في أيامنا هذه تعتبر فترة الرضاعة في كثير من الأحيان فترة كرب للأنثى لا فترة استرخاء وفترة قابلية عالية للمرض والشكوى لا فترة قوة ومناعة، ويعني هذا أن لجوء المرأة المرضع لطلب الخدمة الطبية من مختلف التخصصات بمثابة القاعدة لا الاستثناء، وإذا تأملنا التحول النفسي الاجتماعي الذي يصاحب الحمل والرضاعة بالنسبة للأنثى فإن التحول من دور البنت أو الزوجة إلى دور الأم بكل ما تعنيه الأمومة ورعاية الطفل في العصر الحديث يجعل من هذه الفترة فترة عصيبة بالنسبة لكثيرات، ومنهن كثيرات أيضًا يلجأن للطبيب النفسي لأول مرة أثناء الحمل أو الرضاعة، وغني عن التعريف شيوع الاكتئاب بعد الولادة في نسبة تصل إلى 22% من الأمهات (Kim, 2006)، بالتالي فإن الاحتياج لوصف عقاقير دوائية لعلاج الأم المرضع هو موقف كثيرا ما يجد الطبيب النفساني نفسه فيه، كذلك فإن كون الرضاعة الطبيعية مرتبطة بالعديد من الفوائد النفسية والعاطفية والاجتماعية لكلا الطفل والأم فضلا عن الفوائد المناعية والغذائية للطفل، كل هذا يجعلُ من الأهمية بمكان أن تكتشف العوامل التي تؤدي إلى الفطام المبكر، من أجل إتمام فترة الرضاعة الطبيعية قدر الإمكان.
وقد أظهرت دراسات متعددة أن الخوف من مخاطر تعرض الأطفال لأدوية الأمهات هو أحد أهم العوامل التي تؤدي إلى الفطام المبكر (AAP, 2001)، ذلك أنه رغم إتاحة المعلومات والمراجع الببليوغرافية المتعلقة بالعقاقير الدوائية وحليب الأم إلا أننا نجد معظم الأطباء يفضلون التوقف عن الرضاعة الطبيعية في حالة احتياج الأم لعقار دوائي، وذلك إما بسبب نقص المعلومات لديهم أو عدم الاهتمام (Lamounier et al., 2002) باتباع التوجيهات اللازمة لاستخدام ذلك العلاج في الأم المرضع، وعلى العكس من ذلك يوضح الإلمام بالمعلومات المتوافرة علميا أن التقييم الدقيق لعلاج الأمهات المرضعات والاختيار الدقيق للأدوية في كثير من الأحيان يسمح بمواصلة الرضاعة الطبيعية دون انقطاع.
وحقيقة فإنه حتى الآن، ورغم أن المعرفة حول استخدام الأدوية أثناء الرضاعة توسعت، إلا أن الآثار الجانبية للكثير من الأدوية المستخدمة من قبل الأم أثناء الرضاعة ما تزال غير معروفة، وعلاوة على ذلك فإن آثار كثير من العقاقير الجديدة لم تدرس دراسة كافية بعد أو نجد هناك خلافا ما يزال قائما حول استخدامها خلال الرضاعة. ولذلك فإن من الضروري أن تكون معلومات الأطباء عن استخدام الأدوية أثناء الرضاعة محدثة أولا بأول ليتم استخدامها بطريقة حكيمة بما يكفل ممارسة الرضاعة الطبيعية قدر الإمكان.
