فجأة.... انقطع الوصال، وضاقت السبل، وتهدمت الجسور بينك وبين من تحب، وتجد نفسك وحيدًا، شريدًا، طريدًا، في بداية العام الجديد، مكسور القلب، والخاطر.
إذا حدث هذا، فخذ وقتًا في بداية هذا العام؛ لكي لا تفعل شيئًا، خذ وقتا لكي تلملم أفكارك، خذ وقتا لتستشعر دفء الشمس، ولتستمع لأصوات الطبيعة من حولك، فأنت لديك الكثير من الأحداث التي تملأ يومك، والتي تدفعك عبر حياتك؛ فتتركك منهكا دون ذكرى واضحة لما يحدث حولك.
لذلك عليك أن تتوقف لتذهب في جولة داخل نفسك، وتسير بهدوء حتى تصل لقلبك، تستنشق منه عطر من تحب بصدق، وتنهي جولتك داخل عقلك لتتذكر فقط الوقت الخالي الذي خصصته لذاتك، فستجد ازدحاما، وضوضاء.... سببت لك كل هذه المتاعب التي تشعر بها، والتي أوصلتك إلى وحدتك الأزلية، لأنك لم تترك يومًا لذاتك مكانًا داخلك، بل تركت الفوضى تسيطر عليك.
فحياتك الحقيقية هي التي تقع في أوقاتك الخالية، التي تفكر بها بهدوء، وتجد نفسك فيها، لذلك أنت في حاجة لأن تتواجد من أجل الأشياء غير الموجودة، مثلما تتواجد من أجل الأشياء القائمة بالفعل، إنك في حاجة لأن تدرك قيمة الأشياء التي حولك، والنعم التي وهبها الله إليك، أنك في حاجة لأن ترى امتداد السماء، وسعة الأفق، فإن هذه الأشياء التي تراها وتشعر بها هي مقياس وجودك، فإن تأملك يشكل حياتك.
فإذا وصلت إلى هذه المرحلة من التأمل، ووضعت وقتًا لذاتك لكي لا تفعل شيئًا، وقتها فقط ستصل إلى الصفاء الداخلي، وقتها لن تكون في حاجة أن تلوم الآخرين على ما فعلوه معك، وقتها لن تعطيهم جزءًا من روحك، لأنك الآن لديك روحًا جديدة ألقت بكل ما يضايقها، ويعكر صفوها في سلة مهملات العقل، نعم.... لديك روح جديدة لن تلعن، أو تلوم من أساء إليها أو خدعها أو خانها.. روح جديدة تسامح؛ لأن التسامح هو أفضل علاجًا لروحك، وأكبر انتصارًا لك. فنكأ الجروح الماضية لن يسيل سوى دمك أنت، وأشواك الماضي لن تدمي سوى يديك أنت.
وليتك تعلم صديقي أن من يحبك، يحبك بالفعل، وليس هناك ما ينبغي أن تفعله لكي تحظى بذلك الحب، وإذا أخبرك البعض أن سبب تركهم لك هو أنك لا تفعل شيئًا من أجلهم، فإن الحقيقة المؤلمة التي تنتظرك هي أنهم لن يحبوك حتى وإن نفذت أوامرهم، أو لبيت مطالبهم؛ فاعلم أنهم يقدمون لك حبًا مشروطًا.... ليس لهم غاية به سوى السيطرة عليك ولحظة أن يمنحوك حبهم دون شروط هي اللحظة التي تتحرر فيها من هذا الحب، وهذا ما لا يريدونه بالطبع، لذا فإنك عندما ترضي شخصًا حتى تحظى بحبه، فإنك سوف تكتشف بعد قليل أن ذلك الحب ليس جديرًا بك أو ستجد شروطًا جديدة يتعين عليك تنفيذها قبل أن يتعطفوا عليك بمنحك قليلا من مشاعرهم الزائفة لك.
فلا تضع آمالك على شخص لا يحبك بصدق؛ حتى لا يملأك الهم والألم والحزن عندما يقرر الرحيل، أو يطعنك بخنجر الخيانة؛ لأنك أقوى من أن تترك حياتك تنهار بسب فقدان إنسان، ولكنها ستنهار بالفعل إذا فقدت أنت ذاتك.
واقرأ أيضاً:
الموز... طعام الفلاسفة / عندما يختفي الجمهور
التعليق: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أود أن أعرب عن سعادتي عند قراءة هذة المدونة الشيقة فى مجملها.
ولكن أحب أن أعبر عن وجهة نظر أخرى وهى طبيعة الحياة الحقيقية التى تحدثت بصددها ليس لى الحق أن أرفض ما كتب أو تم التعبير عنه ولكن أليس من العدل أن يبحث الإنسان الذى فقد من يُحبه سبل ابتعاد وجهة الآخر عنه.
ثانياً هل الحياة قائمة على أن يحيا الإنسان بدون آخر يجاهد من أجل إسعاده.
يا صديقتي العزيزة الحياة خلقت لينعم الإنسان بالإنسان ويضحي الإنسان من أجل الإنسان وأه لو تقوقع الفرد منا داخل عقله سيلاقي كل أنواع الحيرة القلق.
لا أحب أن أثبت نظرية أو مبدأ أنا مقتع به ولكن كل ما يهمني هو الإنسان وسعادته. وسعادة الإنسان عن الآخر
تعلمت من التحليل النفسي أن كل رغبة لدى الإنسان هي رغبة في الآخر. ولحياة لا تريدنا أن نحيا فيها منفردين.
أكرر شكري وإمتناني الخالص لصديقتي العزيزة. عبد الناصر علاء