أصبح هذا السؤال شائعاً على كثير من ألسنة العامة في مصر، وغدا يتردد كثيراً في مجالسهم من سوء ما آلت إليه أحوالهم بعد الثورة، وفي نفس الوقت أصبح السؤال المعاكس هو الذي يردده أبناء النخبة الثورية من شباب الثورة، وباتوا يتساءلون: هل ماتت الثورة في قلوب المصريين؟ وبين هؤلاء وهؤلاء لا تجد إجابة واضحة حاسمة لأي من السؤالين...
إن الإجابة الحاسمة تحتاج منا أولاً وقفة لإعادة صياغة مفهوم الثورة ضمن الإطار الصحيح حتى نتمكن من الإجابة بشكل سليم، إننا بحاجة لأن نعيد تعريف مفهوم الثورة من جديد من جهة، ومظاهرها وآلياتها من جهة أخرى قبل أن نقرر ما إذا كانت قد انتهت أم لا، أو هل ستنتهي قريباً أم لا...
لقد قامت الثورة من أجل إحداث تغيير ما بعد أن أصبحت الحياة في ظل عهد المخلوع لا تطاق لا من ناحية الحريات والكرامة ولا من الناحية الاقتصادية ولا حتى من الناحية الأخلاقية، لكن المشكلة الرئيسية أن هذا التغيير المنشود أُطِّر منذ البداية ضمن نطاق حلم محدود كان أقصاه محاولة اقتباس تجارب الديمقراطية في بلدان العالم الغربي ومزجها بشكل غير واضح بواقع الحياة عندنا على أمل تكرار نموذجي ماليزيا وتركيا أو حتى دول أوروبا لدى البعض، أما في أدناه فقد كان الحلم إحداث مجرد تغيير في بنية النظام الحاكم لفسح المجال لتطوير وتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للخروج بالبلد من عنق الزجاجة، لكن حلم الثوار لم يصل أبداً إلى النقطة الحرجة التي تؤدي إلى انفجار الروح الثورية في جميع أركان المجتمع بحيث يأخذ خطاً ذي اتجاه واحد يجعل التساؤل عن موعد انتهاء الثورة مجرد جملة لا محل لها من الإعراب... ولذلك توقفت الثورة عند نقطة مبكرة كثيراً بسبب غياب هذا الحلم الملهم وتحولت إلى مجرد حركة إصلاحية ذات مظاهر ثورية.
إن الثورة الحقيقية لا تقف مظاهرها عند مجرد التظاهر والاعتصام والمطالبة بل تمتد وتتسع لتؤثر بشكل مباشر على سلوك الأفراد وحياتهم بدافع داخلي مؤمن بحلم الثورة وليس تحت ضغط الاقناع والرجاء تارة والإكراه بالضغط والتظاهر تارة أخرى، إنني بكل تأكيد لا اعترض على التظاهر كأحد مظاهر الثورة المؤثرة ولكنها يجب أن ترفد بمظاهر ثورية أخرى من التفاني في العمل لانجاز التغيير بدل من الاكتفاء بطلب التغيير تارة والامتناع عن الطلب تارة أخرى تحت ضغط الحسابات السياسية، ولا تكفي مجرد الدعوات للعودة للعمل وإدارة عجلة الانتاج لإحداث هذه النقلة بل على العكس، فالاقتصار على هذه الدعوات يكاد يكون وسيلة لإخماد جذوة الثورة في النفوس.
إننا بحاجة إلى حلم حقيقي واضح يلهب حماس الناس ويستثير فيهم روح المبادرة التي لا يمتلكها عادة عامة الناس كما يمتلكها أصحاب الفكر الثوري، وحينها لن يكون للسؤالين المذكورين أعلاه محل في القلوب لا من باب الملل وسأم صعوبة الحياة ولا من باب الخوف والقلق، لأن الثورة لا تنتهي والحالة تلك إلا بتحقيق الحلم وهو أمر يستغرق سنوات وسنوات ولكن مظاهرها هي التي ستتغير طبيعتها وفقاً لحاجة المرحلة فيكون التظاهر أداة تستخدم حيناً لتحقيق ما لا يتحقق بغيرها ويكون التفاني في العمل وطلب العلم والبناء وقبل هذا وذاك تغيير السلوك الفردي والجماعي واستئصال الفساد من النفوس قبل المؤسسات هو المظهر الأكثر شيوعاً وفعالية للثورة سواء من العامة أو الخاصة.
