سمعت أحد الشباب يتحدث إلى صديقه: "تخيل لو عبدالمنعم أبو الفتوح نجح في انتخابات الرئاسة يبقى ده أول رئيس اتثبت ع الدائري وانضرب هو والسواق بتاعه واتسرقت عربيته، وده يمكن يخليه يحس بينا بقى ويظبط الداخلية ويخلصنا م البلطجية".
توقفت أمام العبارة وأحسست فيها برغبة أن يأتي الرئيس أيا كان اسمه أو صفته من بين الناس ويا حبذا لو تعرض لما تعرض له المصريون من أذى ومشقة وكبد في حياتهم لكي يشعر بما يشعرون به ويتحمس لتغيير حياتهم، ومن هنا تحمست للتأمل والغوص في شخصية الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح بعد حادث "تثبيته على الدائري" والعدوان عليه وسرقته وربما تعاطفا معه أو أملا في أن يستطيع في يوم ما – بدافع من التجربة الشخصية في السجن و"التثبيت" والسرقة – أن يطهر (لا أن يعيد هيكلة) وزارة الداخلية التي استخدمها مبارك لقهرنا وإذلالنا وحين رحل هو وعصابته تركتنا الداخلية نهبا للبلطجية.
نشأته:
ولد د. عبد المنعم أبو الفتوح في حي الملك الصالح بمصر القديمة في 15 أكتوبر 1951 لأسرة جاءت الي القاهرة من محافظة الغربية، وكان ترتيبه الثالث بين ستة إخوة كلهم ذكور، توفي أخويه الأكبر وأصبح هو أكبر إخوته الأحياء. وحي مصر القديمة يتميز بوجود عدد كبير من المساجد والكنائس الأثرية وربما ترك ذلك التعانق بين مآذن المساجد وأبراج الكنائس تأثيرا في شخصيته.
وفي مواقف كثيرة في حياته كان يتضح أن حلمه بلا حدود، وأن سقف طموحاته أعلى مما يتصور أحد، وربما كان يكمن وراء ذلك شعور إيجابي عال بالذات، وقد كان هذا يجعله مستشعرا أن لا شئ صعب أمام العزيمة والإرادة والعمل والاجتهاد وقبل كل ذلك التوكل على الله والاستعانة به.
وعلى الرغم من كونه الأخ الأوسط إلا أنه كان يتصرف على أنه الأكبر بين إخوته من حيث تحمله للمسئولية، والمبادرة للمساعدة عند أي موقف يواجه الأسرة، وقد كان يتميز بين إخوته أنه يقوم بالعمل دون تكليف، وقد جعله ذلك أقرب الأبناء لوالده. وقد انتشر ذلك السلوك من الأسرة الصغيرة إلى العائلة الأكبر فبدأ يبرز على أنه عميد العائلة رغم صغر سنه، وامتدت رعايته وخدماته إلى عائلته كلها وإلى بلدته الأصلية فكان الناس يأتون إليه وهو طالب في كلية الطب لكي يساعدهم في الوصول إلى كبار الأطباء، إذ لم تكن لديه حواجز نفسية تمنعه من أن يصل إلى أعلى مستوى طبي أو إداري لمساعدة المرضى والضعفاء من عائلته أو من أهل بلدته أو غيرهم، وكان معروفا عنه أنه إذا أراد شيئا فعله بسلاسة وإقدام.
وعلى الرغم من بساطة النشأة فقد استطاع تجاوز كل العقبات وتحقيق خطوات هائلة في تطوره الشخصي والمهني والإجتماعي والسياسي، وعلى الرغم مما واجهه من عقبات إلا أنه استطاع أن يوظفها لصالح مشروعه الإصلاحي الطموح والمثابر.
تميز عبد المنعم أبو الفتوح في الجامعة بنشاطه واهتمامه بشئون زملائه فشغل منصب رئيس اتحاد كلية طب القصر العيني التي كانت في ذلك الوقت رائدة في العمل الإسلامي، ثم أصبح بعد ذلك رئيس اتحاد طلاب جامعة القاهرة، حين حدثت الواقعة الشهيرة عندما واجه عبد المنعم أبو الفتوح الرئيس السابق محمد أنور السادات أثناء لقائه معه بثقة وشجاعة لا تخلو من اندفاع الشباب فقال له أن الدولة يسود فيها حالة من النفاق ولا تحترم علماءها وانتقد منع الشيخ الغزالي من الخطابة.
