كنا في صلاة عيد الأضحى في ميدان الثورة بالمنصورة (المحيط بمبنى محافظة الدقهلية) وقد استمتعنا بخطبة الدكتور يسري هاني أحد أهم مفكري وخطباء الإخوان المميزين ذو الروح العذبة والبديهة الحاضرة والنفس السمحة، وتذكرت أيام الثورة حين كنا نحتشد في هذا الميدان في مواجهة قوى أمن مبارك وبلطجيته منذ 28 يناير (جمعة الغضب) وحتى التنحي، وها نحن نجلس الآن في سلام وأمان تحت مظلة العيد السعيد، وشباب الإخوان قاموا بتنظيم كل شئ على أكمل وجه بحيث بدا المشهد بديعا ومبشرا بسلوك سياسي إخواني متحضر في الإنتخابات القادمة. وقطع عليّ هذا الشعور الإيجابي الرومانسي رؤية شعار الإخوان المسلمين على لوحة كبيرة في مقدمة المصلى، وهو –كما نعلم– عبارة عن سيفين فوقهما مصحف ومكتوب بين السيفين كلمة "وأعدوا"، وكأنني أرى الشعار لأول مرة في حياتي، وبدأت التساؤلات التالية تتوارد وتليها إجابات من ذات أو ذوات إخوانية:
- هل هذا الشعار هو الأنسب في الوقت الحالي؟
- الشعار شئ ثابت لا يتغير وهو يشكل جزء أساس من هوية الجماعة وفسلسفتها وتوجهاتها ووجدانها
- هل معنى هذا أن الجماعة تؤمن بفكرة أن الإسلام انتشر وينتشر بحد السيف؟
- بالقطع لا
- إذن فلم السيفين؟
- السيف رمز الجهاد والقوة، وهي أشياء مؤكدة في الإسلام
- هذا صحيح في الماضي حين كان انتشار الإسلام يواجه حدودا مغلقة يتوجب فتحها، أما الآن فالسماوات مفتوحة ووسائل الإتصال تخترق كل الحواجز والحدود
- ولكن الصراع بين البشر قائم إلى يوم القيامة.
- نعم ولكن التوافق مطلب أهم من الصراع، والتعايش قيمة إسلامية وحضارية وإنسانية، ثم قل لي: هل ممكن أن يقبل أصحاب الشعار أي رمز آخر للقوة والصراع تحت المصحف، كأن يوضع مسدس مثلا أو دبابة أو طائرة مقاتلة أو صاروخ؟، أليست هذه رموز للقوة والقتال؟
- بالطبع لا، فالسيف له رمزية تعود به إلى أيام الجهاد الأولى.
- حسنا، إذن فالسيف كان أداة في ظروف بعينها كان الإسلام كدين مهددا في مهده بالإفناء، وكان مطلوب منه أن يدافع عن وجوده دون اعتداء (وقانلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لايحب المعتدين)، ولا يمكن اختزال الإسلام كدين عالمي حضاري في أداة كالسيف، فالإسلام جاء رحمة للعالمين (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، فالسيف إذن اختزال وصدمة، وتوكيد للمقولة الإستشراقية بأن الإسلام انتشر بحد السيف.
- ولكن هذا الشعار يجمع قلوب المنتمين إلى الجماعة حوله، فهو الشعار الثابت منذ أيام المؤسس الأول الشيخ حسن البنا.
- نعم لقد تم اختيار هذا الشعار في بدايات القرن العشرين في ظروف سقوط الخلافة الإسلامية، حيث كانت الدول الإسلامية تقع تحت سيطرة الإستعمار العسكري المباشر، وهناك حركات مقاومة مدنية وعسكرية تسعى لطرد الإستعمار واستعادة هيبة الإسلام ودولته، ولكننا الآن في القرن الواحد والعشرين والأمور تغيرت كثيرا، ولا يصح أن نعمل الآن ببرنامج قديم وخرائط قديمة وشعارات قديمة، كما أن الشعارات هي من صنع البشر ولذلك فهي ليست مقدسة، والمزاج العام الآن محليا وعالميا، لا يحتمل صورة السيفين في شعار لجماعة تقترب من السلطة في كثير من الدول العربية بعد الثورات التي قامت في عام 2011 م، لأن وجودهما مع كلمة "وأعدوا" تعني أن فلسفة الجماعة هي الصراع مع الآخر وفرض رأيها بحد السيف، والإنشغال طول الوقت بإعداد ما استطاعت من أدوات الصراع للمواجهة.
