الطفـل العنيـد (13)
1. هل تعرف ذلك الطفل؟
ولد ابني ولديه صعوبة في الدخول في النوم وصعوبة أيضًا في البقاء نائمًا، وكانت محاولة ذهابه إلى النوم يوميًا عبارة عن مشاجرة حامية، واستمرت معه تلك الصعوبة خلال فترة طفولته بالرغم من المحاولات المتعددة بإبقاء ضوء مسائي وعدد كبير من ألعاب الحيوانات، ولكن غالبًا ما تنتهي بذهابه عدة مرات إلى فراش والديه خلال الليل، وعندما يكون الوقت متأخرًا جدًا تستسلم والدته وتسمح له بالصعود إلى الفراش وغالبًا ما يتشاجر معها والده بسبب ذلك مع عدم استطاعتهما معًا السيطرة على ذلك السلوك.
كانت لديه أيضًا مشاكل في تناول الطعام فبالرغم من التنوع في إعداد الطعام الصحي له دائمًا ما يرفضه (لأنه لا يعجبه)، كان طفلاً مرحًا، لديه موهبة الرسم ولكن في أغلب الأوقات جاد ولا يحب قضاء وقت بمفرده، يقاطع والدته أثناء الكلام في الهاتف أو أثناء محاورات والديه معًا.
عندما لا تكون والدته تتشاجر معه فهي غالبًا تشعر بالأسف والذنب من أجله، إنها تعرف إنها يجب أن تكون أكثر صرامة معه ولكن كلما حاولت هي أو والده إيقافه عن الذهاب إلى حجرتهما أو محاولة إقناعه بالجلوس على مائدة الطعام وتناول الوجبات ينخرط ذلك الطفل ذو الأربع سنوات في نوبة عالية ممتدة من الغضب. وتنتهي دائمًا بالاستسلام من جانبهم مضحيين في سبيل ذلك حتى بعزلتهما في غرفة النوم، ولكن سرعان ما أصبح ذلك ضغطًا كبيرًا على العائلة، إنهم يشعرون أن ذلك الطفل صار متحكمًا بالعائلة وفي خلاف دائم حول كيفية التعامل معه.
دائمًا ما يشكو أخاه الأكبر إنه لا يلاقي أي اهتمام من والديه وأن أخاه الأصغر يتحكم فيه، والدته الدقيقة جدًا في النظام والنظافة لا تدري كيف أخطأت هكذا في تربية ابنها وتشتكي أن ذلك الطفل مشى قبل أن يزحف، فقد المنزل نظامه بالرغم من جهودها المستمرة، قد تحاول جذب انتباهه لأي كتاب أو مشاهدة الكرتون ولكنه غالبًا ما يمل سريعًا ولا يستطيع البقاء جالسًا مدة طويلة.
دائمًا صوته مرتفع في غضبه أو بكائه، غالبًا ما يثار بسهولة إذا كان في بيئة صاخبة أو بها أضواء باهرة كالمحلات أو الأسواق. غالبًا ما يكون عدوانيًا مع الأطفال الآخرين مسببًا بذلك الإحراج لوالدته والتي كالعادة ما تجد صعوبة في السيطرة على ذلك السلوك لأنه "لا يستمع" إليها. إنه لا يحتاج إلى كثير من النوم وغالبًا ما يكون وقت النوم عندما يحاولون وضعه في الفراش صعبًا تاركًا وقتًا قليلاً جدًا لوالديه بمفردهما.
في الحضانة تطلق عليه المعلمات لقب مسبب المشاكل بسبب فرط نشاطه وصعوبة السيطرة عليه، وعند عرضه على طبيب الأطفال وافق على ذلك الكلام وطرح إمكانية استخدام الأدوية.
عائلته وبالأخص والدته حائرة وقلقة وهل حالة ابنها بسبب كونها امرأة عاملة، هل هي مهملة؟ هل هناك تقصير؟ وكلما كلمتها المعلمة أو جليسة الأطفال لتحكي لها عن حادثة اليوم تداهمها نوبة من القلق خاصةً وأن الطفل صارت لديه قناعة أنه طفل سيء وأصبح غالبًا مكتئبًا ونادرًا ما يضحك.
2. هناك طفلة أخرى جميلة جدًا، كانت طفلة سهلة تلعب بألعابها دون ضجة وتذهب إلى الفراش وقت النوم دون مشاكل، لديها العديد من الأصدقاء وإنجازها جيد في الدراسة. تبدو طفلة مثالية ولكن إن تحدثت مع والدتها تسمع حكاية أخرى:
"إني لا أعرف ما المشكلة فيها، إنها طفلة محبوبة جدًا ولكن عندما تقرر إنها لا تريد أن تلبس شيئًا أو تأكل شيئًا أو تفعل شيئًا فلا أستطيع أن أجعلها تغير رأيها، إنها أكثر من شاهدت من الأطفال عنادًا أو تشبثًا برأيها، ولو حاولت أن أصمم على رأيي ستلح وتلح كأنها اسطوانة مشروخة لا تعرف التعب حتى تصل إلى ما تريده. إنها ترفض أن تلبس شيئًا ليس ورديًا أو قرمزيًا، ترفض أن تلبس ملابس بياقة مرتفعة، ترفض الجوارب، ولماذا؟ لا تدري إنها فقط لا تريدهم.