العوامل المؤثرة في وصول عقاقير الأم للرضيع عبر الرضاعة الطبيعية:
من الضروري أن يعرف الأطباء العوامل التي تحدد سلامة الأدوية المستخدمة خلال الرضاعة، وهل تشكل أو متى تشكل خطرا على الرضيع، إذ تحدد هذه العوامل كم من العقار الموجود في دم الأم سينتقل عبر الحليب إلى فم الطفل ثم إلى دم الطفل ثم تحدد كيف ستتعامل أجهزة الطفل الحيوية مع هذا العقار، ومثلما يمكن بسهولة أن نستنتج تتعلق هذه العوامل بالحليب نفسه، أو بالأم، أو بالعقار أو بالطفل الرضيع:
(1) العوامل المتعلقة بحليب الأم (تركيبة الحليب أو تركيز الدهن والبروتين):
يخضع تركيز الدهون والبروتينات في حليب الأم لتغييرات كبيرة تعتمد على مرحلة الإدرار الطولية (فالتركيزات في اللبأ Colostrum الذي يفرز في الأيام الأولى بعد الولادة مختلفة عنها في الحليب الناضج مؤخرا) بل هي حتى تختلف حسب مرحلة الإدرار الآنية في كل مرة رضاعة (فالتركيزات في الحليب الذي يبلعه الرضيع في النصف الأول للرضعة تختلف عنها في حليب النصف الثاني من الرضعة)، مثل هذه التغييرات تؤثر على كم من العقاقير يتم نقلها من البلازما إلى الحليب، مما يسبب تغيرات في تركيز العقاقير في حليب الأم.
(2) العوامل المتعلقة بالأم المرضع:
وأما العوامل المتعلقة بالأم المرضع فمنها وظائف الكُلى والكبد ومعدل الإفراز ومدة العلاج، وطريقة تناول العقار كذلك، فخلال الأيام الأولى من الرضاعة (اللبأ Colostrum ) تكون خلايا الغدد اللبنية صغيرة وتكون المساحة بين الخلايا بالتالي كبيرة، ويؤدي هذا إلى سهولة عبور المواد المختلفة من الأمهات، بما في ذلك العقاقير والخلايا اللمفية والبروتينات المناعية من البلازما إلى الحليب، لكن الوضع يتغير خلال أيام حيث يؤدي انخفاض مستوى هرمون البروجسترون إلى زيادة أحجام الخلايا وتضييق المساحة بين الخلوية وبالتالي يتم تقليل نقل العقاقير وغيرها من المواد، ولما كان حجم الحليب (اللبأ) الذي يبتلعه الطفل الرضيع في الأيام الأولى من العمر (50 إلى 60 مل!) فإن من الواضح أنها كمية قليلة، وبالتالي فإن جرعة الدواء التي يتعرض لها الرضيع منخفضة جدا خلال هذه الفترة (Hale, 2004).
كذلك فإن كل العوامل التي قد تقلل من قدرة الأمهات على استقلاب أو إفراز الدواء فيبقى فترة أطول في الدورة الدموية وهو ما يعني زيادة تعرض الرضيع له ينبغي أن تؤخذ في الاعتبار، وبالتالي لابد من التحذير من وصف الأدوية للمرضعات في حالة وجود خلل في وظائف الكبد أو الكلى.
(3) العوامل المتعلقة بالعقَّاقير:
غالبا ما تكون معرفة الخصائص الدوائية للعقَّاقير وسبل انتشارها خلال الجسد مفيدة في تحديد مدى خطورة استخدام هذه الأدوية أثناء الرضاعة الطبيعية، وتختلف حركيات الدواء Pharmacokinetic حسب مكونات الحليب وحسب عوامل تتعلق بالأم المرضع فيتغير تركيز الدواء في حليب الأم حسب درجة التأين، وحسب القابلية للذوبان في الدهون، وحسب الالتزام أو الارتباط بالبروتين وحسب الوزن الجزيئي، كما هو موضح أدناه:
- الوزن الجزيئي Molecular Weight : كلما كان الوزن الجزيئي منخفض كان الوصول إلى حليب الأم أكثر سهولة من العقاقير ذات الأوزان الجزيئية الأعلى (Auerbach, 1999) وعادة تمر الجزيئات الصغيرة منخفضة الوزن أقل من 200 دالتون عبر الغشاء الحائل بين البلازما والحليب، ويعتبر الفلوفوكسامين ثم السيتالوبرام صاحبا الوزن الجزيئي الأعلى بين عقاقير الم.ا.س.ا .
