على الرغم من الخبرة الطويلة والتنظيم المحكم والتأثير المشهود لجماعة الإخوان المسلمين في المجتمع، إلا أن ثمة عيوب ثلاثة أوقعت الجماعة في أخطاء فادحة على مدى ثمانين عاما أو يزيد وهي:
1 – فارق التوقيت: حيث تصل الجماعة إلى القرارات بعد فوات أوانها،
2 – البراجماتية، حيث تشكل المصالح بوصلة الحركة،
3 – التحالفات والصفقات، حيث تأتي دائما في غير محلها وفي غير صالح الجماعة. وقد وقعت الجماعة بسبب هذه العيوب في أخطاء كثيرة ودفعت ثمنا باهظا وتأخر وصولها للحكم ثمانين عاما، ومع هذا تعيد الوقوع في نفس الأخطاء، وتقع في الفخ مرة بعد أخرى دونما استفادة من الماضي.
ولتجنب الإطالة نقفز فوق صفحات التاريخ لنصل إلى الفخ الذي وقع فيه الإخوان بعد ثورة 25 يناير 2011 وهو في الحقيقة ليس فخا واحدا بل عدة أفخاخ نذكر منها ما يلي:
1 – فخ الاستعجال في قطف ثمار الثورة قبل اكتمالها وقبل نضجها، فقد تراجع الإخوان عن حضور أغلب المليونيات التي تلت سقوط النظام (إلا ما كانوا يدعون هم له) والتي كانت تضغط لاستكمال تطهير البلاد من رموز الفساد، وتدفع نحو أن يحكم الثوار بالأصالة وليس بالوكالة، ولكن الإخوان اطمأنوا للتعامل مع العسكر وابتعدوا عن الصف الثوري بتياراته المختلفة مما أضعف هذا الصف وأحبطه ومما أخر عمليات التطهير والتمكين للثوار وأثر على موازين القوى شهرا بعد شهر حتى فقدت الثورة الكثير من قوة دفعها مما شجع الثورة المضادة على الظهور والالتفاف حول الثورة. وما فعله قادة الإخوان يقترب كثيرا مما فعله الرماة في غزوة أحد حين خالفوا أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم وتركوا مواقعهم واعتقدوا أن المعركة قد انتهت وأنه قد حان وقت جمع الغنائم فكانت النتيجة التفاف جيش المشركين حولهم وقتل عدد كبير منهم وخسارة المعركة.
2 – فخ الاستحواذ: فقد فتح الطريق واسعا وممهدا أمامهم للفوز في انتخابات مجلسي الشعب والشورى فتغيرت التصريحات من المشاركة إلى المغالبة ومن 30% مشاركة بحد أقصى إلى 50% أو أكثر. وكان الغرور بالنصر وبالأغلبية والتمكين والسيطرة فانفتحت الشهية لما هو أكثر، لتشكيل الحكومة ولتحديد من هو الرئيس، وللسيطرة على كل شيء. وقد أوغر هذا صدور الأحزاب والتجمعات السياسية الأخرى بل وكثير من طوائف المجتمع التي لا تتفق مع الإخوان، حيث شعر الجميع أنهم مهمشون أو أن دورهم لا يتعدى الكومبارس أو الديكور، وأن حزب الحرية والعدالة يعيد إنتاج ممارسات الحزب الوطني المنحل في السيطرة على كل شيء، ويعيد ارتكاب نفس أخطاء أحمد عز حين استحوذ على كل مقاعد البرلمان في 2010 حتى يفعل ما يشاء.
ونسيَ الإخوان قانونا أساسيا في هذه الحياة وهو أن من يريد أن يأخذ كل شيء لابد وأن يفقد كل شيء. ونسوا درسا كونيا مهما، ربما يكون هو الدرس الأول في تاريخ البشرية حين كانت الجنة كلها متاحة لسيدنا آدم، وحرمت عليه شجرة بعينها فوسوس له الشيطان كي يأكل منها وأغراه بالخلد والملك الذي لا يبلى، ووقع آدم في الخطأ وأكل منها هو وزوجته فسقطت عنهما ثيابهما إشارة إلى فقد الستر وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، وعرفا أنهما قد ارتكبا خطيئة النسيان للعهد مما أوقعهما في الطمع والتجاوز فتابا من الذنب وتاب الله عليهما ولكنهما أخرجا من الجنة. كان هذا هو الدرس الكوني الأول الذي يحذر من مغبة الاستحواذ المطلق والسيطرة على كل شيء تحت مسمى برّاق وهو التمكين وإقامة الدولة الإسلامية أو الخلافة الإسلامية.