ونتيجة لذلك تكون خياراتها في الملابس محدودة جدًا مع تكوينات غريبة من الألوان، تاركة والدتها– السيدة الأنيقة– مع عدد لا نهائي من الملابس التي ترفض ارتداؤها، إن والدتها تعمل مديرة في شركة وتشرف على خمسين من الموظفين فلماذا لا تستطيع فرض إرادتها على طفلة ذات أربع سنوات؟
بل أن حتى تلك الطفلة تطبق نفس الشيء على الطعام، إنها ترفض إلا أن تتناول أطعمة محدودة جدًا مثل المقليات، الجيلي، الأيس كريم، وكل الجهود لجعلها تتناول طعامًا (عاديًا) أو تلبس ملابس طبيعية للمدرسة كانت فاشلة وغالبًا ما تنتهي بالجدال والصراخ من جانبها. وتقضي والدتها معها وقتًا طويلاً محاولة اختيار ملابس لا تضايقها رائحتها أو لونها أو ملمسها، إن تلك الطفلة (المحبوبة) ستقود والدتها إلى الجنون.. وهي تزداد عنادًا يومًا بعد يوم.
3. طفلة أخرى يصفها والدها إنها (رئيسة المنزل) لا تستطيع والدتها أبدًا رفض أي طلب لها، ويصفها أيضًا إنها طفلة غير مرنة وعنيدة تعرف كيف تتلاعب بمن أمامها. تبكي وتصرخ وتتعلق بإلحاح بوالدتها وهو يشعر أنها تشجعها على ذلك السلوك ويطلب منها أن تعطيها (علقة) مناسبة لتتوقف، ولا يدري أنه في كثير من الأحيان لتصل الطفلة إلى ما تريده فإنها قد تُحرج والدتها في العلن (في الطريق) بإثارة نوبة غضب طويلة لا يمكن السيطرة عليها وتضطر إلى الرضوخ إلى ما تريده كي تتوقف عنها، بل إن حتى التوقف عن نشاط معين مثل مشاهدة الكرتون للذهاب إلى تناول الغداء أو التوقف عن اللعب لابد أن يتم بمعركة.
لو أرادت شيئًا فإنها لن تكف عن الإلحاح حتى تأخذه ولن تقبل الرفض، وعندما لا تكون في معركة مع والدتها فإنها دائمًا متشبثة بها وخائفة. وعلى الظهيرة تكون والدتها قد أرهقت من المعارك المستمرة فتستسلم وتلبي لها جميع المطالب، هي تأخذ جميع وقت والدتها حتى أنها تشعر أنها تهمل أخيها الآخر، إن أمها تشعر أنها ضعيفة ولا تجيد تربيتها ولكنها لا تجد حلاً آخر.
لا يوجد تحسن في حالة تلك الفتاة مهما كبرت ووالدها لا يستطيع تخيل كيف أن طفلة ذات ثلاث سنوات تستطيع أن تتسبب في كل تلك المشاكل ويعتقد أن والدتها هي السبب.
لو تعرفت على طفلك في أي من تلك الحكايات أو بعد إجابتك على الأسئلة السابقة أو شككت أن طفلك يسبب لك صعوبة من أي نوع لابد من أن تعرف تلك الحقائق الأساسية:
1. أن الأطفال صعبي المراس هم أطفال طبيعيون:
إنهم لا يعانون من أية مشكلة نفسية أو خلل بالمخ، قد تكون سمعت تعليقًا من أحد الأقارب أو الآباء الآخرين "إنه يعاني من مشكلة" وقد تكون أنت نفسك قلقًا من ذلك فدعنا نتفق على شيء.. (صعب المراس- العنيد) يختلف عن (غير الطبيعي).
2. إنهم كذلك بسبب تركيبة وراثية:
لقد ولدوا بذلك المزاج وليس بسبب خطأ ارتكبه أحد الوالدين، إنه ليس خطؤك ولكنه ليس خطأ الطفل أيضًا، فإنه لم يطلب أن يولد هكذا.
3. من الصعب تنشئة طفل صعب المراس:
ولكن بالطبع أنت تعرف ذلك، ولكن كلما تقبلت تلك الحقيقة أسرع كلما تمكنت من التعامل والتكيف معها، فلو تقبلته وفهمت تقلبات مزاجه ستتعامل بنجاح أكبر معه وستصبح تنشئته عندها أسهل كثيرًا.
4. ليسوا جميعًا سواء:
إن الصورة تختلف من طفل لآخر تبعًا لمنطقة الصعوبة في مزاجه، فمن طفل لديه بعض المناطق الصعبة إلى طفل شديد الصعوبة وحتى طفل مستحيل في التعامل معه.
5. إنهم يثيرون في آبائهم أحاسيس الغضب، الذنب، عدم الكفاءة:
وذلك في حد ذاته من أكبر مشاكل هؤلاء الأطفال وهو التوجيه غير المجدي، الآباء يشعرون أنهم فقدوا سلطتهم وأن أبناءهم لا يستمعون إليهم ومهما بذلوا من جهد فإنه يصبح بلا فائدة.
إن الطفل صعب المراس ممكن أن يسبب ضغطًا زوجيًا، خلافًا عائليًا، مشاكل مع الأخوة، ونهاية باضطرابات أو مشاكل نفسية لهم أيضًا.
هؤلاء الأطفال قد يصبحون إيجابيون، متحمسون بل وحتى خلاقون لو تعاملنا معهم جيدًا منذ الطفولة، نحن سوف نعلمك كيفية التعامل معهم وهو هدف هذا البرنامج.
ويتبع >>>>>>: الطفـل العنيـد (15)
واقرأ أيضاً:
كيف نربي طفلاً منظمًا؟ (2) / الطفل العصبي / كيف تصنعين طفلاً يحمل هم دينه؟