- درجة التأين Degree of Ionization : تميل العقاقير ضعيفة القاعدية إلى أن تكون أقل تأينا في البلازما وأكثر تأينا في الحليب وبالتالي تفرز أكثر في حليب الرضيع (Hale, 2004).
- التزام البروتين Protein Binding : كلما كان التزام البروتين منخفضا كان وصول العقَّار إلى الحليب أسهل مثلا: ديازيبام، وفيما يتعلق بمضادات الاكتئاب فإن عقاقير علاج الاكتئاب القديمة ثلاثية الحلقات هي الأكثر من مجموعة عقاقير الم.ا.س.ا يعتبر الفلوفوكسامين هو الأقل التزاما بالبروتين بينما السيرترالين هو الأعلى التزاما بالبروتين.
- القابلية للذوبان في الدهون Lipid Solubility : كلما كان قابلية الذوبان في الدهون أعلى كان عبور العقَّار لدهون وبروتينات الغشاء الخلوي أكثر سهولة، وكان الإفراز في الحليب كذلك بالتالي.
- نصف الحياة Half-Life : تتميز العقاقير طويلة المفعول بالحفاظ على مستويات تواجدها في مجرى الدم لفترة أطول من الوقت وتفرز أكثر بالتالي في حليب الأم، ومن أهم الأمثلة في الطب النفسي نجد عقار الفلوكستين إذ تصل مدة بقاء ناتج أيضه النورفلوكستين إلى ما يقارب الأسبوعين.
وهناك جانب آخر مهم هو متى يصل العقار إلى أعلى مستوياته في البلازما؟ إذ أن ذروة مستوى العقار في دم الأم تتزامن مع الذروة في الحليب ثم ينخفض مستوى العقار في الحليب بعد ذلك، بالتالي من المهم أن نعرف متى يكون مستوى الذروة في البلازما من أجل ضبط وقت الرضاعة الطبيعية لمنع تزامنها مع ارتفاع تركيز العقار في الدم، فينبغي أن تتناول الأم العقار مباشرة بعد إنهاء إرضاع الطفل أو مباشرة قبل إرضاعه، كذلك ينبغي الانتباه إلى العقاقير ذات نصف العمر الطويل، أو ذات الأيضات النشطة، فهي تحمل المزيد من تعريض الرضيع.
كذلك فإن معرفة التوافر الحيوي للعقَّاقير عن طريق الفم Oral Bioavailability مهمة جدا لتقييم خطورة تعرض الأطفال الرضع لها، حيث يفضل استخدام الأدوية ذات التوافر البيولوجي الفموي المنخفض والامتصاص المنخفض لأن قدرا أقل منها يصل للرضيع خلال فترة الرضاعة.
(4) العوامل المتعلقة بالطفل الرضيع:
ينبغي أخذ سن الرضيع في الاعتبار عند تقييم الآثار المحتملة للدواء المستخدم من قبل الأم المرضع، ففي الأطفال حديثي الولادة تكون الآثار أقوى مما كان عليه في الرضع الأكبر سنا حيث تكون وظائف الكبد ووظائف الكلى أكثر كفاءة، كذلك فإن آثار عقار الأم تكون أقوى في الرضع الخدج Preterm Infants لأن عدم النضج يزيد العمر النصفي للأدوية مما يؤدي إلى تراكمها بعد تكرار الجرعات (Besunder et al., 1988)، ومع ذلك، فإن الرضع الأصغر سنا يميلون إلى استهلاك كمية من الحليب أقل من الرضع الأكبر سنا، وبالتالي يكونون أقل عرضة لعقاقير الأمهات.
