غالبا ما تثير الذكرى السنوية مشاعر وانفعالات وأفكار وسلوكيات، خاصة إذا كانت ذكرى سنوية لحدث هائل شديد التكثيف والعمق وهو ثورة 25 يناير 2011م ، فماذا يمكن أن يحدث في 25 يناير 2012 م؟
عزيزي القارئ هيا بنا نسرح بخيالنا في الاحتمالات المتوقعة أو غير المتوقعة من الأطراف المختلفة في هذا اليوم، وسأعرض عليك ما شطح فيه خيالي وأتمنى أن أتلقى بشكل أو بآخر ما ذهب إليه خيالك:
سيناريو رقم 1: يتجمع الثوار "الأصليون" الحقيقيون الذين قادوا بشجاعة الموجة الأولى يوم 25 يناير 2011 م في شكل مجموعات في ميدان التحرير وكل مجموعة عبارة عن سرادق عزاء كبير تتلى فيه آيات من القرآن الكريم بالتبادل مع قداسات مسيحية ويتخلل ذلك كلمات للثوار الأصليين يعبرون فيها عن أفكارهم ومشاعرهم بعد مضي عام على الثورة وما حدث بعدها من مراوغات والتفافات وضبابيات وانتهازيات وضياعات. والمشهد يوحي بأن الثورة قد قتلت أو ماتت كمدا. ويمكن استبدال هذا المشهد بجعل الميدان سرادق واحد كبير لتلقي العزاء في الثورة.
- سيناريو رقم 2: يقف الثوار "الأصليون" بأعداد كبيرة في ميدان التحرير بعد الثامنة مساء وهم يلبسون السواد جميعا ويحملون الشموع، وبالتوازي مع ذلك تقف مجموعات في كل الميادين في القاهرة والمدن الأخرى، كما يقف البعض الآخر على كورنيش النيل بالقاهرة وكورنيش البحر بالإسكندرية بمعدل شخص كل متر ويستمر هذا المشهد حتى الصباح ثم ينفض (أو لا ينفض... الله أعلم).
- سيناريو رقم 3: خروج مليونية نهارية تحت عنوان "عودة الثورة للثوار" وفيها كأن الأحداث تبدأ من لحظة تنحي مبارك ولكن يتم تصحيح الخطأ حين انصرف الثوار قبل وضع خريطة محددة للمرحلة الانتقالية تضع الثوار "الحقيقيين" في قلب "دائرة اتخاذ القرار" وتقوم على تفعيل الثورة بمعنى التغيير الجذري للمجتمع بعيدا عن فكرة الترقيع المائع والمشوه التي سادت عاما كاملا وفاشلا من الفترة الانتقالية حيث كان الثوار مستبعدون والفكر الثوري غير حاضر، وترك الأمر لقوى غير ثورية ولعناصر من النظام القديم ولأحزاب كانت جزءا من الفساد الماضي ومازالت تشكل محورا للفساد الحالي. وفي هذه المليونية يتم عرض مطالب الثورة وأهدافها بشكل محدد وواضح ومؤكد وتكون المطالبة بمجلس رئاسي مدني من الثوار أو ممن يتوافقون عليهم ليقودوا المرحلة الانتقالية بفكر وروح الثورة (بحق وحقيق).
- سيناريو رقم 4: أن يتحول هذا اليوم إلى احتفالية فولكلورية هائلة، وأن تسبق الحكومة الشعب في الاحتفال فترفع الأعلام في كل مكان وتخرج مجموعات شرفية من الجنود تجوب الميدان وتعزف الموسيقى العسكرية، وينشط الإعلام الرسمي والخاص في عمل مقابلات مع رموز الثورة، وتنطلق الأغاني الوطنية في كل مكان، وتخرج مجموعات من المدارس والجامعات والشركات والمصانع في مسيرات محددة وقتا ومكانا، وتخرج مسيرة من الأزهر ومسيرة من الكنيسة تؤيد المجلس والحكومة، ويوجه بعض أعضاء المجلس العسكري والحكومة كلمات تهنئة للشعب المصري العظيم الذي صنع ثورة يفخر بها العالم، وتطلق المدافع إحدى وعشرين طلقة في الصباح وفي المساء، ويسبق ذلك قرارات إفراج عن "بعض المعتقلين" من شباب الثورة، ويتم تكريم "بعض أسر الشهداء" ممن لم يتورطوا بعد الثورة في وقفات أو اعتصامات أو احتجاجات؛
ويقف الدكتور عصام شرف ومعه الدكتور يحيى الجمل والدكتور على السلمي (ومعه الوثيقة) والسيد أسامه هيكل والسيد منصور العيسوي على منصة في التحرير ليقدموا التحية للشعب المصري العظيم ويتلقوا التهاني على جهودهم المشكورة والموفقة في إدارة الفترة الانتقالية بنظام وسلاسة وأمن وأمان وشفافية وصدق وطيبة ومحبة، وأنهم جعلوا الناس أكثر إيمانا بالثورة وأكثر تعلقا بإنجازاتها خاصة مع النجاحات المشهودة على المستوى الأمني والمستوى الاقتصادي والمستوى السياحي وملف الوحدة الوطنية والوئام الشعبي. وبالتوازي مع هذه الاحتفالية سنرى احتفالية أخرى في إستاد القاهرة بمناسبة عيد الشرطة (لا ننسى أن 25 يناير هو في الأصل عيد الشرطة، وأن الثورة جاءت وخطفت هذا اليوم من الشرطة، وأن الشرطة لن تنسى لها هذا الموقف وستتذكره كل عام، وهي لن تغير عيدها من أجل ثورة، وأنها -أي الشرطة– لن تسمح بأن تنكد عليها الثورة في يوم عيدها) وسيتم توزيع الجوائز على المتميزين من ضباط وأفراد الشرطة الذين بذلوا كل ما في وسعهم لتحقيق الأمن للمواطن المصري لكي يشعر أنه أصبح في أيد أمينة بعد الثورة المباركة.