وحتى المبتدئون في التنمية البشرية يعرفون أن أحد العادات السبعة للناس الناجحين – كما حددها ستيفين كوفي – هي: أن تكسب وتدع الآخرين أيضا يكسبون (Win .. Win)، لأنك لو حرصت على أن تكون الرابح الأوحد فسيتآمر عليك الجميع.
3 – فخ الاستغراق في العمل السياسي: فالمفترض أن الإخوان جماعة دعوية تربوية دينية في الأساس، ومن هنا نتوقع أن تكون قاعدة الأخلاق المطلقة هي المنطلق لسلوك الجماعة وأن تسعى الجماعة لتأليف القلوب وفتح الطريق أمامها للوصول إلى رضا الله والأنس في حضرته وأن تنشر قيم المحبة والتسامح والزهد والتعاون والتكافل بين الناس دون تمييز، ولكن للأسف فإن الاستغراق في العمل السياسي لدرجة هائلة وإعطائه الأولوية القصوى في الوعي الإخواني (حتى رغم إعلان عكس ذلك) جعل السلوك العام لقيادات الجماعة يتسم بقدر هائل من البراجماتية (النفعية) والمناورات السياسية والصفقات والتكتيكات والاستقطابات والتمويهات والتبريرات والإخفاءات، وإذا كان هذا جائزا في عالم السياسة الذي تحكمه القوانين الميكيافيلية فإنه يعتبر خطيئة في حق جماعة دعوية، إذ أن الساسة يفعلون ذلك لأنهم يبحثون عن الغلبة وعن المكسب الدنيوي في الأساس وليس لديهم أخلاق أو ثوابت مطلقة تحكمهم، أما الدعاة إلى الله فالمفترض أنهم غير ذلك. وقد أدى توغل الإخوان في البراجماتية إلى فقد الثقة في وعودهم، وإلى حذر الكثيرين منهم، وإلى تصويرهم على أنهم جماعة سياسية تتخذ الدين مدخلا أو ستارا.
4 – فخ انتخابات الرئاسة: فقد وعدت الجماعة بعدم ترشيح رئيس للجمهورية من أعضائها، ولكن خرج الدكتور "عبد المنعم أبو الفتوح" (وهو من القيادات الإخوانية الكبيرة) وقرر الترشح فأعلنت الجماعة فصله للوفاء بوعدها، ولكن قرار الفصل لم يقنع أعداد كبيرة من شباب الإخوان الذين وجدوا في "أبو الفتوح" الرجل المناسب لهذا المنصب وأن معايير الصلاح والكفاءة تنطبق عليه إلى حد كبير فراحوا يؤيدونه ويشاركون في دعمه بشكل مباشر أو غير مباشر تحت تهديدات معلنة أو مستترة من الجماعة بفصلهم، ووسط محاولات للجماعة أن تتوافق مع المجلس العسكري على مرشح آخر تدعمه الجماعة، وهكذا وضعت الجماعة نفسها وقواعدها في مأزق يهدد تماسك الجماعة، إذ تشكل قراراتها بخصوص موضوع الرئاسة فرصة لإحداث شروخ داخلية بين أعضائها الذين يجدون أنفسهم في صراعات بين قناعاتهم بالشخص المرشح للرئاسة وبين حسابات القيادة وتوجهاتها، خصوصا أن هذه الحسابات والتوجهات ترتبط برؤية المجلس العسكري وحساباته.
5– فخ التحالف مع المجلس العسكري أو التوافق معه: إذ أن المجلس رغم وقوفه إلى جانب الثورة في بداياتها الأولى كانت مواقفه بعد ذلك محل شك وانتقاد من كل القوى الثورية، إذ اتضح أنه اكتفى من الثورة بإسقاط حسني مبارك وبعض رموز حكمه وأنه لا يعنيه بعد ذلك تحقيق أهداف الثورة، فهو ليس ثوريا بطبعه، بل لقد قام بممارسات كثيرة كان هدفها تصفية الثورة والثوار، وتحويل الموضوع كله إلى بعض التغييرات الجزئية مع الإبقاء على أركان النظام القديم كما هو بل وحماية رموزه من المساءلة أو العقاب من خلال تقديمهم لمحاكمات صورية تنتهي غالبا بالبراءة.
