الطفـل العنيـد (15)
هل طفلي حقًا صعب؟
إن أول طريقة نحكم بها على الطفل صعب المزاج هو أن تسأل نفسك هل تلك السلوكيات موجودة منذ سن مبكر، وكما ناقشنا معًا فإن الطباع الصعبة تظهر في عمر مبكر وهي جزء من الطفل أكثر من كونها رد فعل لشيء خارجي. ولذلك فإن الطفل لا يعتبر مزاجه صعبًا لو:
1. لو أصبح صعبًا بعد سن 24 إلى 30 شهر، فربما يكون في مرحلة السنتين الرهيبة.
2. لو تغير سلوكه مؤخرًا كرد فعل لأحداث معينة مثل انفصال أو طلاق، ولادة أخ جديد، الانتقال إلى مدينة جديدة، إصابته بمرض معين، مشاكل مع رفقائه في المدرسة.
3. أو لو كانت سلوكياته جزءًا من مرض نفسي معروف وقام بالتشخيص طبيب متخصص، مثلاً مرض التوحد حيث يكون الطفل مفتقدًا لمهارات التواصل وهناك تأخر شديد في تطور اللغة، إصابة بالمخ نتيجة حادث أو مرض أو أي مرض آخر عضوي أو نفسي ليس فقط يلاحظه الآباء بل أي طبيب أطفال يراه.
كلمة هامة عن الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة:
قد يكون حاصل على درجة قليلة في مقياس الذكاء ولكن حتى هذا فهو لا يزال شخصًا لديه طبعه المزاجي الخاص، ولو كان ذلك الطبع صعبًا فسيستفيد كأي شخص من بعض المساعدة السلوكية المتخصصة.
النشاط الزائد:
لابد إنك سمعت كثيرًا أن طفلك زائد النشاط، تلك الكلمة من كثرة استعمالها فقدت معناها العلمي الحقيقي، هناك مقياس للنشاط وعدة درجات له، هناك طفل قليل النشاط وآخر يبدو إنه لا يستطيع الجلوس بمكان واحد، ولكن لابد للآباء أن يعرفوا أن درجة النشاط وحدها لا يمكن تشخيصها كمرض إلا لو ارتبطت بعدة عوامل أخرى.
وبغض النظر عن التسمية، طفل صعب، أو طفل صعب فائق النشاط فإن هناك عدة وسائل سلوكية يمكن استخدامها مع العديد من الأطفال ذوي المشكلات، ويجب تشخيص المشاكل الأخرى التي قد نراها مع هؤلاء الأطفال مثل: تأخر اللغة، المشكلات الحركية، صعوبات التعلم، هنا فإننا نحتاج إلى تشخيص أدق واهتمام خاص.
الآباء والأطفال المشكلة
يواجه الآباء مشاكل عديدة مع أطفالهم صعبي المراس، ورغم أنهم يحاولون التكيف إلا أنهم غالبًا ما يشعرون بالحيرة وعدم الكفاءة ويملأهم الإحساس بالذنب، الغضب والعجز، وغالبًا ما يكونون مرهقين، مكتئبين ويعانون من مشاكل زوجية.
هل تغيرت حياتك منذ مجيء طفلك؟ ما هي المشاعر التي تملؤك؟ وكلما كان سلوك طفلك صعبًا كلما كان زاد إحساس الدوامة الذي يملأك، للسلوك الصعب لطفلك فعل الصدمة عليك ورد فعلك لذلك السلوك لا يكون أحسن في البيت أو خارجه، تتلقى التعليقات اللاذعة، تشعر بالذنب وعدم الكفاءة ويحرجك سلوك الطفل، تشعر أنك وحيد حقًا في مواجهة ذلك السلوك الصعب.
تذكر أنك لست وحدك، هناك على الأقل ثلاثة أو أربعة ملايين أسرة تعاني من نفس مشكلتك في بلدك.
كل ما تحتاجه أن تتعلم كيف تتعامل مع ذلك الطفل مع نفسك لتجعل حياتك أفضل، وكي تتأكد أن طفلك لن يعاني من مشاكل في مشاعره في المستقبل، كي تحمي زواجك وعائلتك كلها. وستفعل ذلك كله عندما تتعلم كيف تفهم طفلك وتغير من طريقة تعاملك معه، وأنا أؤمن بقوة بتفرد الأطفال، مهما كان طفلك صعبًا فهو إنسان لديه مشاعره وأفكاره مهما كانت بسيطة أو غريبة فلابد من احترامها، وأنا أعرف أن البيت لديه قيمه ومبادئه التي يحددها الوالدان، ضع في اعتبارك أن الطبع المزاجي للطفل ليس ناتجًا عن خطأ فعلته أنت، بالمعرفة والتفهم ستصبح خبيرًا في التعامل مع طفلك مؤكدًا بذلك دورك كقائد وكوالد. ستعطي طفلك فرصة كي يعرف قدراته وستندهش كيف سيصبح ممتعًا، مبتهجًا وخلاقًا، ذلك الطفل الذي كان قبلاً طفلاً صعبًا.