- هل تعترض أيضا على كلمة "وأعدوا"، تلك كلمة من القرآن الكريم وتكملتها "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو اللله وعدوكم....."؟
- أعلم ذلك ولكنها جاءت في القرآن في سياق محدد وهو مواجهة كيد الأعداء في مواطن الصراع، وبالتأكيد لا تشكل مجمل الإسلام أو أفاقه الواسعة التي تحمل الرحمة والخير لكل البشر وتحمل الهداية للعالمين وتعلي من قيمة البناء والعمران.
- الشعار سيبقى لأن الصراع باق إلى يوم القيامة، وإذا كان الإستعمار بشكله القديم قد ذهب فإنه عاد بأشكال أخرى تستوجب الإعداد للمقاومة، وفلسطين مازالت تحت أقسى أنواع الإحتلال العسكري، لهذا سنحتفظ بالشعار ومن لا يعجبه يذهب إلى حيث يريد.
- ....................!!!! هل يمكن أن نناقش شيئا آخر غير الشعار المرسوم، ألا وهو الشعار المكتوب، وربما يكون هذا أخف وطأة من الشعار القديم الذي ارتبطت به الأجيال، فهذا الشعار ولد مع دخول الإخوان انتخابات مجلس الشعب، ونشأ في ظروف فشلت فيها الحلول الإشتراكية والرأسمالية، فتفتق الذهن الإخواني عن شعار يطرح رؤية إسلامية للحل تتفق وثقافة الشعب المصري في مجمله، وربما كان الشعار جديدا وبراقا في وقت ما، ولكنه مع الوقت أصبح يثير جدلا واسعا بين التيارات المختلفة ويستدعي مقاومة تربط بينه وبين فكرة الدولة الدينية التي يخشاها الكثيرون ليس رفضا للدين ذاته ولكن توقيا من استغلال الدين في الإستبداد والدكتاتورية تحت دعوى الحكم باسم الإله.
- ولكن هذا الشعار يمثل نقطة ارتكاز للإخوان ويخص توجهاتهم في ممارسة السياسة والإقتصاد وفلسفتهم في حل المشكلات الإجتماعية، وهم أحرار في اختياراتهم لشعاراتهم، ثم لم كل هذه الحساسية تجاه شعارات الإخوان بالذات، ولماذا لم يعلق أحد على شعارات الوفد أو التجمع أو الناصري؟.... يبدو أنها حساسية تجاه كل ماهو ديني أو أخلاقي أو إسلامي على وجه التحديد.
- نعم فالسياسة شئ والدعوة شئ آخر ، فالسياسة يناسبها الشعار الذي يرفعه الحزب "نحمل الخير لكل الناس"، والدعوة يناسبها الشعار الذي رفعته الجماعة "الإسلام هو الحل".
- نفس الفكرة القديمة والعقيمة في فصل الدين عن الدولة، والتي كررها السادات في آخر أيامه: "لاسياسة في الدين ولا دين في السياسة"، وهي بالمناسبة فكرة مستوردة لا علاقة لنا بها، فهي نشأت حين تدخلت الكنيسة في حياة الناس وقتلت العلماء وحاولت السيطرة على العقول في كل المجالات بشكل أوقف حركة التفكير وشكل وصاية على العلم فعاشت أوروبا قرونا من الظلام، أما نحن في العالم الإسلامي فليس لدينا هذه العقدة التاريخية، بل بالعكس كان ازدهارنا الحضاري يتأكد كلما اقتربنا من قيم الإسلام لأن الإسلام لا يقيد فكر ولا يحجر على عقل، ومن يريدون فصل الدين عن الدولة هم العلمانيون الذين لا يطيقون كلمة دين أساسا ويريدون عزله عن الحياة.