إن غياب هذا الحلم وهذه النتيجة أثر على العامة وعلى النخبة الثورية، فالعامة بعد وقت قصير تبدأ بالشعور بالرغبة في العودة للهدوء والاستقرار وتتولد لديها كراهية تتنامى يوماً بعد آخر للثورة وللمظاهر الثورية، أما الثوار فيقعون تحت ضغط العامة فريسة للتفكير القسري الكمالي المتشدد وأحياناً المتطرف الذي يسعى لتحقيق الصورة الكاملة التي يظنها الأفضل بين عشية وضحاها ولا يمتلك في أدبياته وسيلة لذلك سوى استمرار الضغط بالمظاهر الثورية الصاخبة كالتظاهر والاعتصام وتكون النتيجة حدوث الانشقاق مع الوقت بين هذه النخبة الثورية وبين العامة وتبدأ عبارات التخوين والاتهامات المتبادلة في الظهور؛
ثم ما يلبث هذا الانشقاق أن يتسرب إلى صفوف الثوار أنفسهم فكل منهم يملك صورة محددة في مخيلته لا يرى غيرها صواباً وكل من يخالفه من حلفاء الأمس يصبح اليوم في نظره خائناً أو متخاذلاً أو صاحب أجندات ودعوات للخراب... فيتحول مفهوم الثائر من صاحب فكر تغيير وتطوير يسعى له بكل طريقة وفق ما يناسب الحال إلى مفهوم أوحد يختلف في ذهن كل فرد عن الآخر فيرى البعض أن كل من لم يسعى لعلو الصوت والصخب والضجيج فقد الأهلية لأن يسمى ثائراً ويرى بعض آخر أن كل من يصرخ معترضاً على رأي لا يؤمن بصوابه هو متطرف يفقد الثورة نجاحاتها في حين أن الحقيقة بينهما، وأن لكل مقام مقال، فالثائر الحق هو من يستخدم عقله بعد أن تشحن عواطفه ليحقق حلم التغيير المنشود بأقل الخسائر الممكنة وأفضل الوسائل المتاحة.
وأنا شخصياً أؤمن بأن الثورة بمفهومها الشامل والصحيح لا تتوقف أبداً، فهي علامة على صحة المجتمع ومتى توقفت بدء المجتمع في التهاوي إلى الأسفل مع مرور الوقت، فكيف تنتهي الثورة ولم ينتقل بعد مجلس الأمن ليكون مقره في أرضنا وزيارة بيت المقدس لم تصبح بسهولة زيارة مكة سواء بسواء، ولم يتشكل لنا كيان واحد يجمع أشتات دول فرقها مستعمر بعد أن كانت قبضة واحدة... ولم تصبح جامعاتنا بعد تتنافس وتتبادل فيما بينها المراكز الأولى على مستوى العالم، ولم تقم ثورات في بلاد الغرب تدعو لمبادئنا الفاضلة التي بدورها لم تصبح بعد قبلة الحالمين بالحرية الحقيقية، ولم تستنجد بعد شعوبهم بنا لمساعدتهم للتحرر من طغيان أنظمتها الاقتصادية والسياسية.
كيف تقف الثورة ولم يلعب الأطفال بعد في شرق الأرض ومغاربها بألعاب نصنعها نحن لتغرس فيهم ثقافتنا وتعلمهم الحرية الحقيقية بدلاً من حرية العام سام المزيفة، كيف تنتهي الثورة ولم تصبح بعد الأفلام العشرة الأولى المفضلة لدى شباب أوروبا وأمريكا من إنتاجنا وتعبر عن هويتنا وثقافتنا، كيف ولم ينتقل بعد وادي السيليكون ولا أكبر مراكز أبحاث الفضاء ليكونا في أرضنا، ولم يأتي بعد الوقت الذي نخرج فيه صدقاتنا إلى فقراء منهاتن وضواحي لندن لأننا لا نجد من يحتاجها بيننا، ولم تصبح محاكمنا مضرب المثل في النزاهة والعدل وحفظ الكرامة الإنسانية حتى يتحاكم إلينا الشرق والغرب بدلاً من مهزلة لاهاي، كيف وكيف وكيف، لو أردت أن أعدد لاحتجت مجلداً وليس بضعة سطور في مقالة.