تصنيف الأدوية حسب صلاحيتها للاستخدام مع الرضاعة:
هناك عدة هيئات تصدر توجيهات للأطباء في مختلف أنحاء العالم لتنظيم وصف العقاقير للأمهات المرضعات ومن أهم هذه الهيئات الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال American Academy of Pediatrics والتي أصدرت سنة 2001 آخر تحديث لتصنيف الأدوية حسب صلاحيتها للاستخدام أثناء الرضاعة الطبيعية (AAP, 2001) وصنفت فيه العقاقير عامة إلى ستة مجموعات:
1- المجموعة الأولى الأدوية السامة للخلايا Cytotoxic Drugs :
وتشمل العقاقير التي قد تتداخل مع عمليات الأيض الخلوية في الرضيع، وتندرج في هذه المجموعة كل عقاقير علاج الأورام السرطانية وتثبيط المناعة.
2- المجموعة الثانية: الأدوية نفسانية التأثير سيئة الاستعمال Psychoactive Drugs of Abuse :
وهي العقاقير التي يساء استعمالها والتي يعتبر الاستخدام غير المحدد الكمية ولا التكرارية هو السبب الأكبر في مشكلاتها فلا شك أن الاستخدام العفوي أو على فترات متباعدة لا يشكل خطرا، لكن واقع الاستخدام غير المحكوم أدى إلى ظهور وإصدار تقارير عن آثارها السلبية على الأطفال الرضع ومن أمثلة العقاقير المندرجة هنا نجد الحشيش Marijuana والكوكاكيين Cocaine والهيروين Heroine وكذلك الكافيين والنيكوتين.
3- المجموعة الثالثة: المركبات المشعة Radioactive Compounds : والتي تتطلب وقفا مؤقتا للرضاعة الطبيعية.
4- المجموعة الرابعة May Be Safe But عقاقير قد تكون آمنة :
وهي الأدوية والعقاقير التي قد تكون آمنة، وتندرج هنا الأدوية التي لا يعرف لها تأثير على الأطفال الرضع ولكنها قد تكون مصدرا للقلق، وتقع أغلب العقاقير النفسانية العلاجية في هذه المجموعة كما سنفصل بعد قليل.
5- المجموعة الخامسة May Be Unsafe But عقاقير قد تكون غير آمنة:
وهي الأدوية التي ارتبطت بآثار ضارة على بعض الأطفال الرضع ولا ينبغي إعطاؤها للمرضعات إلا بحذر شديد ومن أمثلة العقاقير النفسانية هنا نجد عقار الليثيوم Lithium مثبت المزاج التقليدي، كما يندرج أيضًا ضمن هذه المجموعة عقار الفينوباربيتال Phenobarbital والبريميدون Primidone وكلاهما من مضادات الصرع، وأيضًا عقار البروموكريبتين Bromocriptine (أو البارلوديل Parlodel ) وعقار الأتينولول Atenolol .
6- المجموعة السادسة Mostly Safe عقاقير غالبا آمنة:
وتشمل الأدوية المتوافقة عادة مع الرضاعة الطبيعية: ومن أمثلة العقاقير النفسانية هنا نجد الكاربامازيبين Carbamazepine (أو التجريتول Tegretol ) والبروبرانولول Propranolol (أو الإندرال Inderal ) والسالبريد Sulpiride (أو الدوجماتيل Dogmatil ) وحمض الفالبوريك Valproic acid (أو الديباكوت ) والزولبيديم Zolpidem (أو Stilnox ).
إذن نستطيع إجمالا أن نقول أن من فضل الله ورحمته أن معظم العقاقير النفسية الدوائية هي عقاقير آمنة الاستخدام أثناء الرضاعة ولكن ذلك لا يلغي أهمية متابعة ومراقبة الطفل الرضيع إضافة إلى الالتزام باتخاذ كل الاحتياطات اللازمة عند استخدام أي عقار أثناء الإرضاع والتي تضمن وصول أقل قدر من العقار إلى الطفل، ونستطيع تجميع المعلومات المتاحة فيما يتعلق بالعقاقير المستعملة في الممارسة الطبية النفسانية تحت العناوين التالية:
(1) مضادات القلق Anti-anxiety :
مثل الألبرازولام Alprazolam (أو زاناكس Xanax ) واللورازيبام Lorazepam ( أو أتيفان Ativan ) والميدازولام Midazolam (أو دورميكام Dormicum ) وكلها من مضادات القلق قصيرة المفعول والتي يفضلها معظم الباحثين، ويعتبر الديازيبام Diazepam (أو الفاليوم Valium ) آمنا أيضًا بشرط عدم تكرار الجرعة أكثر من مرة يوميا وينطبق نفس الكلام على عقار الكلونازيبام Clonazepam إلا أن وجود بعض التقارير عن حدوث أعراض انسحاب للبنزوديازيبين في الأطفال الرضع.