لم يؤثر انشغاله بالعمل العام علي دراسته فظل محافظا على تفوقه في جميع سنوات الدراسة وحصل علي بكالوريوس طب القصر العيني بتقدير جيد جدا، لكنه حرم من التعيين بسبب نشاطه السياسي واعتقل لعدة أشهر ضمن اعتقالات سبتمبر ١٩٨١ الشهيرة. إلا أنه واصل تفوقه الدراسي وحصل علي ماجيستر إدارة المستشفيات. انضم لحركة الإخوان المسلمين وشغل منصب عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين منذ عام ١٩٨٧حتي ٢٠٠٩.
عقب تخرجه شغل د.عبد المنعم أبو الفتوح العديد من المناصب السياسية والنقابية مثل منصبه السابق كأمين عام نقابة أطباء مصر ومنصبه الحالي كأمين عام اتحاد الأطباء العرب، كما امتد عمله العام للعمل الإغاثي والإنساني من خلال رئاسته للجنة الإغاثة والطوارئ باتحاد الأطباء العرب، التي أرسلت مساعدات طبية وإنسانية إلي ضحايا حادثة سيول أسوان وسيناء وكارثة الدويقة، كما قامت بتجهيز المستشفيات الميدانية بميدان التحرير خلال الثورة، وتقديم المعونات لضحايا الثورة الليبية ومجاعات الصومال، وتوفير المساعدات لضحايا الاعتداءات الصهيونية في فلسطين ولبنان وقطاع غزة.
اعتقل في عهد محمد حسني مبارك لمدة خمس سنوات لنشاطه السياسي، حصل خلالها د.عبد المنعم علي ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة.
يعيش أبو الفتوح حاليا في القاهرة مع زوجته التي تعمل كطبيبة نساء وتوليد ولديه ستة أبناء ثلاث إناث يعملن طبيبات وثلاث ذكور يعملون في مجالات الهندسة والصيدلة والتجارة.
مفتاح شخصيته:
من خلال متابعة شخصية لنشاطات الدكتور أبو الفتوح ومما توافر لدينا من معلومات عن سيرته من خلال محبيه وناقديه، ومؤيديه ومعارضيه، اتفق أغلبهم على صفة محورية ومفتاحية فيه وهي "الصدق"، فهي تشكل مركزا لبقية صفاته مثل التلقائية والشفافية والوضوح والصراحة، واتساق ظاهره مع باطنه، واتساق لغته اللفظية مع تعبيرات جسده، وقدرته على الإفصاح عن أي نقص أو عيب قد يراه البعض فيه.
وهو لا يحب التكلف أو التصنع في الأفكار أو في الملبس أو السلوك، وقد وضع هذا عبئا على مديري حملته الانتخابية، إذ كانوا يطلبون منه أشياءا لزوم الحملة الانتخابية وكان هو يرفضها لأنها لا تتفق مع طبيعته وتلقائيته، ومن ذلك أن خبيرا في العلاقات العامة والحملات الانتخابية حاول أن يلفت نظره إلى بعض فنون الإلقاء والتواصل والتحكم في لغة الجسد، ولكنه لم يستطع أن يلتزم بذلك وفضل أن يكون هو نفسه بما تعود أن يلقى الناس به. وقد يرجع ذلك إلى بساطة النشأة وقسوة الظروف في مراحل العمر المختلفة حيث ينظر إلى الحياة ويتعامل معها من خلال الأساسيات لا الكماليات والضرورات لا الرفاهيات.
سمات القيادة:
شب على القيادة وتحمل المسئولية، وقد كان هذا خياره، ومن النوادر التي عرفت عنه وهو صغير أنه هو الذي حمل أوراقه وذهب ليقدمها كي يلتحق بالصف الأول الابتدائي في مدرسة أبو السعود الابتدائية بمصر القديمة. وفي الصف الثاني الابتدائي بدأ نشاطه الطلابي من خلال تأسيسه لجماعة المقصف، واستمر ذلك النشاط القيادي بين الطلاب في مدرسة الروضة الإعدادية ثم الثانوية واتسع نطاقه في الجامعة حتى وصل إلى رئاسة اتحاد كلية طب القصر العيني ثم رئاسة اتحاد طلاب الجامعات.