أمهات تحت الحصار
إن أكبر انطباع قد يصلك عن أمهات الأطفال المشكلة هو صعوبة التكيف، إنهن أكثر من يعانين في الأسرة، عندما ترى أم من هؤلاء تتعامل مع طفلها في أحد الأوقات الصعبة ستشعر أنك تتعامل مع طفلين في صراع على القوة، "لا أستطيع أن أجعله يسمعني"، "لا أستطيع أن أتعامل معه"، "إنه مزعج جدًا"، "نحن في حيرة"، "لا أستطيع أن أتحمله أكثر من ذلك"، "إنني أفقد أعصابي طوال الوقت"، "إنها تدفعني إلى الجنون".
وفي ذروة الأحداث تستشيرني الأم قبل توقيع الأوراق التي تتخلى فيها عن الطفل لأبيه بعد الطلاق، إنها تشعر أنها لن تستطيع أن تتعايش مع هذا الضغط الذي يدمر حياتها، زواجها وعلاقتها مع الطفل الآخر، إن ألمها أكبر من أن تتخيله ومع ذلك فعدم القدرة على فرض نظام فعال وتكرار العراك على السيطرة وفرض القوة غالبًا ما يؤثر حتى على أمهات الأطفال غير فائقي الصعوبة، لكن نتعلم كيف نكسر هذا النمط يجب أن تفهم كيف يحدث.
مفهوم الكفاءة
إن المتخصصين غالبًا ما يتحدثون عن علاقة والد أو أم الطفل بمصطلح أساسي هو الكفاءة، إن الكفاءة تشير إلى كيف يتكيف الطفل مع بيئته إيجابيًا خاصةً مع عائلته ومع الشخص المسئول عنه أساسًا عادةً الأم، إن المزاج الصعب لا يجب أن ننظر إليه منعزلاً عن البيئة ودائمًا يكون السؤال كم يكون الطفل صعب خاصةً مع هذه الأم أو العائلة، مع طفل سهل نسبيًا في عائلة طبيعية، التوافق العاطفي الجيد يحدث بصورة طبيعية وهذا شيء يؤثر بقوة على تطور الطفل، يوجد نوعان من التوافق والكفاءة –العاطفية– السلوكية.
إن التوافق العاطفي الجيد معناه أن الأم تحب الطفل وتشعر براحة معه، أنك تجد حالات من هذا التوافق العاطفي الجيد حيث تكون الأم متحفظة في عواطفها وعندها طفل تحت السيطرة تمامًا ولكنها تستمتع بشخصية الطفل وهذا صحيح تماما في حالة أم لطفلة صعبة تضايق الأم بسلوكها الصعب ولكنها تحب الجانب المرح والدرامي لتلك الطفلة التي تجد اهتمامًا حريصًا بالملابس وأشكالها وألوانها على بساطتها فهذا شيء يمكنها أن تستمتع به معها وتشاركها فيه.
فشخصية الطفلة بعيدًا عن مزاجها تروق لتلك الأم التي غالبًا ما تكون محبة للملابس البسيطة وأشكالها وألوانها، إن التوافق العاطفي يمكن أن يُفهم بالنظر إلى الفرق بين الحب والإعجاب بالطفل فمعظم الآباء يحبون أطفالهم ولكن ليسوا كلهم معجبين بهم، إن الإعجاب بالطفل الصعب سوف يمكنه أن يكون لديه التوافق والتكيف العاطفي مع أمه فإذا كرهت سلوك طفلك أو لم يعجبك طفلك الصعب فإن وظيفتك كوالد ستكون أصعب.
إن المزاج السلبي السييء وخاصةً عدم القدرة على التكيف من السهل ألا تعجب بهم، إن أصعب سلوك يمكن أن يكون مقبول أكثر إذا كان الطفل إيجابي منفتح أكثر. أما عن التكيف السلوكي للطفل وكيف يكون مقبولاً من والديه: إن الطفل فائق النشاط سوف يتكيف بسهولة أكثر في منزل مريح عن أن يكون في منزل صارم القواعد والمتطلبات.
