تحليل نفسي للمناظرة الرئاسية الأولى
(عبد المنعم أبو الفتوح وعمرو موسى)
نبدأ التحليل من جلسة كلا المرشحين في الكواليس قبل التسجيل، حيث جلس أبو الفتوح يطالع بعض البيانات مع أعضاء حملته ويتشاور معهم في اجتهاد وتواضع واضحين بينما جلس عمرو موسى منفردا واضعا ساقا فوق الأخرى ومائلا بجسده للخلف واليسار بثقة زائدة.
وتم عرض بوستر موسى وهو يقف مبتسما ويرتدي البذلة بلا كرافت ليبدو أصغر سنا وليعبر الفجوة بينه وبين جيل الشباب، أما بوستر أبو الفتوح فقد ظهر فيه أكثر هدوءا وطمأنينة ويرتدي البذلة والكرافت. حين دخلا القاعة تصافحا بطريقة دبلوماسية وكانت يد أبو الفتوح هي الأعلى في البداية ولكن تلقائيا وبسرعة عدّل موسى هذا الوضع ليصل إلى وضع التساوي في المصافحة، وسلم أبو الفتوح على منى الشاذلي (على عكس ما يفعل كثير من المتدينين) ربما مؤكدا وسطيته وانفتاحه.
بدأ المذيعين منى ويسري في الترحيب بالمرشحين والتنويه بقواعد المناظرة، وقد تحدثت منى الشاذلي بثقة وثبات انفعالي واضحين سمحا لها بمرونة في التعامل مع المواقف المختلفة، وكانت أكثر سيطرة على أدائها وانفعالاتها وقادرة -رغم توتر الموقف- على الاحتفاظ بابتسامتها وهدوئها (على الأقل ظاهريا) وروحها المصرية المرحة في حدود ما يسمح به الموقف، ولم تتلعثم أو تتردد إلا قليلا جدا، وكانت قادرة على الحزم والحسم في لحظات الاختلاف والتوتر مع تلطيف ذلك بابتسامة ودودة ورقيقة ومهنية. أما يسري فودة فقد اتخذ وضعا دفاعيا مشبكا ذراعيه أمام صدره، ربما ليخفي قلقه الداخلي والذي كانت تعكسه حركات جسده وخاصة ذراعه الأيسر، وعلى الرغم من بعض لحظات الارتباك التي مر بها في الجزء الثاني للمناظرة إلا أنه كان يحرص حرصا شديدا على أن يكون أداؤه حرفيا منضبطا جادا صارما ، وجاء أداؤه أقرب إلى النمط المهني الغربي.
وفيما يلي نستعرض أداء كل مرشح على حده:
الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح
بدأ كلمته الافتتاحية بالحديث عن دماء الشهداء، وردد شعار الثورة "عيش، حرية، كرامة إنسانية"، ثم تحدث بتأكيد ووضوح عن الشريعة الإسلامية، وهنا أكد على مرجعياته الثورية والدينية. وفي رده عن سؤال علاقة الدين بالدولة ومسألة المواطنة، رد كمنظر إسلامي يرى في الشريعة كل الحلول وأنها تحقق مصالح الناس في كافة المجالات، وبدا كخطيب يتحدث عن أهمية الشريعة ويستشهد بالنصوص الدينية. وكان منافسه يحاول أن يضعه في مأزق أمام جمهور المشاهدين من خلال أسئلة شائكة عن رأيه في الردة، وموقفه من غير المسلمين وموقفه من أحداث العباسية، وعلاقته بالجماعة الإسلامية وبجماعة الإخوان المسلمين، وبيعته للمرشد واحتمالات تبعيته له، ويحاول أن يضغط على مسألة التناقض والخطاب المزدوج ويضرب في مصداقيته. وقد استطاع أبو الفتوح الحركة بعيدا عن هذه الألغام وفند كثيرا منها، وأعلن احترامه لمرجعية الأزهر في الأمور الدينية حتى يخرج من المسائل ذات الحساسيات الدينية التي يحاول منافسه أن يوقعه فيها.