كان متميزا في اللغة العربية وفي قواعد النحو بشكل خاص، وقد أكسبه هذا محبة أساتذة اللغة العربية، كما أن تمكنه في اللغة وصوته الجهوري العميق وتركيبته الجسمانية وقدرته على تحمل المسئولية ورغبته في مساعدة الغير، كل ذلك أهله لمواقع قيادية في كافة مراحل حياته على الرغم من زهده في السلطة.
وفي فترة السبعينات كان يمثل قيادة غير رسمية للجماعات الإسلامية في جامعات مصر، وانتقل بعد ذلك ومعه أعداد كبيرة من زملائه وأحبائه إلى جماعة الإخوان المسلمين حيث بث روحا جديدة في الجماعة وربطها بالنشاط الطلابي في الجامعات ثم بعد ذلك بالنقابات المهنية وقطاعات أخرى في المجتمع حيث يتميز أبو الفتوح بحركيته الهائلة وقبوله في الأوساط المختلفة وقدرته على التجميع والحشد. ومن هنا أعجب به الأستاذ عمر التلمساني المرشد العام الأسبق للإخوان المسلمين وضمه إلى مكتب الإرشاد وكان عمره وقتها 32 عاما فكان أصغر عضو ينضم إلى ذلك المكتب في تاريخ الإخوان، وكان هو معجبا جدا بشخصية الأستاذ عمر التلمساني خاصة الشفافية والبساطة واستيعابه للناس كلهم حتى المخالفين له وقد شكل بالنسبة له المعين الدعوي والسلوكي، وحدث التلاقي بين الشخصيتين، واستمر أبو الفتوح في مكتب الإرشاد ما يقرب من 22 عاما على الرغم من معارضة بعض قيادات الإخوان لوجوده.
حماسته وشجاعته واندفاعه المحسوب:
حين كان رئيسا لاتحاد الطلاب أيام السادات لم يجد مشكلة في أن يواجه رئيس الدولة بما يراه من سلبيات بروح طالب جامعي متحمس لا يعرف التوازنات أو المواءمات أو الحلول الوسط، فالأمور لديه محسومة "صح أوغلط" وليس بينهما إلا المراوغات والإلتفافات التي لم يحبها. كان موقفه أمام السادات عاكسا لسمات شخصيته في هذه المرحلة المبكرة وفيها الصدق والمصارحة والوضوح والشجاعة التي تصطبغ بقدر من الإندفاع المميز لهذا السن. كان يرى أن المشكلة الكبرى أن من حول الرئيس ينافقونه ولا يصدقونه القول. وكان إدراك أبو الفتوح وقتها لمشكلة وقف الشيخ الغزالي عن الخطابة أزمة كبيرة لأنها تعني إبعاد المخلصين الصادقين عن دائرة التوجيه المجتمعي لذلك استشهد بهذه الحالة التي تبدو فردية وشخصية أمام رئيس الجمهورية.
مسيرة طويلة من العمل الطلابي نقلته إلى العمل الدعوي والسياسي من خلال جماعة الإخوان المسلمين ليصل إلى رئاسة اتحاد الأطباء العرب، تلك المسيرة سمحت بحالة من النضج الهادئ لمكونات الشخصية القيادية حيث كان يأخذ وقتا كافيا في كل مرحلة ليستوعبها وتتطور شخصيته من خلالها، فتحول اندفاع الشباب إلى مبادرة وإيجابية واستقلال في الرأي انتهى به إلى الخروج من تنظيم الإخوان المسلمين.