- هذه هي الإشكالية التي نريد الخروج منها.
- هي إشكالية فقط لدى العلمانيين واليساريين والليبراليين والقوميين وقليل من النخبة والمثقفين، أما عموم الشعب المصري فلا يرى أي مشكلة في أن يشكل الدين محور حياته.
- بل هي إشكالية حقيقية وموضوعية حين يختلط المطلق بالنسبي، وحين يختلط المقدس بالإجتهاد البشري، وحين يختلط الدعوي بالسياسي، هنا تحدث الأزمة لأن المناهج تختلف والتوجهات تتباين وهذا يضر بالدين والسياسة معا، ولابد وأن يتجاوز الإخوان هذه الإشكالية كما تجاوزها الأتراك والتونسيون (أقصد حزب العدالة والتنمية وحزب النهضة).
- كيف؟
- هم في تركيا لم يفصلوا الدين عن الدولة ولكن فصلوا الدعوي عن السياسي
- وما الفرق؟
- فرق كبير، فالدولة تتكون من الأرض والشعب والسلطة، والدور الدعوي يعمل بحرية في نطاق الشعب، والشعب يخرج منه رجال السلطة، وأنت كاإخوان مسلمون لا تدخل السلطة بالنصوص المقدسة فتغلق باب الإختلاف والإجتهاد حول المصالح المرسلة وتغلق الباب أمام الإبداع السياسي والإقتصادي والإجتماعي تحت حجة أن لديك نصوصا دينية مطلقة تحدد كل شئ مسبقا، وإنما تدخل الحياة السياسية من خلال حزب سياسي يقدم برنامج لإدارة السلطة يختلف الناس أو يتفقون معه دون اتهامهم بالمروق من الإسلام أو الإفتئات على المقدس.
- إذن فقد نجحت في انتزاع الإخوان من هويتهم الإسلامية التي ميزتهم وربطت بينهم على مدى ثمانين عاما!!
- إطلاقا، فستبقى الجماعة الأم تقوم بدورها الدعوي والتربوي في المجتمع (وربما بشكل أفضل) بحيث تربي الناس بشكل جيد فيحسنون اختيار مرشحيهم دون أن تتدخل بشكل مباشر في السياسة أو تقفز على السلطة وتملي تصوراتها الدينية بشكل فوقي، أما الحزب السياسي الذي يشكله الإخوان فهو سيلتزم بلغة السياسة وقواعدها وقوانينها ويحمل في ثنايا برنامجه وسلوكياته روح الإسلام ومبادئه وأخلاقياته، فإذا شعر الناس بصدقه وقدرته على إدارة الأمور انتخبوه، وإذا شعروا بغير ذلك أعطوه ظهورهم، وفي هذه الحالة يعود أعضاء الحزب من الإخوان إلى المحضن التربوي لإصلاح ما فيهم من عيوب حتى يعودوا إلى الحياة العامة أكثر عافية وقبولا.
وهنا تتضح فكرة فصل الدعوي عن السياسي فرجال الدعوة يعملون لكل الناس ويطبقون مبدأ "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، فهم ليسوا أطرافا في خصومات سياسية، بل هم مصدر رعاية وهداية ورحمة لكل الناس، أما الحزب السياسي فله شأن آخر حيث يعمل في مجال له قوانينه وآلياته ومع هذا سيتحلى بأخلاقيات الإسلام وروحه ومبادئه. ولو نظرت إلى التجربة التركية ستجد أن رجب طيب أردوجان الذي تربى في أحضان الإسلاميين في تركيا حين يتحدث كرئيس وزراء فهو يتحدث بلغة رجل الدولة الذي يقف على مسافة واحدة من كل التيارات ويستخدم مفردات السياسة المنضبطة ويتحلى بأخلاقيات عالية ولديه استقامة في الأقوال والأفعال ومع هذا لا يخلو سلوكه من البراجماتية السياسية المقبولة، وعلاقته بالدور الدعوي تتمثل في أنه يستقي من نبعه زادا أخلاقيا ودينيا يعينه على الإستمرار في نفس الطريق الإصلاحي، كما أن الدور الدعوي يمده بمواطنين صالحين يساعدونه على تنفيذ خططه الإصلاحية ويصوتون له ولبرامجه في الإنتخابات، ولهذا فعلى الرغم من علمانية الدولة (المفروضة بالقوانين الأتاتوركية والمحروسة بالقوة العسكرية) إلا أن إسلامية المجتمع قائمة وواضحة، وهذا يرجع إلى التآزر بين الدور السياسي الذي يلعبه حزب العدالة والتنمية والدور الدعوي الذي تمارسه القاعدة الإسلامية في تركيا.
