لعلنا اليوم نعيش فترة انتقالية هامة يسجلها باهتمام المهتمون بالتاريخ والتأريخ ومقارنة ما سلف بالحاضر. وتسيطر علينا الحيرة والقلق عندما نتنبأ بما سيكون في المستقبل, كل هذا يعود "للتطور الشامل" والسريع والذي أضفى على الحياة والمعيشة سمة التعقيد والروتينية.
هذه مقدمة مختصرة للموضوع الذي أود طرحه لكن بشكل مختلف قليلا عن الشكل الذي تناوله البعض سواء في الدراسات السيكولوجية أو السوسيولوجية. فقد لفت انتباهي كلمة "عايز أعيشها كده" فكانت دافعا لي للبحث "هو ليه عايز يعيشها كده؟". فلم أجد سوى مصطلح "التمرد" وهو ما تقصده سلوكيات وعبارات فئة الصغار, ولا أقصد بذلك صغار السن من الأطفال, وإنما الشباب ممن لا زالت تكمن بداخلهم أطلال الطفولة. وهنا السؤال الذي يطرح نفسه "كيف يتمرد الصغار؟"
تمرد الصغار هو بداية التعبير عما يريده الشاب ليعيش حياته بالطريقة التي يهواها هو وحده, في حين لا يضع في اعتباراته أسرته "والديه" والمجتمع بكامله. فالأهم لديه أنه يريد ذلك "عايز كده". فتبدأ بذرة التمرد بالنمو وتكشف عن نفسها بعد أن ارتوت بماء الحرية التي منحها الوالدان للشاب بدون قيود, فيصبح التمرد كالنبتة الخضراء التي تريد لشمس المسؤولية أن تغيب عنها لتكتمل وتترعرع تحت جُنح الليل.
فالتمرد الذي أقصده هو كلمة "لأ" لما يريده الكبار "الوالدان", لكن "ما هي مصادر قوة التمرد لدى الصغار؟"
أولا: عدم وضع القيود الملائمة, فهي تتمثل في "الحزم" والذي يولد الكبت والانفجار, أو يتمثل كذلك في "التدليل" الزائد وهو ما يصنع الصغار بدلا من صناعة الكبار, ولا تتمثل وهو الأهم, في الوسطية والتي تظهر في "الحوار".
ثانيا: "موضة التقليد" وأقصد به "قبول أقوال وأفعال الغير, بدون طلب حجة أو دليل".
ونتناول الآن صور التمرد التي يظهرها الصغار (الشباب)؛
بالطبع تأتي في المقدمة كلمة "لأ", وما يتبعها من مجادلات وحوارات لا تلقى موافقة من أحد, لكنها تسير على هواه "مزاجه". ومن أهم الصور التي لفتت انتباهي داخل مجتمعنا, ولا أجد من يختلف معي بشأنها, نجد استيراد المفاهيم الخربة التي يبثها لنا الغرب لتخريب العقول الناضجة وهي "مفهوم الحرية الزائفة", بالإضافة إلى المجادلة في الحق والسفسطة والتي تعمل على نشر الكذب والتضليل. رأيت كل هذا بعين يملؤها الحزن على ما يفعله الصغار بأنفسهم, وما زادني حزنا هو أن الكبار كانوا هم من ساعدهم على ذلك.
"هل للتمرد علاقة بالعنف؟"
تعلمت من صور الحياة ومما كتبه كبار العلماء والكتاب الاجتماعيين أن الصور الغريبة جميعها ناتجة عن شريط واحد وكاميرا واحدة. فالسلوك السيئ ينتج عنه سلوك أسوأ, والتمرد يتبعه عنف وقد يتحول إلى إرهاب, وكل هذا ليس بالأمر الغريب. "فالتمرد والعنف وجهان لعملة واحدة".
تأكد لدي أن هذه المشكلة لا تؤرقني وحدي, إنما تؤرق مجتمعا بكامله, مجتمع غابت عنه شمس الاحترام والتدين والتحلي بأخلاق السابقين ممن عاشوا سعادة جمعوا ثمارها في زمنهم , وهي نفس الثمار التي نفتقد مذاقها الآن.
الآن وقد سردت ما أريد, آمل أن أكون قد ألقيت الضوء على هذه المشكلة, والتي لن يكفينا مجلد كامل لمناقشتها وتناولها من كل جوانبها, بل قد يتطلب الأمر عشرات المجلدات إن أردنا إيفاءها حقها. فلنتخطى هذه العقبة التي تؤرقنا جميعاً, صغارا وكبارا على حد سواء, علينا أن نواجه مشاكلنا بشيء من العقلانية والمرونة والإيجابية, وأيضا بالرجوع إلى "المسار الصحيح".
واقرأ أيضًا:
الكل في التحرير / متى أُصبح أنا؟
التعليق: صحيح كلامك يا أستاذنا لكن على الأهل ترك أسلوب الكبت والإجبار وأيضا الحرية الزائدة خصوصا للولد، لكن الأهل بحاجة لتعلم ثقافة الحوار كي يستطيعوا تربية الجيل بشكل صحيح أصلا وهذا شبه معدوم في بلادنا للأسف