(2) مضادات الاكتئاب Antidepressants :
أ- العقاقير ثلاثية الحلقات Tricyclic Antidepressants : وهذه العقاقير هي الأقل إفرازا في الحليب والأقل من ناحية تأثيراتها على الرضيع بالتالي (Snellen, 2007) مثل الأميتربتلين Amitriptyline حتى جرعة 150 مجم يوميا والإيميبرامين Imipramine والكلوميبرامين Clomipramine والنورتريبتلين Nortriptyline والدوثيبين Dothiepin (أو البروثيادين Prothiaden ) وبشكل عام لم تسجل في معظم الحالات أي مشكلات في الطفل الرضيع مع استخدام الأم لأي من هذه العقاقير (Becker, 2009) .
ب- عقاقير الم.ا.س.ا SSRIs: تعتبر هذه المجموعة من مضادات الاكتئاب آمنة أيضًا بشكل عام إذ ليست هناك تقارير كثيرة عن مشكلات تحدث في الطفل الرضيع نتيجة لاستخدام أمه أحد عقاقير الم.ا.س.ا إلا أن بعض الأمهات يشتكين من حدوث زيادة في البكاء والاستثارة وقلة في النوم وبعض مشكلات الجهاز الهضمي في الطفل، وقد أظهرت الدراسات (Eberhard-Gran et al., 2006) وجود اختلاف بين أنواع الم.ا.س.ا في تأثيرها السلبي على الطفل الرضيع فبينت إحدى الدراسات مثلا أن أقل المشكلات تنتج من استخدام الفلوفوكسامين أو السيرترالين ويليهما عقار الباروكستين بينما تكثر المشكلات عند استخدام الفلوكستين أو السيتالوبرام (Fleschler & Peskin, 2008)، كما أظهرت دراسة أحدث وجود حالات مغص، وفرط استثارة ومشكلات نوم وأكل وزيادة بطيئة في الوزن) مع استخدام عقار الفلوكستين Fluoxetine ...
وعدم وجود مشكلات فيما يتعلق ببقية أعضاء المجموعة مثل السيرترالين Sertraline أو الباروكسيتين Paroxetine أو الفلوفوكسامين Fluvoxamine أو السيتالوبرام Citalopram أو الإيستالوبرام (Escitalopram (Gentile, 2006 بل يعلق الباحثون بأنه ليس هناك كثير من القلق بشأن استخدام أي من هذه العقاقير بين المرضعات لأن معظم الدراسات بينت أن مستويات العقار في دم الطفل الرضيع كانت منخفضة إلى حد غير قابل للكشف (Becker, 2009) .
لكن علينا في حال استخدام أحد عقاقير الم.ا.س.ا أثناء الرضاعة تذكر أن كل هذه العقاقير تفرز هي ونواتج استقلابها في حليب الصدر بمستوى يتناسب مع مسوى وجودها في دم الأم، وهو ما يعني أن علينا استخدام أقل جرعة يمكن أن تكون مفيدة للأم للتقليل من تعريض الطفل الرضيع قدر الإمكان للعقَّار، إلا أن تقليل الجرعة لا يعني حماية الطفل من آثار استخدام أمه لعقَّار الم.ا.س.ا خاصة وأن الرضيع في شهوره الأولى غالبا ما تكون وظائف الكبد والكلى فيه غير مكتملة النمو والتطور وكذلك ربما يكون الحائل الدموي المخي (Eberhard-Gran et al., 2006).