- وهل تريدنا أن ننفذ النموذج التركي عندنا في مصر؟، هل يقبل الناس بفكرة علمانية الحكم وإسلامية الشعب؟
- عندك حق فظروفنا مختلفة عن تركيا، هذه حقيقة بديهية، ولكن دعنا فقط نأخذ من التجربة التركية، وربما التونسية فكرة فصل الدعوي عن السياسي، وهو كما ذكرنا يختلف كثيرا عن فكرة فصل الدين عن الدولة.
- ولكن هذا يعني فصل الحزب عن الجماعة، وهذا أمر مستحيل، فالحزب هو الجناح السياسي للجماعة وليس كيانا مستقلا عنها.
- من الأفضل أن يستقل الحزب عن الجماعة وهنا سيصبح أكثر حرية وأسرع حركة وأقرب لحس الجماهير لأنه سيتخفف كثيرا من الإلتزامات التنظيمية للجماعة وسيتخلص من بطء حركتها المحكومة باعتبارات لا يحتاجها الحزب، وهذا لا يعني القطيعة التامة بين الحزب والجماعة ولكن يعني رفع وصاية الجماعة عن الحزب، وأن تكون الجماعة مجرد مستشار ومرجعية دينية للحزب حتى يظل على لونه الذي يمثل البعث الحضاري الإسلامي متجليا في المجال السياسي والإقتصادي والإجتماعي ومشتبكا مع الحياة اليومية ومتعايشا مع بقية قوى المجتمع المحلي والدولي.
وهذه ميزة حرص حسني مبارك وعصابته على حرمان الإخوان المسلمين منها حين كان يصر على عدم إعطاء الفرصة للإخوان ليشكلوا حزبا سياسيا، إذ كان يريد أن يظل الإخوان في هذه الأزمة المتمثلة في اختلاط الدعوي بالسياسي حتى يفسد عليهم الإثنين ويجعلهم طول الوقت تحت طائلة الحظر والتجريم القانوني وتحت تهمة استغلال الدين في السياسة أو خلط هذا بذاك.
أما وقد توارى مبارك وحزبه (على الأقل جزئيا) فلا يليق أن يستمر الإخوان بقرار منهم في هذه الأزمة التي تجعلهم يخسرون كثيرا دورهم الدعوي والتربوي حين يمزجونه بصراعات السياسة والحكم، خاصة وقد تمكنوا الآن من تأسيس حزب قوي يستطيع أن ينافس وأن يكون له حضور كبير في الفترة القادمة.
- وماذا سيفعل الحزب حين يتحرر من وصاية الجماعة؟
- إنه سيتخلص من أغلب عيوب الجماعة، فعلى الرغم من نجاح الجماعة في تماسك أفرادها وفي صمودها على مدى ثمانين عاما، وعلى الرغم من تأثيرها الذي لا ينكر في كثير من الجوانب، وعلى الرغم من كونها شكلت نواة صلبة استعصى على الطغاة كسرها، وعلى الرغم من تقديمها نموذجا أكثر انفتاحا وتسامحا وعصرية للإسلام، إلا أنها كانت تصل دائما متأخرة ولذلك فاتتها فرص كثيرة وتعرضت لمحن كثيرة ما كان يجب أن تتعرض لها لولا تأخرها في الإستجابة وخطئها في الحسابات السياسية، وعدم قدرتها على إقناع النخبة بتوجهاتها، وعدم قدرتها على التجاوب في الوقت المناسب مع مشاعر الناس وتطلعاتهم، ورهانها الخاسر على العسكر في ثورة يوليو وفي ثورة يناير.