قراءاته وخبراته:
لم يعرف عنه شغفا أو انهماكا في القراءة، وحين تتابع أحاديثه ونشاطاته تلمس أن شخصيته لم تتكون من القراءة أو التعلم الأكاديمي، وإنما من الخبرة الحياتية اليومية والممارسة الميدانية، والتدرج في مجالات العمل العام، بمعنى آخر هو لا يفكر أو يتحرك من خلال معرفة نظرية أو منطلقات فكرية بقدر ما ينطلق من تجربة عملية ميدانية وسط الناس، ومن هنا قد يراه المنظرون وأصحاب الايديولوجيات على أنه لا يملك عمقا نظريا ولا يملك رؤية فكرية متكاملة، ويراه العمليون من الناس أنه يحمل خبرة ميدانية وقدرة تنظيمية تسمح له بقيادة مجموعات من البشر وتحريك ملكاتهم نحو العمل الجماعي المنظم والهادف.
وأكثر قراءاته في المجالات الدينية، وكاتبه المفضل كان الشيخ محمد الغزالي والذي يعتبر المعين الثقافي والفكري له.
سماته الشخصية:
تحدثت كثيرا مع أصدقاء مقربين له عاصروه منذ طفولته وحتى الآن، وسألت معارضين له كي أصل إلى مفتاح (أو مفاتيح) شخصيته وأعرف نقاط قوته وضعفه بشكل موضوعي لأنقلها للقارئ على أساس أنه مرشح لمنصب رئاسة الجمهورية ومن حقنا أن نعرف الكثير عنه، فكانت آراؤهم فيه كالتالي: أهم صفاته الصدق والصراحة والوضوح.. "مابيلفش ويدور".. محترم (يحترم نفسه ويحترم الآخرين حتى المختلفين معه)، وصادق مع نفسه ومع من حوله، لا يخفي شيئا، رجل بسيط ومتواضع، يتفق ويختلف بأمانة ووضوح، يألف ويؤلف، طيب، ليس تصادميا، وضوحه الشديد قد لا يعجب البعض وربما يفسر ذلك على أنه اندفاع أو صراحة زائدة، خبرته ممتدة جدا ومتنوعة وواسعة، استفاد من سنوات سجنه صلابة أخلاقية وقدرة على التأمل والمراجعة والتفكير في وجهة النظر الأخرى، وهو من القلائل الذين لم تترك تجربة السجن فيه مرارة نفسية بقدر ماتركت نضجا في الشخصية (كما حدث مع مانديلا) فلا ترى فيه رغبة في القصاص أو الإنتقام أو كراهية شخصية لأحد بل يعلو على الحدث في صبر نبيل وراق.
وعلى الرغم من سماته القيادية، إلا أنه لا يعيش دور الزعيم ولا تبدو عليه علامات تضخم الذات و وتصدره في العمل العام يأتي من قناعة بأن لديه خبرة معينة يستطيع أن يقدمها للناس. وتركيبته الجسدية (طوله وضخامته) تدعم ثقته بنفسه وإحساسه بالتمكن والأمان والهدوء والثبات. لا يغضب بسهولة ولا يشعر بالإنجراح على المستوى الشخصي، ولا يستدرك لصراعات شخصية، ولديه القدرة على أن يحب ويحب. وتدينه من النوع الوسطي القريب من تدين عموم المصريين ويخلو من مظاهر الغلو والتنطع، وينتمي إلى مدرسة الفكر الإسلامي الحركي الوسطي.
مصري في ملامحه وصفاته، وطني محب لوطنه... منصف وعادل Fair ومحب للآخرين.... لديه القدرة على الحكم بحيادية ولا يجامل أحدا على حساب الآخر مهما كانت الروابط بينهما... متواضع وأصيل لا يتجمل ولا يخفي شيئا مما تعود الناس أن يخفوه لتحسين صورتهم أو التباهي في المجتمع.
ومن سماته: التلقائية، والثقة بالنفس، والحركة الدائبة بين الناس، ويجيد الإتصال معهم، يستشير كثيرا قبل أن يتخذ أي قرار، ويعرف من يستشير وفي أي شيء يستشير، ويزن الإستشارة بشكل جيد. هو شهم وصاحب مروءة، يهتم بأي شخص يلجأ اليه، ويسارع إلى نجدته بشكل فعّال... متسامحا... متساميا... لا يحمل ضغينة لأحد.