اتسمت إجاباته بالوضوح والبساطة والتحديد، وكان يحرص على قدر عال من أدب الحديث وعدم التجاوز، ولكن هذا لم يمنع مشاغبته لمحدثه والتلميح لبعض مواقفه خاصة المتصلة بانتمائه وحسابه على النظام السابق وتأييده لترشح مبارك قبل الثورة بشهور.
كان يغلب على حديثه الانتماء للشعب وللثورة مع انتقاد لموقف السلطة البائدة والسلطة الحالية وتحميلهما نتيجة ما حدث ويحدث الآن، ولديه تصور ثوري مثالي لحياة رئيس الجمهورية وعلاقته بالناس يتجاوز البروتوكولات والتقاليد السياسية السائدة، وقد استغل هذا منافسه الذي وصفه بأنه يتحدث حديثا ثوريا بعيدا عن مفاهيم السياسة التي لا يعرف قواعدها والبروتوكولات التي لم يمارسها.
وتكرر تجاوز أبو الفتوح للوقت المحدد رغم تنبيه مديري المناظرة، وتكرر أيضا مقاطعته لمنافسه أثناء حديثه، ويمكن إرجاع ذلك إلى خلفيته الاجتماعية وتركيبته الشخصية وإلى طبيعته الثورية الشعبوية التي تضعه في موقف تمرد على السلطة وعلى النظام إضافة إلى سمة الاندفاعية المحسوبة التي يمارسها في بعض المواقف لتوصيل رسالة أو إرباك الطرف المقابل.
وقد ضغط منافسه على مسألة انتمائه وهويته التي يراها متقلبة ومتغيرة وقد أشار إلى محاولته للتقرب للسلفيين وفي نفس الوقت للإسلام الوسطي وأيضا لليبراليين، واعتبر ذلك تلونا واستمالة للآخرين من خلال خطاب مزدوج، ولكن أبو الفتوح حاول أن يقلب هذه الصورة لصالحه -وربما قد نجح في ذلك- بإيضاح حالة اصطفاف متعدد التوجهات في جبهته بما يعني قبولا لكافة طوائف المصريين، وهذا ما يحاول المرشح أن يسوق نفسه وبرنامجه من خلاله متخففا من ماضيه المحسوب على جماعة الإخوان بكل تاريخها وصراعاتها واستقطاباتها.
وكثيرا ما كان يتحدث بلغة الجمع "إحنا" و"برنامجنا"، وهذا ربما يعكس الفترة التي انتمى فيها للإخوان (حوالي 30 سنة) وتعوده على العمل التنظيمي الجماعي، إضافة إلى كونه يتمتع بوجود عدد كبير من الأنصار القريبين منه على المستوى الإنساني والمتعاونين معه بشكل تطوعي.
وقد تكرر خروجه عن الموضوع في أكثر من سؤال حيث كان يبدأ بالإجابة في صلب الموضوع ثم يكمل بالحديث في موضوعات أخرى، فعلى سبيل المثال بدأ في الرد عن تصوره للنظام الضريبي وأكمل كلامه بالحديث عن الدعم والفقراء، وقد انتقده منافسه في هذه النقطة واعتبرها من سلبياته.
لغة الجسد لدى أبو الفتوح تميزت في الجزء الأول بالثبات الانفعالي والدفاعية، فقد كان حريصا على أن لا يخسر نقاط في هذه الجولة، فهو ربما يعلم بأن محدثه لديه خبرة طويلة في العمل السياسي ولديه مهارات في المناورة والمراوغة السياسية، لذلك نجده يقف متكئا بكفيه على طرفي المنصة ولا يحرك جسمه كثيرا وجاكتته مغلقة ويحرك يدا واحدة في أوقات قليلة ويحرك اليدين معا في أوقات أقل. ولم تظهر عليه علامات توتر أو عصبية إلا في أوقات قليلة، وكانت له لازمة عصبية حين يشعر بالقلق وهي أن يضع إصبعه على أنفه (كررها حوالي ثلاث مرات).
