تشغل الأسرة- التي هي أصغر وحدة في المجتمع- مكانة هامة في حياة الإنسان، فالصحة النفسية، والجسدية للفرد في المجتمع المعاصر تقوم على مبدأ حماية الأسرة، والحفاظ عليها، كما أن نتائج الحياة تتباين بقدر كبير تبعا لاختلاف خواص الأسرة مثل بنيتها Family Structure ،واختلاف مواردها الاقتصادية، والاجتماعية.
ولكي نعي أهمية الأسرة، لابد لنا من معرفة الوظائف الأساسية التي تقوم بها، فعلى الرغم من تفاوت المسئوليات التي تقوم بها الأسرة، والتي تختلف تبعا لأهميتها من أسرة إلى أخرى، إلا أن هذه المسئوليات تسهم جميعها في بناء المجتمع وإبقاؤه على قيد الحياة ، فمن أحد هذه المسئوليات مثلا إنجاب الأطفال Reproduction وتربيتهم، وتعليمهم السلوك الاجتماعي السوي Socialization وحمايتهم. بالإضافة إلى هذا فالأسرة مسئولة عن مساندة أفرادها عاطفيا، وماديا، بما يضمن لهم السعادة والرفاهية، كما تعمل الأسرة على تدعيم مشاعر الصداقة النبيلة لأفرادها من الكبار والصغار بما ينمي لديهم الشعور بالانتماء والخصوصية، هذا بالإضافة إلى أنها تورث أبنائها المعارف، والقيم، والمبادئ، والثقافات، والتوجهات، وحتى الممتلكات الخاصة التي تنتقل من جيل لآخر، كما أنها تلعب دورا هاما في تطور أبنائها، مثل دورها في بناء ثقتهم بأنفسهم، وزيادة فهمهم لأسباب الأمور ومؤثراتها، ونمو خبراتهم العاطفية، وزيادة قدرتهم على التحكم في مشاعرهم، والتكيف مع المجتمع الخارجي - كالمدرسة مثلا- بما يضمن لهم التقدم في المجال الأكاديمي.
وتتباين الأسر من حيث النوع، حيث تصنف إلى ثلاثة أنواع رئيسية وهي: الأسرة المغلقة Closed Family والأسرة المتفتحة Open Family والأسرة العشوائية Random Family أما الأسرة المغلقة فهي الأسرة المتمسكة بعاداتها وتقاليدها، ولا تتمتع بالمرونة اللازمة للتكيف مع التغيرات، والظروف المحيطة. وعند حدوث أي مشكلة في هذه الأسرة، فان عدم المرونة يعوق دون حلها، كما أن أفراد هذه الأسرة لا يحسنون استخدام سلطاتهم وهو ما يحول دون حدوث التطور، والتفاعل المؤثر بين أفرادها. والأسرة المتفتحة هي أسرة مولعة بالأفكار، والمبادئ المثالية، مثل تحمل المسئولية، والثقة، والحرية. والقوة فيها متمثلة في العزم، والتصميم، والتسامح، والتعاون. وهم متآلفون مع بعضهم البعض، وقادرون على تحمل المصاعب. وهم دائما ما يناقشون أمورهم بهدف حل مشاكلهم. وعلى الرغم من مناداتهم بالمساواة، وعلى الرغم أيضا من أن الأبوين يتعاملان بمرونة مع أبنائهم إلا أن لهم السلطة الأعلى في الأسرة. وأخيرا، الأسرة العشوائية وهي أسرة تعمل على استكشاف الأمور بالحدس والبديهة. ويتميز أفرادها بالتلقائية. وتكمن القوة فيها في التحدي وانتهاز الفرص. وتعد العفوية من سمات أفرادها الأساسية، كما تتميز بوجود قدر كبير من التعارض في الآراء بين أفرادها. والتخطيط فيها للأمور محدود. وقد نجد الأنواع الثلاثة موجودة في أسرة واحدة، إلا أنها في أغلب المواقف تميل نحو نوع محدد، وهو ما يحدد نوعها النهائي.
وعلى الرغم من تباين أنواع الأسر إلا أنها جميعا تسعى لتحقيق أهداف عامة في المجتمع Family Goals or Target Dimensions وهذه الأهداف هي: تحقيق العاطفة التي تمكن أفراد الأسرة الواحدة من تبادل مشاعر الود والحب فيما بينهم، والوصول إلى القوة المتمثلة في قدرة أفرادها على اتخاذ القرارات واكتساب المهارات، وأن يكون لها معنى يجسد هويتها من خلال شخصية أفرادها المميزة.