- سيناريو رقم 5: أن لا يحدث شيء على الإطلاق حتى الساعة الرابعة عصرا ثم يفاجأ الجميع بأعداد هائلة تخرج في الشوارع في حالة غضب شديد نظرا لإحباطها مما حدث بعد الثورة التي دفعوا ثمنا كبيرا لها من دماء الشهداء والمصابين ومن حرية المعتقلين، وهذا السيناريو المرعب لا نستطيع تتبع أحداثه، ولكنه في الأغلب لن يكون هادئا أو مريحا، وكل ما نستطيعه هو أن نسأل الله أن يبقى محافظا على شعار الثورة القديم "سلمية".... "سلميه". وقد تحدث مواجهات مع تلك الجموع الهائلة والهائجة، أيضا لا نعرف نتائجها. وهذا الاحتمال قد يتطور ليصبح موجة ثورية ثانية خاصة إذا فشلت انتخابات مجلس الشعب (بسبب الانفلات الأمني والبلطجة) أو جاءت بتركيبة مشوهة ومتضمنة للفلول ولأعداء الثورة.
- سيناريو رقم 6: أن تكون انتخابات مجلس الشعب قد تمت بنجاح، واقتنع الناس أن أهداف الثورة تتحقق على الأرض، وبهذا يحتفلون (بجد) بعيد الثورة ويكرمون أبطالها وأسر شهدائها. وربما تخرج بعض المجموعات الشبابية الطامعة والطامحة في تحقيق أهداف أبعد للثورة، ولكن التيارات الإسلامية التي حصدت الأغلبية في الانتخابات لن تؤيد هذه المجموعات ولن تشارك في مسيراتها.
- سيناريو رقم 7: أن تطلب الحركات الشبابية من الناس عبر الفيسبوك وتويتر ووسائل الإعلام الأخرى أن لا يخرجوا من بيوتهم في هذا اليوم وذلك استعادة ل6 ابريل 2008م والتي تعتبر الشرارة الأولى للثورة. وقد يستجيب الناس لتلك الدعوة أو لا يستجيبون ويتوقف ذلك على الأحداث السابقة للذكرى السنوية وعلى رأسها نتائج انتخابات مجلس الشعب، وجدية التحول لدولة مدنية ديمقراطية.
- سيناريو رقم 8: أن تخرج مجموعات صامتة في مسيرات صامتة، ووقفات أخرى صامتة في الأماكن الحيوية، وهم جميعا يحملون صور شهداء الثورة، ونعوش رمزية مغطاة بعلم مصر ومكتوب عليها "ثورة 25 يناير".
- سيناريو رقم 9: أن تتخذ بعض الإجراءات الإستباقية وتصدر بعض القرارات من المجلس العسكري بتغيير الحكومة وعدد كبير من المحافظين وإقالة قيادات الحزب الوطني من المواقع القيادية في مؤسسات الدولة، ووقف تحويل المدنيين إلى محاكم عسكرية، وإنهاء حالة الطوارئ، وإصدار قانون دور العبادة الموحد، ونزول رجال المرور ورجال الأمن إلى الشارع، والقبض على "بعض البلطجية"، ووضع حد أدنى وحد أقصى للأجور، وتفعيل قانون العزل السياسي، وتحريك إجراءات المحاكمات لرموز النظام السابق، وتعيين بعض الشخصيات المقبولة شعبيا في مناصب وزارية، وإنهاء خدمة بعض القيادات القديمة في وزارة الداخلية. وقد تنجح أو لا تنجح هذه الإجراءات في امتصاص المشاعر والانفعالات التي يتوقع أن تثور في مثل هذا اليوم.
وبعد عزيزي القارئ أرجو منك تقديم سيناريوهات أخرى لكل من يهمه أمر هذا البلد (فعلا) حتى نصل إلى هذا اليوم في حال أفضل لنا جميعا مجلسا وحكومة وشعبا وثوارا وأحزابا وفلولا (أليسوا جميعا مصريين ولهم حق المواطنة؟)
واقرأ أيضاً:
محنة الشرف العسكري/ سيناريوهات الذكرى السنوية للثورة/ من 25 إلى 25 ثوار مجانين!