لديه قدرة على الصبر الجميل والاحتمال النبيل، فهو لا يشكو على الرغم من تعرضه لمواقف وأزمات شديدة في حياته، ومن أكثر الأزمات التي مر بها عملية إقصائه من الإخوان والتي سارت بشكل منظم على مدى عشر سنوات قيل عليه فيها كلام كثير حتى وهو في السجن في محاولة لتشويه صورته، ومع ذلك تحمل ولم يشكو لأحد ولم تظهر عليه أي علامة أو رغبة للانتقام ممن آذوه، ويكمن وراء ذلك صفة مهمة فيه وهي التسامح وصفة أخرى وهي عفة اللسان على الرغم من قدرته على المواجهة وتوكيد الذات.
لديه القدرة على التعامل مع أكثر من فكرة وأكثر من موضوع في وقت واحد وأن يفصل بينها بشكل جيد دون أن تختلط لديه الخيوط والأوراق.
وعلى الرغم من عقلانيته وموضوعيته وحزمه الإداري إلا أنه معروف للمقربين منه بأن لديه عاطفة جيّاشة ومشاعر حية تجعله يتأثر ويتفاعل بوجدان يقظ مع الأحداث (بكى في أحد البرامج التليفزيونية وهو يتحدث عن خيرت الشاطر، وبكى مرة أخرى وهو يتحدث عن ارتباطه الروحي بالإخوان المسلمين رغم فصله من الجماعة).
وعلى الرغم من صراحته المعهودة وتلقائيته الظاهرة إلا أن لديه القدرة على أن يحتفظ بما يريد أن يحتفظ به، ولديه القدرة على السيطرة على مشاعره وانفعالاته (عند اللزوم)، وربما قد تعلم من خلال نشاطه في الإخوان وفي العمل السياسي عموما أن يكون حذرا وأن يزن ما يقوله ويعرف متى وأين يقوله.
وتتبدى فيه ملامح الرجولة التقليدية والقدرة على تحمل المسئولية، وبالتعبير المصري الدارج هو "راجل جدع ومحترم، عنده ضمير وقد المسئولية". وربما وضعته هذه الصفات وغيرها في وضع الثوري المناضل لأنه لم يكن ليقبل الضيم والظلم والإنحراف والفساد، ولهذا اصطف مع المعارضة بكل أطيافها لمحاربة النظام الفاسد في عهد السادات ومبارك وتعرض لمحنة الاعتقال والسجن أكثر من مرة.
نبيل في اختلافه مع الأشخاص أو التيارات السياسية أو الدينية، فلا يحقر أحدا ولا يستهين بأحد ولا يظلم أحدا، ولديه القدرة على الإستماع النشط وعلى المراجعة والوقوف على الحقيقة مهما كان مصدرها. وهو ينطلق في علاقاته مع الآخر من قاعدة الاحترام والتقدير وإمكانات التعايش والتواصل والتعاون.
والكاريزما الشخصية لأبوالفتوح ليست من النوع الطاغي البرّاق الأخّاذ ، ولكنها من النوع الرصين العميق، وبمعنى آخر فإن كاريزمته ليست كاريزما البريق ولكن كاريزما القيمة.
ولغة جسده تعكس سمات الأدب والثقة والاحترام والاعتدال والثقة بالذات والتوازن والثبات الانفعالي والانفتاح على الآخر والوضوح والشفافية وصدق المشاعر وحيوية الضمير واستقامة السلوك.
أزمته مع الإخوان المسلمين:
ولا يعرف أزمة استبعاده من الإخوان إلا من يعرف وزن وقيمة أبو الفتوح في جماعة الإخوان على مدى ما يقرب من 35 عاما، فقد استطاع أبو الفتوح في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي أن يقنع غالبية أعضاء الجماعات الإسلامية في الجامعات المصرية أن ينتموا لجماعة الإخوان المسلمين وبذلك دفع إلى الجماعة بدماء نشطة وشابة كان لها دور كبير في تطوير نشاط الجماعة في العقود الأخيرة وكان هو ومن معه من الشباب دعامة قوية لها ولهذا يعتبره الكثيرون صاحب البناء الثاني للجماعة لأنه كان يجوب مصر كلها ولديه قدرة عالية على التواصل مع كوادر الجماعة خاصة جيل الشباب والوسط، ومع هذا لم يكن مهتما بالمناصب أو أن يكون له كادر تنظيمي في الجماعة لأنه لم يكن يهتم بأن تكون له سلطة رسمية فكان يقوم بالعمل ويسلمه لأصحاب السلطة الرسمية، فهو ليس رجل تنظيم وليس رجل سيطرة وتحكم، وإنما هو قيادي محرك ومتحرك (مثل النحلة)، ويستطيع أن يلتقط من كل زهرة رحيق ويستفيد جدا ممن حوله سواءا بالأفكار أو بالخبرة.