أما في الجزء الثاني فقد تخلى كثيرا عن هذا الموقف الدفاعي وحرص على تسجيل نقاط لصالحه وتسجيل وتصويب سهام ضد منافسه، ولهذا تحرر من الموقف الساكن المرتكز على أطراف المنصة وبدأ في استخدام إحدى يديه أو كلتا يديه في مساندة تعبيراته اللفظية، وكانت حركات يديه متوازية ومتوازنة، واستخدم الكف المفتوح والمنبسط لأعلى وللجانب تعبيرا عن الصراحة والوضوح والشفافية، كما استخدم وضع تشابك الأصابع وتعانق الكفين أو التصاقهما وكلها إشارات للتوافق والتصالح والمودة. وكانت الحركات التوافقية في اليدين تتواكب مع نظرة تراحميه تواصلية في العينين ونبرة صوت هادئة وعميقة، خاصة حين الحديث عن الفقراء من الشعب ورعاية محدودي الدخل والمرضى والعاطلين.
وفي هذه المرحلة الثانية من المناظرة كان أبو الفتوح أقل ثقة وثباتا من المرحلة الأولى، وربما شعر بالخطر نظرا لهجوم منافسه عليه واستغلاله لعبارة من سيرته الذاتية اقتطعها من سياقها ونسبها إليه وهي تتهمه بقبول وتشجيع العنف كسلوك حين كان عضوا قياديا بالجماعة الإسلامية، وبعدها تحول من الدفاع إلى الهجوم وترك الوضع المتكئ على المنصة وزادت حركات يديه وذراعية ولكنه مع ذلك احتفظ بقدر كبير من الثبات الانفعالي والحركات الجسدية التوافقية. وكان يستخدم حركة العد على الأصابع والتي تدل من جهة على رغبته في التحديد الواضح وتدل من ناحية أخرى على رغبة في تذكر ما تمت مذاكرته من عناصر وما تم تحضيره من إجابات.
والجزء السفلي من الجسم شهد ثباتا ملحوظا طول المناظرة، إذ ظل محتفظا بوقفة ثابتة والطرفين السفليين متوازيين ومتقاربين، وهذا يعكس ثباتا ودفاعا في ذات الوقت.
وإذا أخذنا الملابس في الحسبان فقد كانت بذلة أبو الفتوح بسيطة وتقليدية ولا تبدو غالية الثمن بل هي أقرب إلى النوعيات المتوسطة الثمن والقميص والكرافت كذلك، وعلى الرغم من شعبية الملابس إلا أن طول المرشح وملامح وجهه وبياض شعره وعمق طبقات صوته يعطيه فخامة ومهابة واحتراما مع تواضع واضح.
عمرو موسى
على الرغم من أنه بدا واثقا من نفسه إلا أن علامات الإرهاق والإجهاد كانت ظاهرة على وجهه وفي نظرات عينيه، وآثار السن واضحة، أما على مستوى الجسد فقد بدا رشيقا متحركا حركات محسوبة وتحت الضبط والسيطرة، وإن كان بعضها يعكس قلقا وتوترا يحاول أن يخفيه أو يصرفه من خلال حركات جسده يمينا ويسارا وأمامً وخلفاً وحركات يديه المشدودة.
في كلمته الافتتاحية حاول التركيز على نقطة القوة لديه، وهو أنه رجل دولة وله خبرة في العمل السياسي، فكرر كلمة دولة أكثر من مرة، وأنه يحلم بدولة فتية محترمة تسهم في التقدم الإقليمي والعالمي وتستجيب لمطالب شعبها، ثم ركز على احترامه للدستور والقانون وقبوله واحترامه للمادة الثانية منه التي تنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي مصدر أساسي للتشريع مع الإشارة إلى حقوق أصحاب الديانات الأخرى، وهو بذلك ينزع نقطة القوة في مرجعية المرشح المنافس ويغازل الأغلبية المسلمة وفي نفس الوقت يطمئن الأقباط على وضعهم في الدستور الجديد.