لو أصر الوالدان أن متعلقاتهم ومقتنياتهم الثمينة يجب أن تُترك مكشوفة وأن الطفل يجب أن يتعلم ألا يلمسهم سوف يكون هناك صراع يمكن تجنبه لو عرف الوالدان أنه من الأفضل أن يبعدوا هذه الأشياء وأن يكسوا الأثاث الثمين بغطاء. وهكذا حين تكون بيئة الطفل منسجمة معه ستحصل على تكيف سلوكي جيد وعامةً كلما كان مزاج الطفل صعب كلما كان أضعف تجاه التكيف السلوكي أو العاطفي.
يمكن أيضًا أن نسأل ما نوع شخصية الأم لأن هذا يمكن أن يؤثر في التكيف، إن الأم الهادئة القادرة على عدم إظهار عواطفها التي ليست انفعالية يمكن أن تكون أكثر موضوعية في التعامل مع سلوك الطفل بالرغم من أنه طفل صعب، إن الصبر مع الأم الهادئة يمكن أن يمتد إلى ما لانهاية، إن تحسين التكيف بين الوالدين والطفل هو أهم هدف في العمل مع العائلات.
الآباء الصالحين (الجيدين بدرجة كافية)
يتحدث المتخصصون دائمًا عن الأب الصالح أو الأم الصالحة، في معظم الأحوال هذا المفهوم يمكن أن يكون مطمئننًا فهو يعني أنك لا تحتاج أن تكون أب أو أم خارق لكي تمد طفلك بالبيئة التي يحتاجها لكي ينمو جيدًا، كل طفل يُعلم أمه كيف تتصرف في تربيته بالخبرة، إن التفاعل اليومي هو عملية تعلم لكل منكما وبينما تتعلم تصبح أكثر ثقة بالنفس وأكثر كفاءة، فطفلك يساعدك على أن تكون والدًا صالحًا مناسبًا.
كل الآباء لديهم توقعات وهي تتشكل من البيئة المحيطة بهم ومن خبرات وتجارب الآباء الآخرين، أو من الكتب التي كتبت خصيصًا لترشد الأم والأب، لا أحد يتخيل أنه سيمر خلال توقعات مختلفة تمامًا وعندما يحدث ذلك من البداية يشعر الوالدان أنهما ينجرفان إلى معركة، وعندما تمر أيام تشعر أنك أقل ثقة وكفاءة. ومع الطفل الصعب الآباء الصالحين لن يكونوا مناسبين لكي يساعدوا الطفل فأنت تحتاج لأن تكو أكثر من أب أو أم جيدين وهذا لا يعني أنك يجب أن تكون أكثر حبًا وعناية ولكنك تحتاج لأن تكون أكثر تفاهمًا وأكثر وعيًا باحتياجات الطفل الغريزية المتميزة.
وطالما أن سلوك الطفل غالبًا ما يكون صعبًا ومحيرًا فإن مزيد من الفهم سوف يساعدك لتتعامل معه، ومرة أخرى أنا لا أقصد أنك تحتاج أن تثبت أنك تحب طفلك جدًا، في الحقيقة إن هذا خطأ شائع أن يغرق الأب الطفل الصعب بالهدايا لكي يجعله سعيد، إن الحب الزائد ليس كافيًا خاصةً عندما يفسد الطفل، إنك تحتاج لمتخصص.
صراع القوى والدائرة الرهيبة
إن سلوك الطفل الصعب يخلق دائرة رهيبة من التفاعل السلبي بين الطفل والوالدين، إن صعوبة الطبع تسبب مشكلة سلوكية في الأطفال الصغار.
إن الوالدين يحاولان أن يتكيفا تقليديًا مع هذه المشاكل ولكن النتيجة تكون سيئة.
إن النظام يصبح غير فعال أو مؤثر أكثر وأكثر، فالصراع على القوى المستمر بين الوالد والطفل التي أثناءها ينزل الوالد إلى مستوى الطفل، يصرخ عندما يصرخ الطفل قائلاً رأيه في نوبة غضب طفله، فلم يعد الطفل يشعر بالوالد كشخص ذو سلطة فيصبح أكثر مقاومة لطلبات الوالد وأكثر انفلاتًا في سلوكه الصعب، عندئذٍٍ يغير الوالد نظام تعامله مع طفله تمامًا بل ويخاف منه، عندئذٍ الإحساس بالذنب والقلق يبدآن في لعب دور أكبر في العلاقة مع الطفل.
ويكون الوالد والطفل عندئذٍ داخل هذه الدائرة الرهيبة، فالطفل من المحتمل أن يكون متشبثًا ومخيفًا، فربما يعاني من كوابيس ليلية ويصبح أكثر حساسية ويبكي بسهولة ويبدأ في قول أشياء مثل: "إنني سيء"، وهذا يجعل الأم أكثر قلقًا وإحساسًا بالذنب وأكثر تعلقًا بالطفل وكلما أصبحت أكثر غضبًا وإحباطًا يسيء الطفل التصرف أكثر وأكثر، وتصبح مشكلة صورته تجاه نفسه أسوأ، فإذا استمر هذا عددًا من السنين تصبح النتيجة اضطراب نفسي عند الطفل وضغوط وغضب ومشاكل لا يفصح عنها الوالدين وتشكل لهم مشكلة في زواجهما.