ولكي تتمكن الأسرة من تحقيق هذه الأهداف لابد لها من أدوات تساعدها على تحقيق أهدافها، وتتلخص هذه الأدوات في وجود المكان الذي يجمع بين أفراد الأسرة، ويساعدهم على التفاعل مع بعضهم البعض، والزمان الذي يتجسد في عدد مرات التفاعل بين أفراد الأسرة الواحدة، ومدته، وقيمة ما تستفيده الأسرة من ماضيها، ونظرتها لحاضرها، وتخطيطها لمستقبلها، والطاقة التي تتمثل في قيمة ما تكتسبه الأسرة من خبرات ومهارات مختلفة.
ويختلف مدى تفاعل أفراد الأسرة مع بعضهم البعض خلال فترات الحياة المختلفة Family traffic plans فأفراد الأسرة الواحدة إما أنهم يتفاعلون مع بعضهم البعض بطريقة إيجابية متعاطفة The Pro-Traffic Plans كما هو الحال في فترات الزواج، أو عند ولادة طفل جديد في الأسرة، وإما أنهم يتفاعلون بطريقة مقاومة لهذا التفاعل الايجابي العاطفي The Anti-Traffic Plans بغرض حدوث استقلال لشخصية بعض أفراد الأسرة كما هو الحال عند وصول الأطفال في الأسرة إلى مرحلة المراهقة، إذ ينفصلون تدريجيا عن الأسرة في محاولة لتكوين شخصيتهم ونظام حياتهم المستقل، أو أنهم يتفاعلون بطريقة متوازنة متكاملة The Parallel Traffic Plans وهو ما يحدث عندما تكون الأسرة في منتصف مرحلة التطور، كما هو الحال عندما يتعاون الزوجان في بناء حياتهما، حيث يتكاملان، ويعتمدان على بعضهما البعض لبناء مستقبلهما، وأخيرا فإن أفراد الأسرة قد يتفاعلون مع بعضهم البعض بطريقة متأرجحة (متذبذبة) The Vacillating Traffic Plans وهو ما يحدث في فترات الأزمات التي قد تمر بها الأسرة قبل أن تتمكن الأسرة من أن تستجمع قوتها لمواجهة هذه الأزمات (مثل وفاة أحد أفرادها مثلا أو مواجهتها لأي من ضغوط الحياة).
وقد أوضحت الدراسات العديدة في مجال الأسرة أن الأسرة السوية تتميز بسمات خاصة أهمها: إبداء أفرادها لمشاعر الحب والاحترام لبعضهم، والتواصل الفعال Communicativeness فيما بينهم؛ فهم يناقشون أمورهم فيما بينهم بطريقة هادفة ومحترمة، وهم متماسكون ومتلاحمون Cohesiveness ولهم القدرة على التكيف، ومواجهة المشكلات وعلاجها بطريقة فعالة Ability to Cope Effectively with Problems ولكل شخص فيها مسئولياته المحددة، وهم يصنعون قراراتهم بناء على ما فيه مصلحة الأسرة، كما يقوم فيها الأبوان بتعليم أبنائهم القيم والمبادئ، حيث أنهم نماذج لأبنائهم يحتذون بها، علاوة على دورهم في الأسرة كمعلمين لهم.
وتعود الأسرة السوية بالنفع على أفرادها، فهي تمنحهم فوائد عديدة منها: الفائدة الأخلاقية Moral Character حيث تقدم لأطفالها التوجيه، من خلال تعليمهم القيم، والمبادئ السليمة، بالإضافة إلى النظام والانضباط، كما أن لها فائدة صحية؛ حيث وجد أن أفراد الأسرة السوية يتمتعون بصحة جيدة، ويعيشون لسنوات أطول، كما أنهم أكثر قدرة على مقاومة الأمراض، والشفاء منها، كما أن الأسرة السوية تشجع أبناءها على بناء شخصيتهم المستقلة Promotion of Independence وتعودهم على كيفية مواجهة مشاكلهم، والعمل على حلها بأنفسهم، من ما يزيد من ثقتهم في أنفسهم، وأخيرا فان الأسرة السوية تعين أبناءها على أن يكونوا متفردين بهوية مميزة لهم Identity Formation وهي بذلك تحقق التوازن في المعادلة الصعبة؛ حيث يكون للفرد هويته، وشخصيته المستقلة بالرغم من تلاحمه مع أفراد أسرته، واندماجه فيهم، وارتباطه بهم.
ويتبع >>>>>: بنية الأسرة وأثرها في تطور الأطفال
واقرأ أيضاً :
مفهوم اللغة في حياة الطفل / كيف نربي طفلاً منظمًا؟ (1)