والأزمة مفتاحها مواقفه المبنية على القيم، إذ لم يكن يفكر بمنطق المكسب والخسارة، وكانت دوافعه في اتخاذ المواقف دوافع قيمية، ومن هنا كان يخسر رضا أقرانه ومن فوقهم من أصحاب السلطة والقرار.
وتركه للإخوان كان أيضا بسبب عدم التقاء طبيعة الإخوان كتنظيم له ضوابطه وأعرافه وحساباته (والتي تستلزم طاعة وولاءا مطلقا للقيادة والتنظيم) وطبيعة عبدالمنعم ابو الفتوح كشخص انفتاحي، صريح، يحترم نفسه، ويعلن رأيه، ولهذا تم محاصرته والتضييق عليه وتحذير الناس منه للدرجة التي أشاع فيها بعض القيادات أن أبو الفتوح إذا وصل إلى الرئاسة فسينتقم من الإخوان ويصفي تنظيمهم، خاصة أنه يعرف كل أسرار الجماعة، وهو رغم كل ماقيل عنه لم يتفوه بكلمة تجرح أحدا في الإخوان بل دائما يردد أنه مازال يشعر بالإنتماء للإخوان المسلمين على الرغم من خلافه مع بعض أفراد القيادة المركزية. وتجربة انفصال أبو الفتوح ربما تقترب بشكل أو بآخر من تجربة الدكتور القرضاوي والشيخ الغزالي واللذان تركا الإخوان تنظيميا ولكنهما احتفظا بعلاقة فكرية ووجدانية وثيقة بحركة الإخوان وربما كان انفصالهما بسبب شعورهما بثقل قيود التنظيم والتي تشكل عبئا عليهما كمفكرين إسلاميين يريدان أن يعملا في آفاق أرحب.
عيوبه:
مهما تحلى الإنسان من صفات إلا أنه لا يخلو من عيوب، وبسؤال المقربين منه من محبيه ومعارضيه عن عيوبه قالوا: "راسه ناشفه"، "شديد المراس"، حين يقتنع بشيء يصمم عليه ويتمسك به للنهاية. ويرى بعض الناس أنه يندفع أحيانا بسبب حماسته وتلقائيته، ويستشهدون في ذلك بمواجهته للرئيس السادات ومصارحته له بأشياء استفزته واستثارت غضبه. ويدافع محبوه عن هذه الصفة بأنه يندفع تلقائيا نحو ما يراه صحيحا ولا يغرق في حسابات كثيرة أو معقدة ولا يتردد بل يتخذ القرار فورا في حالة الطوارئ ويكون دافعه في ذلك قيميا في الأساس، فهو يفعل مايراه صحيحا ولا يتوقف كثيرا أمام حسابات المكسب والخسارة.
وعلى الرغم من سماته القيادية وكونه كما يسمونه في علم الإدارة Figure Head بمعنى أن لديه القبول عند الناس كقائد ولديه القدرة على استثارة حماسهم وحشدهم وزيادة دافعيتهم، ولديه رؤية استراتيجية وبصيرة جيدة، إلا أنه يفتقد للملكة المؤسسية، ويحتاج لمعاونين له يكملون هذه الناحية التنظيمية التفصيلية.
وفي النهاية لكل إنسان حسناته ونقاط ضعفه، ولذلك لا توضع مقدرات الأمم في يد أفراد مهما حسنت النوايا بهم، فالسلطة المطلقة مهاكة مطلقة.
واقرأ أيضاً:
لقد وقع الإخوان في الفخ / مرشحو الرئاسة والبيئة / عمر سليمان.. السيناريو الأسود / بروفيل مرشحي الرئاسة3 / تحليل نفسي لخطاب مبارك أمام المحكمة