وفي كثير من كلامه كان يؤكد على الشرعية والدستور والقانون والأعراف الدولية وعوامل الثبات في النظام السياسي، وهي لغة رجل سياسي قديم جدا لا تحمل أي خيال أو حلم ثوري، ومع ذلك يثني على الثورة في قليل من العبارات والأحيان بشكل غير عميق وكأنه يضطر إليه لمداعبة أحاسيس الجماهير التي قامت بالثورة أو شاركت فيها، ولا يأتي على لسانه لفظ "شهداء الثورة". وهو يؤيد النظام الرئاسي التقليدي ولا يظهر لديه ميولا للتغيير الذي يتصوره الثوار ومؤيديهم، فهو مرتبط بقوة بالنموذج التقليدي الراسخ الذي عاش فيه. وقد تورط أكثر من مرة في ازدراء رأي الأغلبية مثلا حين علق على نتيجة الاستفتاء بنعم وعلى نتيجة الانتخابات البرلمانية التي جاءت بأحزاب ذات مرجعية دينية وغيرها من الأحداث، وكان يتحدث بلغة سلطوية أقرب ما تكون إلى لغة النظام السابق وهو يتحدث عن الشعب الذي لا يعرف مصالحه ويسئ التصويت في الاستفتاءات والانتخابات، وقد التقط منافسه هذه النقطة واستغلها لإثبات انتمائه الفكري لمدرسة نظام مبارك وتبنيه نفس الرؤية والتوجه وعدم احترامه لرأي الأغلبية الشعبية.
وحين واجهه منافسه بنقطة الضعف الكبيرة لديه بأنه من رجال النظام السابق وبأنه كان أحد أسباب مشاكل مصر قبل الثورة ولا يمكن أن يكون بيديه الحل بعد الثورة، وأنه لم يحقق إنجازا يذكر في وزارة الخارجية أو في الجامعة العربية، اهتز من داخله ولكنه حاول التماسك وبدأ في التبرؤ من هذا التاريخ وبالغ في الإدعاء بأنه كان معارضا للنظام السابق ومختلفا معه.
وتحدث كثيرا كمسئول كبير يعرف الكثير من أمور الدولة وله علاقات محلية ودولية مؤثرة، وأخذ بذلك وضع المسيطر والمعلم والعليم ببواطن الأمور وتصرف في أوقات كثيرة بشكل سلطوي فوقي مع المرشح وحتى مع مديري المناظرة حين اعترض على طبيعة بعض الأسئلة وذكر أنها غير مناسبة.
ولم يكن عمرو موسى مسلحا بتفاصيل محددة عن القضايا التي طرحت عليه، وكأنه لم يذاكر جيدا، لذلك كان يتجه إلى الكلمات العامة والمبادئ المعروفة والخطاب الدبلوماسي الذي تمرس عليه ليهرب من التفاصيل التي إما أنه لم يجهز نفسه بها أو لأنه لا يريد أن يورط نفسه في تفاصيلها، وقد أثر ذلك على خطابه كثيرا فمثلا حين سئل عن ذمته المالية وعن حالته الصحية راوغ وتهرب من الإجابة بشكل واضح على الرغم من أن منافسه أعلن ذلك بوضوح وتفصيل. وأيضا حين سئل عن تصوراته لإصلاح الحالة الصحية في مصر ذكر كلاما شديد العمومية وشديد البديهية والبدائية ولا يفيد شيئا، إذ تحدث عن أمله في وجود وحدة صحة في القرية ومستشفى مركزي في المركز ومستشفى كبير في العاصمة، وكأنه يتحدث عن منظومة صحية في بدايات التاريخ، وكذلك الحال حين تحدث عن الضرائب. وهو كان أشبه بمن يجيب على أسئلة امتحان ولسان حاله يقول "مش مهم أجاوب صح، المهم ما اسيبش الورقة فاضيه". وقد ظهر في بعض الأوقات كمن يبيع السمك في الماء حين تحدث عن دوره المعارض للنظام السابق وعن رفضه للتوريث، وقد عبر عن ذلك أحد البسطاء وهو يتابع المناظرة بقوله "الراجل ده بياكلنا في الأونطه".
