ربما يفسر ترشح عمر سليمان (الصندوق الأسود لمبارك ونظامه) كثيرا من الأحداث والملابسات التي جرت وتجري أثناء الثورة وبعدها, ويؤكد دور هذا الرجل المحوري في كل ما حدث ويحدث, وأنه مدبر أساسي من وراء ستار. والمعادلة التي يتم بموجبها الدفع بعمر سليمان لمنصب الرئاسة واحتشاد المؤسسات السيادية خلفه بقوة هي: الأمن مقابل الثورة, وقد اتضحت اللعبة كاملة الآن فمنذ 28 يناير حين انسحبت قوات الشرطة (بما فيها رجال المرور) بشكل مفاجئ ومريب, واستمر الانفلات الأمني بشكل مقصود ومدبر طوال المرحلة الانتقالية, وجرى ترويع الناس بالبلطجية, وثبت تورط عناصر من الأمن في كثير من الأحداث (آخرها ضابط الأمن الوطني الذي كان يحرض العمال المعتصمين على اقتحام مجلس الشعب وإحراقه), والمبالغة في إظهار التدهور الاقتصادي وتآكل الاحتياطي الأجنبي (على الرغم من استمرار كل القطاعات الاقتصادية في العمل بشكل طبيعي تقريبا باستثناء السياحة).
وربما نرى في الأيام القادمة حدوث بعض الاضطرابات المفتعلة –كالعادة– تعطي إيحاءا بمزيد من تدهور الحالة الأمنية وشيوع الفوضى, ويتم استثمار ذلك في تقوية الدوافع لاختيار عمر سليمان رئيسا لكي يواجه تلك الفوضى. وقد يتم توريط بعض الشباب المتدين الذين أحبطوا بسبب استبعاد مرشحهم للرئاسة في بعض الأعمال العنيفة لتكون دليلا على انفلات الوضع الأمني وخطر الدخول فيما يشبه حالة الجزائر بعد استبعاد جبهة الإنقاذ.
ثم جرى حرق المرشح السلفي الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل بواسطة مسألة جنسية والدته والتي كان من الممكن إعلانها مبكرا إلا أن المخططون رأوا تأجيلها حتى يندفع المرشح في الدعاية ويبالغ فيها إلى أقصى درجات المبالغة التي تجعله هدفا للتعليقات الساخرة على كل الوسائط الإعلامية بسبب "بوستراته" التي غطت جدران شوارع وميادين مصر ويستدرج للوصول إلى لحظة النشوة بالانتصار وهو يذهب لتقديم أعداد كبيرة من التوكيلات تفوق المطلوب قانونا وسط مظاهرة ضخمة من أنصاره, ثم تخرج ورقة جنسية والدته من الأدراج في اللحظة المناسبة لتطعن في مصداقية الشيخ المرشح كداعية وكرجل قانون.
هكذا تم تشويه صورة الإخوان من خلال استغلال أخطائهم وإيقاعهم في مصيدة الاستحواذ والتكويش والتمكين, وتم إحداث شروخ في الجماعة من خلال إطلاق مرشحيّن ينتسبان لها, وتم تشويه المرشح السلفي ذي الشعبية الجارفة, وربما يتم استبعاد سليم العوا على قاعدة جنسية جده, واستبعاد أيمن نور وخيرت الشاطر على قاعدة الحرمان من الحقوق السياسية بناءا على اعتبارات جنائية, وهكذا يخلو الجو لرجال النظام السابق كي يرتدوا عن الثورة بناءا على معادلة: الأمن مقابل الثورة, ولا عزاء للمغفلين.
التعليق: تمام