حكاوي القهاوي (101)
(468)
نهج السلفيين
يتهم الإخوان المسلمون التيار السلفي أنهم صناعة لاظوغلي، أي أن أمن الدولة قد صنعهم ليضرب بهم تيار الإخوان المسلمين. لقد كان هذا التيار السلفي دوماً مطيعاً لأمن الدولة معلناً من فوق المنابر كل الفتاوى التي ترسي الحكم للرئيس، فقالوا بعدم جواز الخروج عليه حتى لو كان مبارك ولعياذ بالله فاسدا، بل وباركوا عملية التوريث فلا وجود لانتخابات في شرعهم وتوريث جمال هو قمة إعمال أحكام الشرع.
فعاش التيار السلفي في سنين عسل يرتع في أمن أمن الدولة، وعندما ذاع سيطهم ارتحل قادتهم كعادة بدو الصحراء إلى حيث يوجد الكلأ فذهبوا للقذافي ليمتدحوا حكمه وليستمتعوا بعطاياه. ثم جاءت ثورة 25 يناير ليعلن السلفيون أنهم لن يخرجوا وأنهم للثوار لاعنون، ولما نجحت الثورة ولم ينتقم منهم الثوار على ما فعلوه أدرك السلفيون أن الثوار مأمونو الجانب، وأنهم لن يمسهم من هؤلاء الثوار سوء فراحوا يعملون لمن لا يؤمن جانبهم من أمن الوطن والعسكر، فما زالوا يأتمرون بأمرهم ويتحركون وفقاً لما يمليه عليهم ضباطهم.
ثم فجأة قرروا بناء على رأي رشيد فيهم أو بناء على أمر سيد يدفع لهم بسخاء أن يدخلوا الانتخابات وهنا تناسى السلفيون فتوى تحريمها. وما أنْ دخلوا فيها حتى وجدوا أنفسهم على كراسي البرلمان يتربعون بحكم مليك مقتدر، وهنا أدرك السلفيون أنهم كانوا على صواب وأنهم ينتهجون النهج الصحيح الذي انتهجوه منذ أيام المبارك مبارك وما زالوا عليه مع المجلس الذي ورث الملك وهم له خادمون.
أدرك السلفيون أن البقاء والمكسب في تأييد العسكر والدعاء لهم من على المنابر كما كانوا دوما لمبارك يفعلون، أدرك السلفيون أنه بالصمت والسكوت سينالون المقاصد وسيحصدون المكاسب وسيكون لهم الملك بعد حين، وحين يأتي هذا الحين سينقلب السلفيون ليحكموا بما حكم أسلافهم بين الناس فيسوون المقامات بالأرض ويضربون النساء بالسياط ويجمعون الجزية لتمتلئ البطون بأشهى ما يحلمون فيتزوج كل منهم بأربع يسرن له في قصره على أربع.
لهذا لا يصدر عن السلفيين صوت من أي اتجاه، وإنما تجدهم منتظرون وفي جحورهم قابعون منتظرون لما تسفر عنه المعركة بين الثوار والعسكر، فيخرجوا في النهاية معلنون أنهم للمنتصر مؤيدون، لينقضوا على الغنائم جامعون دون أن يراق لهم قطرة دم. وإن كان هناك شبهة انتصار للعسكر، فالنصر له إذن من عند الله وخروج من الملة هو الخروج على السلطان. لهذا لا يخرج السلفيون ولا يتظاهرون إلاّ وفقاً لما يأمرهم به الآمرون وهم لهم إن شاء الله طائعون، فهذا هو نهجهم الذي ينتهجون وبه يؤمنون وبواسطته هم دوماً إن شاء الله ناجون.
(469)
لعبة الإخوان
أتفق الإخوان المسلمون بعد ثورة يوليو 1952 مع العسكر وعاشا معاً شهر عسل ولكن في لحظة نشوة وإحساس بالقوة قال الإخوان لعبد الناصر لا؛ فكان مصيرهم السجن والتعذيب وانقلب عليهم العسكر، ثم أخرجهم السادات من السجون ليقولوا له نعم فعاشوا مع السادات في تبات ونبات، إلاّ أنهم لم يعلنوا انفصالهم الواضح عن أي فيصل ديني آخر، وعندما حدث ما حدث من جماعة الجهاد الإسلامي واغتيالهم للسادات، راح الإخوان ضحية عدم إيضاحهم بأنهم غير الجهاديين والتكفيريين وأنهم مما فعلوه بالسادات براء، ففعل بهم مبارك ما فعل ووضعهم جميعاً في سلة واحدة مع باقي التيارات الدينية، فكلهم في نظره متطرفون يسعون للاستيلاء على الكرسي الذي جلس عليه وانتوى فيما بعد توريثه لابنه جمال.