ج- عقاقير الاكتئاب الأخرى : تتوفر بعض المعلومات عن كون عقار الميرتازيبين Mirtazapine أكثر أمنا من غيره، وكذلك يعتبر عقار الفينلافاكسين وعقار الترازودون Trazodone وأيضًا عقار البيوبروبيون Bupropion وإن كان هناك تقرير حالة عن حدوث تشنجات في أحد الرضع، كذلك هناك احتمال لتسبب البيوبروبيون في تقليل إنتاج حليب الرضاعة (Hale, 2003) ،
ونستطيع بوجه عام أن نقول أن عقاقير علاج الاكتئاب ثلاثية الحلقات آمنة الاستخدام أثناء الحمل وأن الباروكسيتين هو أنسب عقاقير الم.ا.س.ا للاستخدام أثناء الرضاعة بينما الفلوكستين هو أكثرها اقترانا بمشكلات في الرضيع تنتج غالبا بسبب طول مدة بقائه هو وناتج أيضه النورفلوكستين Norfluoxetine في دم الأم وبالتالي في الحليب، وباختصار فإنه ينصح في حالة الاضطرار لاستخدام أحد عقاقير الاكتئاب أثناء فترة الإرضاع أن تعطى الوجبة الرئيسية من الرضاعة قدر الإمكان قبل موعد جرعة العقار ليكون تركيزه في دم الأم أقل ما يكون (Hallberg & Sjoblom, 2004) كما يفضل تقليل الجرعة قدر الإمكان أيضًا إضافة إلى متابعة الأعراض التي يمكن أن تظهر على الطفل الرضيع، كذلك ينصح باستخدام عقاقير الم.ا.س.ا الأقل بقاء في الدم كالفلوفوكسامين والسيرترالين (Gentile, 2008).
(ج) مضادات الذهان Antipsychotic :
نستطيع هنا أيضًا أن نشير إلى أمان العقاقير التقليدية مقارنة بالعقاقير غير التقليدية أو الحديثة فهناك تقارير عن أمان عقار الكلوربرومازين Chlorpromazine (أو النيورازين Neurazine وإن كانت هناك تقارير عن حدوث ثر اللبن Galactorrhea في الأم، وعن النعاس والخمول في الرضيع وكذلك انخفاض في درجات النمو/التطور) وعقار الكلوربروثيكسين Chlorprothixene والهالوبريدول Haloperidol (أو الهالونيس Halonace وإن كانت هناك بعض التقارير عن انخفاض في درجات النمو/التطور في الطفل)، وأيضًا الترايفلوبرازين Trifluoperazine (أو الستيلازين Stelazine ) ،
وأما العقاقير غير التقليدية وفليست هناك معلومات تكفي لاعتبارها آمنة أو حتى متوسطة الخطورة فمثلا يوجد خلاف بشأن عقار الكلوزابين Clozapine إذ بينما يتعبره البعض آمنا يعتبره آخرون ضارا ونفس الكلام ينطبق على عقار الأولانزابين Olanzapine وعقار الريسبريدون Risperidone فهناك تقارير عن حدوث أعراض خارج هرمية في الطفل الرضيع رغم ندرة حدوثها في الأم المرضع (Gentile, 2008) وهو ما يؤكد على تحاشي استخدام العقاقير غير التقليدية ما أمكن ذلك أو فاستخدامها يجب أن يكون بحذر ومع مراقبة الطفل باستمرار.