هذه الدائرة الفظيعة يمكن أن تبدأ مبكرًا فمن وقت الرضاعة أحد المواضع الرئيسية للطباع هي عدم الانتظام، الأم لا يمكنها أن تتوقع تصرفات الطفل، معنى ذلك أن الطفل لا يصدر عنه مؤشرات لتتوقع منها ما يريده، هذه الإشارات غير منتظمة أو غير متوقعة لدرجة أن الأم لا تلتقطها وهذا لا يعني أنها أم سيئة فلا يمكن لأحد أن يلتقط تلك المؤشرات.
إن الطفل يبكي عندما يكون نظيفًا غير راضي لكونه جافًا ويبكي بعد أن يستيقظ من نومه عندما يكون قد أخذ قسطًا من الراحة وبعد أن يُطعم وعندما يكون شبعان، أين الخطأ عندئذٍ؟
مثل هذا الطفل يبكي كثيرًا ولا ينام فترات منتظمة وتحاول الأم أن تهدئ الطفل ولا تنجح.
ويقول طبيب الأطفال أنه مغص ولكن بعد عدة شهور لا يذهب المغص ويستمر نفس السلوك وتصبح الأم أكثر تعبًا وغضبًا، وإذا كان الأب يشارك في أي مسئولية في الاعتناء بالطفل يصبح تحت ضغط أيضًا ولكي يتخلص من هذا التعب والغضب يخرج أنماطًا من اللوم. وبمرور الوقت يسأل الوالدان بوجه عام والأم بوجه خاص لماذا؟ لماذا؟ كيف نكون نحن السبب. كيف نكون مسئولين؟ إن طبيب الطفل يقول ليس به شيء خطأ لذلك فإن التلميح هو أنه يوجد شيء خطأ بك أنت.
وتجد الأمهات يتمنون لو أن الطفل يُظهر إحدى نوبات غضبه في مكتب الطبيب ليرى بنفسه ما يتكلمون عنه. وعندما تتجه إلى الآباء الآخرين لا يفهمك أحد لأنهم يحاولون أن يجعلوا هذه التصرفات تحت أنماط مفهومة، الطفل يبكي إذن هو مبلل وجائع، يريد النوم، مريض ولكن هذا الطفل غير مفهوم لذلك تكون ردودهم لتأكيد أنه شيء تفعله أنت وفوق كل ذلك أنه لديك طفل طبيعي وكل الآباء الآخرين يمكنهم أن يربوا أطفالهم الطبيعيين ولكنك لا تستطيع، لذلك فالخطأ بك أنت.. إن هذا أكثر مشقة وخصوصًا مع الطفل الصعب.
لماذا يفعل ذلك بي؟
وكلما كبر الطفل يبدأ الوالدان في إرجاع تصرفاته لدوافع معينة فنسمع آباء يقولون: "إنه يفعل ذلك متعمدًا"، "إنه يفعل ذلك لكي يضايقني"، هذا الولد الصغير الذي لا يبتسم عندما يشتري له والده هدية، هذه الطفلة الصغيرة التي تكون غير جائعة حين تعد لها أمها المتعبة أكلتها المفضلة، هذا الطفل الذي يصرخ ويبكي حين يؤخذ إلى السيرك لأول مرة، ربما هؤلاء الأطفال يتصرفون بطريقة معينة لأن طباعهم تُملي عليهم تلك الأفعال.
ولكن الآباء الغاضبين المحبطين الذين حاولوا بكل طريقة أن يرضوهم لا يفهمون ذلك، إنهم يعتقدون أن أطفالهم يتعمدون أن يحبطوهم، عندئذٍ يبحث الوالدين عن دوافع تفسر لهم ما يحدث.
وغالبًا يؤدي ذلك إلى أن ينزلوا إلى مستوى الطفل أو يشعروا أنهم ضحية ويشعرون بالتعب وبعدم القدرة على التكيف. ومن الواضح أنه يستحيل أن تتكيف تمامًا مع طفل إذا كنت تشعر أنه قادم لينال منك. إن الآباء ذوي الخبرة ربما لا يشعرون بالذنب أو يلومون أنفسهم لأنهم نجحوا مع الطفل السابق.
ويتبع >>>>>>: الطفـل العنيـد (17)
واقرأ أيضاً:
كيف نربي طفلاً منظمًا؟ (2) / الطفل العصبي / كيف تصنعين طفلاً يحمل هم دينه؟