لهذا قرر الإخوان المسلمون بعد ثورة 25 يناير أن يتعلموا من أخطاء الماضي حتى يضمنوا عدم انقلاب العسكر عليهم كما فعل عبد الناصر من قبل وكما فعل مبارك فيما بعد. لهذا قرر الإخوان المسلمون دعم كل قرارات العسكر ودعم بقائه في السلطة حتى نهاية عام 2013، ولولا الثوار الأحرار لما تم تعديل موعد تسليم السلطة ليكون في يونيو 2012. كما يدعم الإخوان سراً مرشح العسكر؛ فيكون سيادة الرئيس القادم هو من يوافق عليه المجلس، سواء كان عمرو موسى أو منصور حسن أو أي ضابط يوافق عليه مجلس العسكر.
لم يعترض الإخوان أيضاً على الموافقة على منح امتيازات للعسكر تكون بنوداً في الدستور، وعلينا أن نتذكر جميعاً أن القوى الليبرالية هي التي رفضت البندين التاسع والعاشر في وثيقة السلمي اللذين منحا امتيازات للعسكر، بينما كان رفض الإخوان والسلفيين لوثيقة السلمي مبنياً فقط على رفض وجود مواد حاكمة للدستور تحول دون تحقيق حلم الدولة الدينية. الأمر الأخير الذي يحرص عليه الإخوان حرصاً أشد ما يكون هو نفي وجود أي تحالف أو توافق مع أي تيار ديني آخر حتى لا يوضع الإخوان وهذا التيار أياً ما يكون في سلة واحدة فيتحمل الإخوان وزراً لم يفعلوه. لهذا يظن الإخوان أنهم سينجحون هذه المرة في كسب ود العسكر وأنهم سيحصلون على دعم العسكر بالحصول على الأغلبية البرلمانية وبتشكيل الوزارة قريباً، وإنْ كانوا يتطلعون للرئاسة وهم على يقين أنهم سيجدون الصيغة التوافقية مع العسكر وأمريكا وإسرائيل حتى يتحقق لهم حلم الرئاسة بعد حين.
(470)
الصعود للهاوية
اكتساح التيار الإسلامي عامة والأخوان المسلمون خاصة للبرلمان أشبه بالصعود للهاوية؛ إذ سيسقط كل هؤلاء سقوطاً مدوياً، وسينفض عنهم الشباب المحترم المخدوع فيهم، وقد ظهرت بوادر هذا السقوط المدوي في مظاهرات أمس في ميدان التحرير عندما أصر الإخوان على عمل كل ما من شأنه استفزاز للثوار سواء بالسماعات أو بالشعارات، ثم زاد الطين بلة رقص غزلانهم على صفيح الثورة الساخن.
قريباً جداً سيسقط نوابهم في البرلمان خاصة في وجود الأعضاء الليبراليين الثوريين المحترمين الذين سيضغطون على هؤلاء المتأسلمين لتنفيذ مطالب الثورة لتسقط عنهم كل الأقنعة الكاذبة، ناهيك عن ضغط الشارع المصري بمظاهراته وثواره. غداً سيكره هذا التيار اليوم الأسود الذي دخلوا في هذا البرلمان الملعون الذي ظنوا فيه منتجعاً للمتعة والاستجمام. لهذا أقترح على أعضاء مجلس الشعب بإصدار قرار بمنع إذاعة جلسات البرلمان إسوة بقرار المحكمة بمنع علانية جلسات محاكمة المخلوع.
(471)
لماذا تونس وليس مصر
يرجع البعض أسباب استقرار تونس سريعاً بعد ثورتها وسيرها في خطوات واثقة نحو بناء دولة ديمقراطية مدنية لها معالمها الواضحة -بعكس ما حدث في مصر من تخبط في الرؤية وعدم استقرار في النهج أو الخطوات- إلى التدخل الغربي ولتدخل بعض دول الجوار في شئون مصر. فبسبب وزن وثقل مصر في المنطقة تحركت هذه القوى نحو السيطرة على مصر حتى لا تقوم فيها نهضة حقيقية لضمان عدم اختلال موازين القوى في المنطقة، على عكس تونس التي لن يؤثر إحداث الديمقراطية سلبياً على موازين القوى في المنطقة. وعلى الرغم من وجاهة وجهة النظر هذه وصدقها إلاّ أن هناك سببا آخر أكثر وجاهة في تصوري يكمن وراء تدهور الأوضاع في مصر بعد ثورة 25 يناير.