(د) مثبتات المزاج Mood Stabilizers :
مثل كل من الكاربامازيبين وحمض الفالبوريك وكلاهما آمن إلى حد بعيد وأيضًا اللاموتريجين Lamotrigine الذي لا توجد تقارير سلبية بشأنه إلا أن ذلك لا ينفي ضرورة الحذر وأما عقار الليثيوم Lithium والذي يستخدم في صورة كربونات الليثيوم Lithium Carbonate فهو أحد العقاقير التي يفضل عدم استخدامها أثناء الرضاعة إلا لضرورة، ذلك أنه رغم أن الدراسة أظهرت أن مستويات الليثيوم في دم الأطفال الرضع لأمهات تستخدمن الليثيوم كانت ضئيلة جدا في أغلب الحالات إلا أن التوجه الأغلب هو عدم استخدام الليثيوم نظرا لوجود تقارير عن حدوث أعراض تسمم في الرضيع -ولو بشكل نادر-، ويبقى أيضًا أن عقار الجابابتين Gabapentin يفرز بنسبة عالية في الحليب بشكل يتعارض مع إمكانية استخدامه بأمان (Sivertz, 2005) .
(هـ) أدوية نفسانية أخرى : مثل الميتوكلوبراميد Metoclopramide (أو بريمبران Primperan ) والبيبريدين Biperedin وأيضًا البنزتروبين Benztropine (أو الكوجينتول Cogentol ) هي كلها عقاقير استخدمت أثناء الرضاعة ولم تسجل في حدود الاستخدام الطبي العادي أي مضاعفات في الرضيع.
الخطوط العريضة التي تحكم وصف العلاج خلال فترة الحمل والرضاعة:
1- وجود ضرورة ملحة لأخذ الدواء (وجود مرض عضوي واضح مع غياب البدائل).
2- استخدام الدواء بأقل جرعة مؤثرة وأقل مدة ممكنة.
3- استخدام أدوية ذات أعراض جانبية معلومة مسبقاً وعدم استخدام أية أدوية جديدة غير معلوم نتائجها.
4- تقييم فائدة العلاج مع مقارنتها بخطر المرض على كل من الأم والجنين وتحديد الأولوية في ذلك.
توجيهات لاستخدام الأدوية أثناء الرضاعة
وهذه هي بعض الجوانب العملية فيما يتعلق بوصف الأدوية للأمهات خلال فترة الرضاعة هي:
- تقييم ضرورة العلاج بالعقاقير: إذ ينبغي أن تكون وصفة الدواء المقررة لها فائدة معروفة جيدا للحالة ومن أجل ذلك فإن التشاور بين طبيب الأطفال والطبيب النفساني أمر مفيد جيدا.
- دائما تفضل الأدوية التي تمت دراستها والتي تعتبر آمنة على الطفل، والأقل إفرازا في حليب الأم
- دائما تفضل الأدوية التي سبق أن أجيز استخدامها في حديثي الولادة والأطفال الرضع؛
- دائما تفضل الأدوية الموضعية عن الأدوية التي تستخدم عن طريق الفم أو الحقن، كلما كان ذلك ممكنا.
- دائما تفضل الأدوية التي تحتوي على نوع واحد فقط من العقاقير، وتتجنب الأدوية التي تحوي مزيجا من العقاقير. على سبيل المثال: استخدم فقط الإيميبرامين Imipramine أو الأميتربتلين Amitriptyline أو النورتريبتلين Nortriptyline بدلا من الموتيفال Motival الذي يحتوي على كل من النورتريبتلين والفلوفينازين Fluphenazine .
- دائما تفضل الأدوية التي يتم إفرازها بالحد الأدنى في الحليب. على سبيل المثال، يفضل استخدام عقار السيرترالين Sertraline أو الباروكسيتين Paroxetine أثناء الرضاعة بدلا من الفلوكستين Fluoxetine الذي يفرز بنسبة أعلى منهما في الحليب.
- دائما تفضل الأدوية الأقل قدرة على عبور الحائل الدموي الدماغي Blood Brain Barrier لأنها تكون أيضًا أقل قابلية للإفراز في حليب الأم
- دائما تفضل الأدوية ذات الوزن الجزيئي الأعلى، وهذا يقلل إلى حد كبير من إفرازها في الحليب.
- دائما تفضل الأدوية قصيرة المفعول، وتتجنب الأدوية طويلة المفعول نظرا لصعوبة إفرازها والتخلص منها من قبل الأطفال الرضع، على سبيل المثال: يستخدم عقار الميدازولام Midazolam بدلا من عقار ديازيبام Diazepam أو السيرترالين بدلا من الفلوكستين.
