذا يجب أن تفعله بالترتيب في مثل تلك المرحلة وكأننا أول شعب يقوم بثورة في التاريخ، ولهذا جاءت الخطوات مرتبكة ومضطربة ومقلوبة، وقد أحدث هذا فتنة بين من صنعوا الثورة حول الدستور أولا أم الانتخابات أولاً، ثم لخبطة الإعلان الدستوري الذي جاء مخالفا لما استفتي عليه الشعب.
وهنا بدأت تتكشف الحقائق وهي أن عصام شرف ليست لديه إمكانات أن يكون رئيس وزراء مصر فضلا عن أن يكون رئيس وزراء حكومة الثورة، فهذا المنصب كان يحتاج لشخصية قوية وقادرة وحازمة وحاسمة ومرتبة. كان المنصب والظرف يحتاجان لشخصية ثورية تعرف ما معنى الثورة، وما معنى تطهير الوزارات ومواقع المسئولية من أركان النظام السابق، شخصية لها القدرة على تطهير وزارة الداخلية (بحق وحقيق) من القيادات التي تعاونت مع حبيب العادلي ومع النظام السابق على إذلال الشعب المصري وتعذيبه وما زالت تتآمر على الشعب لإفشال وإسقاط ثورته لأنهم يعتبرون أن الثورة كانت هزيمة لوزارة الداخلية التي يتحكمون فيها ولهذا كان بينهم وبين الثورة ثأر؛
وبناءا على ذلك أطلقوا جيوش البلطجية الذين يتبعونهم يعيثون في مصر فسادا وحركوا الخلايا النائمة في مواقع بعينها تعمل على إشعال نيران الفتنة الطائفية، وأشعلوا النيران في كل مكان، وما كان من عصام شرف إلا أن حاول بكل طيبة (زائدة عن الحد) أن يعمل بطريقة عسكري المطافي المبتدئ وأن يرش ماء على النيران الظاهرة ولا يكلف نفسه معرفة ما وراءها، وحين عجز عن الإطفاء راح يستعين ببعض مشايخ السلفية وبعض القادة الدينين لكي يهدئوا النفوس هنا وهناك، ولم يعرف أن ثمة قانون يستوجب تنفيذه وثمة إصلاحات عاجلة تستحق القيام بها وأن ثمة تآمر في لاظوغلي يستحق المواجهة والتطهير من الجذور.
ومن هنا جاءت تسمية الدكتور يحيى الجمل له "بسكوته"، وأصبح الجميع يشعر بالخطر إذ أن مصير مصر ومصير الثورة العظيمة أصبح في يد رجل يطلق عليه نائبه لفظ "بسكوته"، وبات واضحا ضعف قدرات وملكات الدكتور عصام شرف الإدارية والقيادية، وتسربت أخبار وتصريحات بأن رئيس الوزراء بلا صلاحيات، وهنا ثار التساؤل: إذا كان الدكتور شرف بلا صلاحيات لماذا يستمر في منصبه؟، ولماذا لا يعود إلى الميدان في حالة فشله في تحقيق أهداف الثورة كما وعد؟...
ولو كان الأمر ضعف مهارات إدارة وقيادة لهان، ولكن الأخطر من ذلك أن الدكتور عصام شرف لم يدرك حقيقة أنه رئيس وزراء ثورة شعبية هائلة وعظيمة، وأنه يمثل الجناح الثوري في منظومة الحكم، وأن عليه أن يرفع صوته عاليا ويقول رأيه شامخا وأن يرفض دور السكرتارية الذي وضعه البعض فيه، وأن يرفض دور الكومبارس أو دور ضيف الشرف، فالذي وضعه في هذا المكان هو الشعب وليس المجلس العسكري.
وقد تسربت تصريحات في أوقات مختلفة عن استقالة عصام شرف نظرا لعدم قدرته على السيطرة على الأوضاع المتردية في فترة حكومته أو نظرا لعد وجود صلاحيات له ولحكومته، ولكن مع الوقت يتضح أنه لم يستقيل، بل يبدو أنه استمرأ الوضع واستراح لكرسي الوزارة الذي أبعده عنه مبارك قبل ذلك.
وتوالت الكوارث حين ازدادت أعداد المواطنين المقدمين لمحاكم عسكرية والمعتقلين بعد الثورة (اثنا عشر ألفا)، ثم تفعيل قانون الطوارئ (الذي قامت الثورة لإلغائه)، ثم توالت الصراعات والمصادمات الطائفية، وزادت أحداث البلطجة والعنف في ظل انسحاب أمني مشبوه ومريب دون أدنى حركة حقيقية من عصام شرف لمعرفة ما يجري وعلاجه بحسم وحزم، وخاصة الملف الأمني الذي تفوح منه رائحة التآمر والذي يؤثر بدوره على الملفات المهمة الأخرى وهي ملف الاقتصاد والسياحة.
ومع تراكم سلبيات حكومة شرف بدأ الناس يتململون ويسخطون من حكومة الثورة بل من الثورة نفسها، وكأن حكومة شرف جاءت لتحقق هذا الهدف: أن يكره الناس الثورة والثوار، وأن يصلوا إلى حالة من الخوف والجزع واليأس تجعلهم يتمنون عودة النظام السابق.
واكتملت أبعاد الصورة حين جاء السلمي نائب عصام شرف ووضع خطوط المبادئ الحاكمة للدستور فإذا بها تشكل انقلابا عسكريا على الثورة وتضع مصر تحت وصاية العسكر بنصوص مكتوبة في الدستور وتجعل المجلس العسكري فوق السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية. عند هذه النقطة لا يصح النظر إلى عصام شرف والذين معه من منظور الارتباك أو ضعف القدرات القيادية والإدارية أو حسن النية أو غير ذلك، وإنما يستوجب الأمر مزيدا من التوجس والحذر وربما سوء الظن، والانتباه بأن ثمة سيناريو يجري سريانه منذ بداية الثورة وحتى الآن يسعى إلى تفريغ الثورة من مضمونها وإثارة القلق وعوامل الشغب والصراعات الطائفية للوصول إلى نقطة ما يستسلم فيها المصريون لقدرهم ويرضون بما يملى عليهم.
فما هو يا ترى دور عصام شرف ويحيى الجمل وعلي السلمي وأسامة هيكل ومنصور العيسوي في هذا السيناريو الرهيب؟
رؤية طبيب نفسي لخطاب السيد المشير/ تعري علياء وتستر عبد الماجد وتخنث الثورة/ لماذا عادت الثورة من جديد؟