كان يتحدث كثيرا بصيغة المفرد "أنا"، وربما يرجع هذا لإحساسه العالي بذاته وتضخم هذه الذات، أو لكونه مارس العمل طويلا كمسئول قيادي تعود أن يصدر الأوامر لمن حوله ويرى نفسه في وضع متفرد، أو لكونه يخطط ويوجه حملته ويضع برنامجه بنفسه ثقة في قدراته واكتفاءً بذاته، وهو لا يشعر بأنصار قريبين على المستوى الإنساني، وأغلب مؤيديه يعجبون به من بعيد إذ عاش سنوات حياته في أروقة القصور وقاعات الاجتماعات الدبلوماسية النخبوية.
وكان يتحدث كثيرا عن المستقبل بكلمات عامة ومجملة وغير محددة ويتفادى الماضي قدر الإمكان ولا يعود إليه إلا حين يهاجمه منافسه باتهام ماضيه فيأخذ موقفا دفاعيا عن هذا الماضي ويحاول أن يتحدث عن أمجاده وإنجازاته فيه. وهو يعرف أن نقطة ضعفه التي يستغلها منافسة هي ذلك الماضي الذي يجعله محسوبا على النظام السابق ومسئولا عن كثير مما حدث من أخطاء قبل الثورة. ونظرا لتمرسه في العمل الدبلوماسي فهو لا يكتفي فقط بالدفاع بل يذهب بعيدا بوصف نفسه معارضا للنظام السابق ومؤيدا للثورة بل ربما يوحي بأنه كان أحد المنادين بها والمفجرين لها.
كان أكثر التزاما بالوقت وبقواعد المناظرة مقارنة بمنافسه وربما يرجع ذلك إلى خلفيته الاجتماعية الأرستقراطية وإلى طبيعة شخصيته السلطوية المنضبطة وإلى تمرسه في العمل الدبلوماسي الذي يقدر البروتوكولات والقواعد.
وملابسه تعكس شياكة واضحة ودقة وذوق مرتفع في اختيار الألوان وتناسقها ويبدو على ملابسه أنها غالية الثمن وتنتمي إلى الماركات العالمية باهظة الثمن، وإذا أضفنا إليها رشاقة جسده وتناسقه وخفة حركته فإن هذا كله يعطي صورة رجل أرستقراطي يعتني بكل شيء يخصه ويضع كل أموره تحت السيطرة الدقيقة. ويزيد الأمر تأكيدا وقفته التي تعكس اعتزازا شديدا بالذات ورأسه المرفوعة دائما و"لغلوغه الباشواتي" الواضح ولغته السلطوية الحادة والعصبية.
كان متعاليا في حديثه ولا ينظر إلى منافسه إلا نادرا، ويشير إليه غالبا بالكف المشدودة (اليد السيف) أو بالسبابة السلطوية التحذيرية، أو ينظر إليه باستعلاء أو استخفاف ويخاطبه من موقع فوقي سلطوي تعليمي، وكان يفعل ذلك أحيانا مع مديري المناظرة، وكان هذا مدفوعا بشعور أنه الأكبر والأعلم والأكثر معرفة وخبرة ، وربما هو يشعر بالإهانة في هذا الوضع حيث لم يتعود أن يوضع في موقف التقييم والاختبار، وإنما تعود أن يقول فيسمع.