- ولكن هذا سيجعل الحزب بعيدا عمن سيطرة الجماعة ومنفلتا من توجيهاتها المركزية؟
- ومن قال أن هذا عيبا، إنه تطور آخر تحتاجه الجماعة ويحتاجه الحزب، فقد قامت الجماعة عام 1928 على مبدأ الجندية وعلى السمع والطاعة للقيادة، وقد كان هذا مقبولا في تلك الفترة من بدايات القرن العشرين حيث كانت السلطة الأبوية مقبولة ومقدسة، أما الآن ومع تغير الزمن فلم يعد بالإمكان استبقاء هذه السلطة الأبوية المطلقة وإخضاع الشباب لها، فقد تربى هذا الشباب على حرية الرأي وعلى أن يفكروا بشكل نقدي وأن يتواصلوا مع العالم بكافة اتجاهاته، وأن يبدعوا في حياتهم وتحركاتهم، ولهذا أصبح من الصعب عليهم إغماض أعينهم والسير فقط وراء القيادة.
لم نعد نر هذه النماذج من شباب الإخوان الصامت المستحي المتحفظ والمتشكك فيمن أمامه والمنسحب من التواجد الإجتماعي ولكن نرى نماذج تتسم بالجرأة والوضوح والحزم والتعبير عن الذات والقدرة العالية على الإبتكار والتفاعل الإجتماعي، ولكن للأسف الشديد هذا النموذج يعتبره بعض قادة الإخوان متمردا على الضوابط التنظيمية للجماعة وربما يتم فصلهم أو الضغط عليهم ليتركوا الجماعة على اعتبار أن القيمة العليا في الجماعة هي السمع والطاعة والتزام أخلاق الجندية والثقة المطلقة في القيادة حتى ولو لم تكن توجيهاتها مفهومة أو منطقية.
- هل يعني هذا أن الإخوان يمرون بأزمة حقيقية؟
- بالتأكيد، فقد زالت الضربات الأمنية التي كانت توحدهم وتؤجل مطالب التغيير والشورى والحرية داخل التنظيم، وأصبح لزاما على الجماعة أن تجري عملية جرد لإحصاء الثوابت والمتغيرات، ولمعرفة ما يجب التمسك به فعلا وما يجب تغييره أو تطويره، ولا تجعل أقوال المؤسسيين والمرشدين نصوصا مقدسة، ولا تعتبر تغيير شعار هدما لقواعد الجماعة، فالجماعة هي التي صنعت الشعار وليس العكس. فلا شك أن الجماعة نجحت في الحفاظ على وجودها طوال ثمانين عاما، ولكنها كانت تتقدم خطوة وترجع خطوة، وترددت في اتخاذ قرارات مناسبة في وقتها الحيوي، وهي التنظيم الوحيد الذي عاش يطرق أبواب السياسة ثمانين سنة ولم يستطع فتحها.
وعلى الرغم من إعلان الجماعة عن أهمية الدور الدعوي والتربوي لديها إلا أن هذا الدور لم يتعد أعضاء الجماعة المنتسبين، ولم يمتد ليشمل سائر طوائف المجتمع المصري، وعلى الرغم من إعلان الجماعة بأن انخراطها في العمل السياسي ليس كل نشاطها وإنما هو جزء يسير من أنشطة متعددة، إلا أن المراقب للأحداث يلمح بوضوح انشغال الجماعة الدائم بالدور السياسي واستنزاف الجزء الأعظم من جهودها في هذا المجال خاصة في السنوات الأخير وقد جاء هذا على حساب الدور الدعوي والتربوي والروحي والخيري مما أثر على صورة الجماعة وجعلها تبدوا في أعين كثير من الناس جماعة سياسية ذات صبغة دينية تقوم بتحالفات ومناورات وتتسم بالبراجماتية في أغلب الأحيان.