أعتقد أن السبب الرئيسي لتدهور الأوضاع هو حكم العسكر الذين حكموا مصر منذ قيام ثورة يوليو عام 1952، والذين يرفضون تأثر مصالحهم وامتيازاتهم التي حصلوا عليها بعد ثورة 1952 بسبب تحول مصر إلى المدنية التي لا حكم للعسكر فيها. بينما لم تكن تونس يوماً محكومة بحكم عسكري؛ فالحبيب بورقيبة لم يكن عسكرياً يوماً وإنما كان محامياً في الأساس وانخرط في المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي، ثم صار في عام 1956 بعد الاستقلال عن فرنسا رئيساً للوزارة، ثم أصبح في مارس عام 1957 وبعد إعلان الجمهورية وإلغاء الملكية أول رئيس للجمهورية. فالبداية في تونس إذن غير عسكرية، على عكس الحال في مصر، بل إن الجيش التونسي لم يتكون بشكل مؤسسي نظامي إلا بعد الاستقلال عن فرنسا، وهذا يعني أن الجيش كمؤسسة جاءت بعد الاستقلال بعكس مصر الذي كان فيها الجيش مؤسسة قوية منذ حكم محمد علي.
لم يختلف الحال كثيراً مع زين العابدين بن علي الذي لم يكن في تصوري عسكرياً خالصاً إذ انضم في سنة 1958 للجيش التونسي الحديث النشأة، فالتحق بمدرسة "سان سير" العسكرية الفرنسية بهدف تكوين النواة الأولى للجيش الوطني التونسي، وعاد إلى تونس في سنة 1964 ليشغل منصب مدير الأمن الوطني لعشر سنوات، ثم صار بعد ذلك الملحق العسكري في المغرب ثم في أسبانيا ثم صار سفيراً في بولندا حتى سنة 1984 ثم وزيرا للداخلية ثم رئيساً للوزراء في سنة 1987 وانتهى به الأمر ليصير رئيساً للجمهورية خلفاً للحبيب بورقيبة بناء على تقرير طبي يثبت عدم قدرة الحبيب بورقيبة على تسيير البلاد فيما عرف بـ"الثورة الهادئة" أو "الانقلاب الطبي".
يعني هذا في تصوري أن علاقة زين الدين بن علي بالمؤسسة العسكرية لم تزد على الست سنوات التي قضاها في فرنسا بمدرسة سان كير العسكرية، على عكس الحال في مصر؛ فالرؤساء العسكر من عبد الناصر والسادات ومبارك كانوا عسكريين خاضوا حروباً رسخت من انتمائهم وولائهم لهذه المؤسسة العسكرية ومن ثم سعيهم الدائم لحصول هذه المؤسسة على كافة الامتيازات في توزيع السلطة والثروة في البلاد.
لهذا أعتقد أن التحدي الأقوى الذي تواجهه مصر هو من الداخل والذي يتمثل في سيطرة المؤسسة العسكرية. هذا التحدي لا يقل أبداً عن التحدي الذي تواجهه مصر من الخارج والذي يتمثل في القوي الغربية ودول الجوار. يمكن القول من هذا المنطلق بأن تنحي مبارك كان مفروضاً عليه من المؤسسة العسكرية قبل الغرب حتى لا تنفلت الأمور من أيديهم ويفقد هؤلاء العسكر مصالحهم ومكتسباتهم التي يتمتعون بها منذ قيام ثورة يوليو، بل يجوز افتراض أنهم هم الذين فرضوا على مبارك أن يكون تنحيه مشروطاً بتسليم السلطة للعسكر وليس لرئيس مجلس الشعب كما يقضي بذلك الدستور.
إن حداثة المؤسسة العسكرية في تونس على عكس الحال في مصر حيث أن للمؤسسة العسكرية قدم وبيروقراطية سمحا لها بالسيطرة على مقاليد البلاد طوال الستين عاماً السابقة، إضافة إلى استيلاء العسكر على الحكم في مصر طوال هذه السنوات والحصول على امتيازات لا نهائية، على عكس الحال في تونس حيث كان الحكم مدنياً وليس عسكرياً منذ اليوم الأول بعد الاستقلال عن فرنسا، فالمؤسسة العسكرية في تونس بعيدة كل البعد عن السلطة وعن توزيع الغنائم. هذان الأمران على وجه الخصوص لهما الوزن الأكبر في تدهور الأحوال في مصر مما حال دون التحول الديمقراطي إلى الدولة المدنية غير المحكومة من قبل العسكر.
28/1/2012
ويتبع >>>>>>>>: حكاوي القهاوي (103)
واقرأ أيضاً:
الديمقراطية بعيون سلفية / من قتل الشيخ؟ / محنة الشرف العسكري / صاحب العباءة وبنات الثورة / حكاوي القهاوي
التعليق: يعجبني النقد الذي في مكانه، ولا يعجبني النقد الهدام، فبدلا من تمني النجاح والتوفيق لمن سيحكم مصر، ها أنت تعطينا نظرة تشاؤمية، أسأل الله أن لا تكون هي السائدة، وأن يوفق مصر وأهلها لما يحبه ويرضاه