- يفضل تنظيم وقت ابتلاع الأم للدواء بحيث لا يكون العقار في أعلى مستوياته في الدم في وقت يتزامن مع وقت الرضاعة الطبيعية، وبهذا يتم التقليل من تعرض الرضيع للعقار، وبشكل عام، يمكن خفض التعرض إذا ابتلعت الأم الدواء مباشرة قبل أو بعد الرضاعة الطبيعية.
- تدريب الأم وتوجيهها لمراقبة الرضيع من أجل تحديد أي آثار جانبية، مثل التغيرات في سلوك الأكل، أو في أنماط النوم والإثارة، أو تغيرات التوتر العضلي أو اضطرابات الجهاز الهضمي...إلخ.
- إرشاد الأم إلى إدرار الحليب في وقت مبكر من اليوم وتخزينه في الثلاجة (لمدة لا تتجاوز 15 يوما) لإطعام طفلها في حالة التوقف المؤقت للرضاعة الطبيعية، واقتراح اعتياد ذلك من أجل الحفاظ على الرضاعة.
المراجع:
Kim J, Riggs K.W, Misri S, Kent N, Oberlander T.F, Grunau R.E, Fitzgerald C, Rurak D.W. (2006) Stereoselective disposition of fluoxetine and norfluoxetine during pregnancy and breast-feeding. Br J Clin Pharmacol. 2006;61(2):p155–163
American Academy of Pediatrics, Committee on drugs. (2001) The transfer of drugs and other chemicals into human milk. Pediatrics.108:776-89.
Lamounier JA, Cabral CM, Oliveira BC, Oliveira AB, Jánior AMO, Silva APA. (2002): O uso de medicamentos empuérperas interfere nas recomendaçöes ao aleitamento materno? J Pediatr (Rio J). 2002;78:57-61.
Hale TW. (2004) Drug therapy and breastfeeding: pharmacokinetics, risk factors, and effects on milk production. Neoreviews.2004;5:e164.
Auerbach KG. (1999) Breastfeeding and maternal medication use.JOGNN. 1999;28:554-63.
Besunder JB, Reed MD, Blumer JL. (1988) Principles of drug biodisposition in the neonate: A critical evaluation of the pharmacokinetic- pharmacodynamic intereface (Pat II). Clin Pharmacokin.1988;14:261-86.
Snellen M., Galbally M., Udechuku A., Spalding G., Munro C., Drinkwater P., (2007), Pharmacy Department Mercy Hospital for Women. Psychotropic Medication in Pregnancy/Lactation. Revised 2 nd Edition. October 2007. Mercy Health& Aged Care: Melbourne.
Becker M.A., Mayor G.F., Elisabeth J.S., (2009), Psychotropic Medications and Breastfeeding, Primary Psychiatry, 16 (3), p42-51
Eberhard-Gran, M., Eskild, A., & Opjordsmoen, S. (2006). Use of psychotropic medications in treating mood disorders during lactation: Practical recommendations. CNS Drugs, 20, 187-198.
Fleschler R & Peskin M.F (2008): Selective Serotonin Reuptake Inhibitors (SSRIs) in Pregnancy: A Review. The American Journal of Maternal/Child Nursing 2008 V 33 N 6 P 355 – 361
Gentile S. (2006) Escitalopram late in pregnancy and while breast-feeding. Ann Pharmacother. 2006;40:1696-7.
Hale TW.(2003) Medications in breastfeeding mothers of preterm infants. Pediatr Ann. 2003;32:337-47.
Gentile S., (2008), Infant Safety With Antipsychotic Therapy in Breast-Feeding: A Systematic Review, J Clin Psychiatry, 69 , p666-673.
Sivertz K., Kostaras X., (2005), The use of psychotropic medications in pregnancy and lactation, BC Medical Journal, 47 (3), p135-138