- لو كانت الجماعة هكذا ما حققت كل هذا التواجد في الشارع ولما كان لها هذا الدور المؤثر في نجاح الثورة.
- أوافقك على ثقل الجماعة ونجاحاتها، وأوافقك على دورها المحوري في نجاح الثورة وفي قدرتها الهائلة على الحشد والتنظيم، وفي دفاعها المستميت عن ميدان التحرير يوم موقعة الجمل، واستشهاد عدد كبير من أعضائها في ذلك اليوم وغيره، وأعترف بصمود الجماعة في وجه الأنظمة الإستبدادية وتحمل قياداتها وأعضائها كل ألوان العذاب في سبيل الحفاظ على مبادئ الجماعة، وأشهد بأن الجماعة تسعى لبعث حضاري إسلامي عصري وأنها قد نجحت في كثير من المواقف، إلا أنها –كأي جهد بشري– تحتاج دائما للمراجعة والتغيير والتطوير حتى يستمر دورها وأثرها بشكل إيجابي في عصر سريع الإيقاع.
- وماذا لو لم يقتنع قادة الإخوان بمثل هذه الأفكار واستمروا في طريقهم الذي عرفوه وألفوه؟
- ستحدث انشقاقات كثيرة في الجماعة لأن الضغط الأمني الذي كان موجودا في عهد عبدالناصر والسادات ومبارك قد زال أو خفت حدته، وهنا ستنشط المطالبات بالتطوير والتغيير، وستتجدد دعوات بالخروج من الإطار القديم للجماعة الذي مازال حاكما منذ 1928، وأن ماكان صوابا في زمن المرحوم حسن البنا يحتاج لمراجعة في هذا الزمن، وأن القادة الكبار المتحكمين في توجهات الجماعة قد قضوا أغلب سنوات عمرهم في السجن، ولهذا تأثير كبير على نظرتهم للأمور، فهم بشر في النهاية يتأثرون بالظروف القاسية للسجن الطويل، وهم ربما مازالوا يتعاملون انطلاقا من مبدأ الصراع مع القوى الأمنية المهددة لهم، ولهذا فهم أسرى لفكرة التهديد ومشاعر الإضطهاد، ويتمسكون بمبدأ التخفي وسرية العمل وأخذ الحيطة بشكل مبالغ فيه، وهذا يحرم الجماعة من آفاق أوسع للعمل والحركة بحرية وسط الناس، ويحرمها من تبني مفهوم الآية الكريمة "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، ويحرمها من مد الأيدي للآخر المختلف في الداخل والخارج تحت مبدأ "وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا".
وقد بدت بوادر هذه الإنشقاقات حين رأى بعض شباب الإخوان أن أفق الرؤية والعمل لدى الجماعة لا يتسع لطموحاتهم ولا يستجيب بشكل آني لنبض الشارع الذي صنع الثورة، هنا انفصلوا بحركتهم ليتوافقوا مع حركة الشارع والمجتمع، وليسوا هم وحدهم الذين فعلوا ذلك، بل فعلها قبلهم دعاة كبار ومفكرين أمثال الشيخ الغزالي رحمه الله والشيخ القرضاوي أطال الله في عمره.
- سيبقى الشعار ذو السيفين، وستبقى كلمة "وأعدوا"، وسيبقى "الإسلام هو الحل"، وستبقى الوصايا العشر للإمام الشهيد حسن البنا، وستبقى الأسر والكتائب والرحلات، وستبقى الهوية الإسلامية في برنامج حزب الحرية والعدالة، وسنحتكم إلى الشعب في الإنتخابات لنرى إن كان يريد كل هذا أم لا.
واقرأ أيضاً:
ماذا فعل عصام شرف بالثورة المصرية/ ماذا لو تمكّن مسيلمة الكذّاب؟/ رؤية طبيب نفسي لخطاب السيد المشير/ تعري علياء وتستر عبد الماجد وتخنث الثورة/ لماذا عادت الثورة من جديد؟