لذلك كان تحالف الإخوان مع المجلس انشقاق للإخوان عن الصف الثوري والشعبي وانضماما لمن لا يؤمنون بمبادئ الثورة إيمانا حقيقيا، وكان هذا ضربة قاضية للثورة حيث كان يشكل الإخوان محورا مهما فيها، وسيحاسب التاريخ الإخوان بقسوة على هذا الاستعجال في الخروج من الصف الثوري والارتماء في أحضان المجلس العسكري الذي هو جزء من النظام القديم اقتضت عقيدته العسكرية أن لا يضرب الشعب الثائر واقتضت مصالحه أن يتخلى عن مبارك وبعض أعوانه. وقد يدفع الإخوان ثمنا باهظا حين ينقلب عليهم العسكر في يوم من الأيام ولا يجدون وقتها سندا من الشعب أو من الفصائل الثورية الأخرى.
6 – فخ اللجنة التأسيسية للدستور: وهنا كانت شهية الاستحواذ والغلبة والسيطرة والهيمنة والتمكين قد تمكنت تماما من الإخوان فمارسوا كل التكتيكات السياسية المشروعة وغير المشروعة للسيطرة على كتابة الدستور، وقد يكون السبب المعلن في أروقة الجماعة واجتماعاتها أن يكون الدستور إسلاميا وأن لا يقع تحت سيطرة الليبراليين والعلمانيين، ولكن في النهاية خسر الإخوان الكثير من التعاطف بسبب شهوة الاستحواذ التي ورطتهم في اختيار أهل الثقة من أتباعهم ومحبيهم واستبعاد أهل الخبرة من عظماء مصر في المجالات القانونية والدستورية.
والذين وضعوا الفخ للإخوان لعبوا على التركيبة النفسية للجماعة والتي ظلت أكثر من ثمانين عاما تعاني من الإقصاء والاستبعاد والوصم والتنكيل والاستضعاف وتحلم بالتمكين والوصول إلى الحكم ليس في مصر وحدها بل في العالم كله في صورة خلافة إسلامية. والحلم ليس عيبا والطموح العالي جدا ليس نقيصة، ولكن اللهفة على تحقيق هذا وذاك تجعل الإدراك مركزا على نقطة الوصول فلا ترى العين الكمائن والحفر والمطبات على الطريق ولا تسمع الأذن صيحات التحذير.
وقد وضع السيناريو بعد الثورة مباشرة بهدف تفتيت النواة الصلبة للإخوان (والتي ظهر تأثيرها في الثورة) وتشويه صورتهم وخلعهم من قاعدتهم الجماهيرية تمهيدا لعزلهم ثم احتوائهم أو إجهاضهم أو تحجيمهم. والنتيجة النهائية لهذه الأفخاخ المتعددة التي وضعت في طريق الجماعة وحزبها هو أن ينفض عنها التأييد الشعبي ويزداد السخط تجاهها وتبدو وكأنها تعيد استبداد الحزب الوطني من جديد تحت شعارات إسلامية. وإذا تحققت هذه الخطة ونجحت فسيجد الإخوان أنفسهم وقد خسروا التأييد الشعبي الذي يشكل دعما وحماية لهم، وبالتالي يسهل على السلطة العسكرية أو غيرها التخلص من الإخوان أو إجهاض حركتهم وإعادتهم إلى المربع صفر الذي كانوا عليه قبل الثورة حتى ولو بشكل معدل يناسب مفاهيم ما بعد الثورة. والهدف هنا لن يكون إجهاض حركة الإخوان وحدها بل إجهاض كل قوى الثورة بعد تفتيتها.
فهل يعي قادة الإخوان هذا قبل فوات الأوان وقبل تكرار مأساة 1954، وهل يسترجعون أخطاءً سابقة على مدى ثمانين عاما دفع أعضاؤهم ثمنا غاليا لها من حريتهم وحياتهم؟.... أم يتعالون على النصيحة ويتعالون على الشعب وعلى الثورة ويعتقدون أن لديهم اكتفاءً ذاتيا بالقوة يغنيهم عن الجميع؟.
واقرأ أيضاً:
مرشحو الرئاسة والبيئة / عمر سليمان.. السيناريو الأسود / بروفيل مرشحي الرئاسة3 / تحليل نفسي لخطاب مبارك أمام المحكمة