وهو يتحدث طول الوقت كرجل دولة لا يميل إلى الشعارات الثورية ولا يميل إلى المفاجآت أو الخيال أو الحلم وإنما يتحدث بواقعية جافة ترضي جميع الأطراف وتجعله في المربع الآمن قدر الإمكان، وعلى الرغم من كلامه الكثير إلا أن المعنى الناتج والمستخلص قليل جدا وربما يعود ذلك إلى طبيعة عمله السياسي الذي عوده أن لا يقع في تصريح يؤخذ عليه، وأن تكون كلماته أقرب للموائمات والمتوافقات البروتوكولية دون أن تقترب من المساحات الساخنة أو من جوهر الموضوع، وأن يقتصر الحديث على المبادئ العامة التي لا يختلف عليها أحد ولا يلومه عليها أحد. ولديه قدرة عالية على التركيز، ويتحول من الدفاع إلى الهجوم بسرعة وكفاءة عالية.
ونظراته إلى المرشح (وربما إلى الجميع) لم تكن ودودة أو تعاطفية بل كانت حادة وهجومية، وأحيانا اتهامية عدائية وأحيانا ازدرائية، وكلماته تخرج في شكل دفعات حادة وقاطعة. وكانت حركات جسده كثيرة وأيضا كلتا يديه، ولهذا أكثر من تفسير منها أنه يشعر بالتوتر ويحاول أن يصرف هذا التوتر من خلال حركات الجسد حتى لا يظهر في كلامه، ومنها أنه كدبلوماسي متمرس يحاول أن يربك محدثه من خلال حركات الجسد المناورة والتي تواكبها أيضا تعبيرات دبلوماسية مناورة، ومنها أنه يريد أن يثبت للمشاهد أنه مازال يتمتع بحيوية ونشاط وخفة حركة. والنصف السفلي من الجسد كان يعكس حالة من التحفز حيث يقدم رجلا ويؤخر الأخرى ويتحرك قربا وبعد محسوبا عن المنضدة، حركة تعبر عن دينامية وكر وفر على المستوى الجسدي تواكبها أيضا محاولات كر وفر على المستوى اللفظي.
وفي النهاية ربما يتساءل البعض: من المنتصر في هذه المناظرة؟
ويبدو أن الإجابة غير واضحة بشكل عام، ولكن يمكن القول بأن البسطاء من الناس ربما يرون في عمرو موسى "رجل عقر وصاحب خبرة وعاقل ومش متهور وجربناه قبل كده سنين طويلة وفاهم كل حاجة وله علاقات كتير بالناس الكبار في كل حته" ويراه رجال الأعمال "أنه رجل فاهم ومش هايعرض البلد لهزات ومفاجآت" بينما يراه الثوار ومؤيديهم "صورة طبق الأصل من مبارك ونظامه وعودة بالعجلة إلى الوراء، ورجل طاعن في السن لا يمكن أن يقود دولة بعد ثورة شبابية تبحث عن مستقبل بمفردات عصرية لا يعرفها عمرو موسى ولا يدرك حتى أبجدياته". ويكون رأي البسطاء في أبو الفتوح أنه "راجل جدع له هيبه وصريح ودوغري وشهم وابن بلد وحاسس بالناس الغلابة لأنه طالع منهم"، ورأي رجال الأعمال فيه "ده ممكن يدخل البلد في تحولات ومفاجآت غير مضمونة وممكن يعرض الاقتصاد للخطر، ولسه هايجرب فينا، وما نعرفش البلد معاه هاتروح على فين"، أما المثقفين والثوار والمتعاطفين معهم فيرونه "رمز وسطي ثوري إسلامي معتدل، لديه القدرة على التواصل مع التيارات المختلفة، ولديه القدرة على قيادة الصف الثوري في المرحلة القادمة لاستكمال أهداف الثورة، وهو يشكل دما جديدا وفكرا جديدا يمنع إعادة إنتاج النظام القديم". وفي النهاية سيحسم صندوق الانتخابات النتيجة.
واقرأ أيضاً:
مرشحو الرئاسة والبيئة/ بروفيل مرشحي الرئاسة3/ نداء جبهة علماء الأزهر/ قلق الهوية في مصر