ورغم كل ذلك فإننا يجب أن نتكشف سريعاً كيف نحول الطاقة الثورية من شكل إلى آخر كما تتحول الطاقة في المحركات من كهربائية إلى ميكانيكية وفي السخانات إلى حرارية وفي المصابيح إلى ضوئية، يجب أن نكتشف ذلك قبل أن تتبدد هذه الطاقة في الهواء على شكل واحد من مظاهر الثورة يستهلك منها ما يفي بالغرض ويتبخر الباقي على شكل طاقة صوتية لاتجد لها محولاً مناسباً وينفد مخزوننا منها ويصح فينا المثل القائل "كأنك يا أبو زيت ما غزيت"
واقرأ أيضاً:
القانون ليس حلاً/ دليل الحاكم المسلم: لحكم شعب مؤمن/ ..... لابد أنهم يحبون مصر جدا
إن الإجابة الحاسمة تحتاج منا أولاً وقفة لإعادة صياغة مفهوم الثورة ضمن الإطار الصحيح حتى نتمكن من الإجابة بشكل سليم، إننا بحاجة لأن نعيد تعريف مفهوم الثورة من جديد من جهة، ومظاهرها وآلياتها من جهة أخرى قبل أن نقرر ما إذا كانت قد انتهت أم لا، أو هل ستنتهي قريباً أم لا...
لقد قامت الثورة من أجل إحداث تغيير ما بعد أن أصبحت الحياة في ظل عهد المخلوع لا تطاق لا من ناحية الحريات والكرامة ولا من الناحية الاقتصادية ولا حتى من الناحية الأخلاقية، لكن المشكلة الرئيسية أن هذا التغيير المنشود أُطِّر منذ البداية ضمن نطاق حلم محدود كان أقصاه محاولة اقتباس تجارب الديمقراطية في بلدان العالم الغربي ومزجها بشكل غير واضح بواقع الحياة عندنا على أمل تكرار نموذجي ماليزيا وتركيا أو حتى دول أوروبا لدى البعض، أما في أدناه فقد كان الحلم إحداث مجرد تغيير في بنية النظام الحاكم لفسح المجال لتطوير وتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للخروج بالبلد من عنق الزجاجة، لكن حلم الثوار لم يصل أبداً إلى النقطة الحرجة التي تؤدي إلى انفجار الروح الثورية في جميع أركان المجتمع بحيث يأخذ خطاً ذي اتجاه واحد يجعل التساؤل عن موعد انتهاء الثورة مجرد جملة لا محل لها من الإعراب... ولذلك توقفت الثورة عند نقطة مبكرة كثيراً بسبب غياب هذا الحلم الملهم وتحولت إلى مجرد حركة إصلاحية ذات مظاهر ثورية.
إن الثورة الحقيقية لا تقف مظاهرها عند مجرد التظاهر والاعتصام والمطالبة بل تمتد وتتسع لتؤثر بشكل مباشر على سلوك الأفراد وحياتهم بدافع داخلي مؤمن بحلم الثورة وليس تحت ضغط الاقناع والرجاء تارة والإكراه بالضغط والتظاهر تارة أخرى، إنني بكل تأكيد لا اعترض على التظاهر كأحد مظاهر الثورة المؤثرة ولكنها يجب أن ترفد بمظاهر ثورية أخرى من التفاني في العمل لانجاز التغيير بدل من الاكتفاء بطلب التغيير تارة والامتناع عن الطلب تارة أخرى تحت ضغط الحسابات السياسية، ولا تكفي مجرد الدعوات للعودة للعمل وإدارة عجلة الانتاج لإحداث هذه النقلة بل على العكس، فالاقتصار على هذه الدعوات يكاد يكون وسيلة لإخماد جذوة الثورة في النفوس.
إننا بحاجة إلى حلم حقيقي واضح يلهب حماس الناس ويستثير فيهم روح المبادرة التي لا يمتلكها عادة عامة الناس كما يمتلكها أصحاب الفكر الثوري، وحينها لن يكون للسؤالين المذكورين أعلاه محل في القلوب لا من باب الملل وسأم صعوبة الحياة ولا من باب الخوف والقلق، لأن الثورة لا تنتهي والحالة تلك إلا بتحقيق الحلم وهو أمر يستغرق سنوات وسنوات ولكن مظاهرها هي التي ستتغير طبيعتها وفقاً لحاجة المرحلة فيكون التظاهر أداة تستخدم حيناً لتحقيق ما لا يتحقق بغيرها ويكون التفاني في العمل وطلب العلم والبناء وقبل هذا وذاك تغيير السلوك الفردي والجماعي واستئصال الفساد من النفوس قبل المؤسسات هو المظهر الأكثر شيوعاً وفعالية للثورة سواء من العامة أو الخاصة.
إن غياب هذا الحلم وهذه النتيجة أثر على العامة وعلى النخبة الثورية، فالعامة بعد وقت قصير تبدأ بالشعور بالرغبة في العودة للهدوء والاستقرار وتتولد لديها كراهية تتنامى يوماً بعد آخر للثورة وللمظاهر الثورية، أما الثوار فيقعون تحت ضغط العامة فريسة للتفكير القسري الكمالي المتشدد وأحياناً المتطرف الذي يسعى لتحقيق الصورة الكاملة التي يظنها الأفضل بين عشية وضحاها ولا يمتلك في أدبياته وسيلة لذلك سوى استمرار الضغط بالمظاهر الثورية الصاخبة كالتظاهر والاعتصام وتكون النتيجة حدوث الانشقاق مع الوقت بين هذه النخبة الثورية وبين العامة وتبدأ عبارات التخوين والاتهامات المتبادلة في الظهور؛
ثم ما يلبث هذا الانشقاق أن يتسرب إلى صفوف الثوار أنفسهم فكل منهم يملك صورة محددة في مخيلته لا يرى غيرها صواباً وكل من يخالفه من حلفاء الأمس يصبح اليوم في نظره خائناً أو متخاذلاً أو صاحب أجندات ودعوات للخراب... فيتحول مفهوم الثائر من صاحب فكر تغيير وتطوير يسعى له بكل طريقة وفق ما يناسب الحال إلى مفهوم أوحد يختلف في ذهن كل فرد عن الآخر فيرى البعض أن كل من لم يسعى لعلو الصوت والصخب والضجيج فقد الأهلية لأن يسمى ثائراً ويرى بعض آخر أن كل من يصرخ معترضاً على رأي لا يؤمن بصوابه هو متطرف يفقد الثورة نجاحاتها في حين أن الحقيقة بينهما، وأن لكل مقام مقال، فالثائر الحق هو من يستخدم عقله بعد أن تشحن عواطفه ليحقق حلم التغيير المنشود بأقل الخسائر الممكنة وأفضل الوسائل المتاحة.
وأنا شخصياً أؤمن بأن الثورة بمفهومها الشامل والصحيح لا تتوقف أبداً، فهي علامة على صحة المجتمع ومتى توقفت بدء المجتمع في التهاوي إلى الأسفل مع مرور الوقت، فكيف تنتهي الثورة ولم ينتقل بعد مجلس الأمن ليكون مقره في أرضنا وزيارة بيت المقدس لم تصبح بسهولة زيارة مكة سواء بسواء، ولم يتشكل لنا كيان واحد يجمع أشتات دول فرقها مستعمر بعد أن كانت قبضة واحدة... ولم تصبح جامعاتنا بعد تتنافس وتتبادل فيما بينها المراكز الأولى على مستوى العالم، ولم تقم ثورات في بلاد الغرب تدعو لمبادئنا الفاضلة التي بدورها لم تصبح بعد قبلة الحالمين بالحرية الحقيقية، ولم تستنجد بعد شعوبهم بنا لمساعدتهم للتحرر من طغيان أنظمتها الاقتصادية والسياسية.
كيف تقف الثورة ولم يلعب الأطفال بعد في شرق الأرض ومغاربها بألعاب نصنعها نحن لتغرس فيهم ثقافتنا وتعلمهم الحرية الحقيقية بدلاً من حرية العام سام المزيفة، كيف تنتهي الثورة ولم تصبح بعد الأفلام العشرة الأولى المفضلة لدى شباب أوروبا وأمريكا من إنتاجنا وتعبر عن هويتنا وثقافتنا، كيف ولم ينتقل بعد وادي السيليكون ولا أكبر مراكز أبحاث الفضاء ليكونا في أرضنا، ولم يأتي بعد الوقت الذي نخرج فيه صدقاتنا إلى فقراء منهاتن وضواحي لندن لأننا لا نجد من يحتاجها بيننا، ولم تصبح محاكمنا مضرب المثل في النزاهة والعدل وحفظ الكرامة الإنسانية حتى يتحاكم إلينا الشرق والغرب بدلاً من مهزلة لاهاي، كيف وكيف وكيف، لو أردت أن أعدد لاحتجت مجلداً وليس بضعة سطور في مقالة.
ورغم كل ذلك فإننا يجب أن نتكشف سريعاً كيف نحول الطاقة الثورية من شكل إلى آخر كما تتحول الطاقة في المحركات من كهربائية إلى ميكانيكية وفي السخانات إلى حرارية وفي المصابيح إلى ضوئية، يجب أن نكتشف ذلك قبل أن تتبدد هذه الطاقة في الهواء على شكل واحد من مظاهر الثورة يستهلك منها ما يفي بالغرض ويتبخر الباقي على شكل طاقة صوتية لاتجد لها محولاً مناسباً وينفد مخزوننا منها ويصح فينا المثل القائل "كأنك يا أبو زيت ما غزيت"
واقرأ أيضاً:
القانون ليس حلاً/ دليل الحاكم المسلم: لحكم شعب مؤمن/ ..... لابد أنهم يحبون مصر جدا