حين ظهرت أوائل المؤشرات في نتائج انتخابات الرئاسة المصرية من بعض اللجان في سوهاج وبعض اللجان في الغربية تظهر تقدما مخيفا للفريق أحمد شفيق توجست كما لم أتوجس من قبل! هل يعقل أيها المصريون ما تفعلون؟ هل فعلا سأنزل إلى التحرير مع النازلين وأصيح: "ثورة أونطه هاتوا الشُّهَدَا...!"
معقول؟ لهذا الحد إذن كانت قوة الفلول تسري في أوصال الإنسان المصري فتصر على إعادته "...كما كنت.."!
اتصلت بصديقي د. أحمد عبد الله وسألته ما الموضوع؟ أشفيق؟ هل هذا معقول؟ قال نعم قلت كيف قال هذه هي مصر، مصر ليست فقط ميدان التحرير الذي أسقط شفيق أيام الثورة!... قلت له أكثر ما يؤلمني هو أن يكون الناس فعلا فقدوا الثقة بالإسلاميين بهذا اليسر وهذه السهولة... معقول؟ قال بغض النظر عن كونهم أحسنوا الأداء في الفترة السابقة مما بعد انتخابات مجلس الشعب أو لا... وبغض النظر عن كون بعضهم ما يزال يتحرك في الدعاية الانتخابية بمنطق من يرتدي الجلباب وينزل ينادي الناس لنصرة الحق، بغض النظر عن كل هذا لا أحد يتوقع فشل الإسلاميين، وعلى كل لا تتعجل أعتقد أن مرشحا إسلاميا سيعيد مع شفيق قلت له وربك يحسمها إن شاء الله.
كنت في الأسبوعين السابقين على الانتخابات أختبر توجهات البسطاء من الناس تجاه الثورة بادعاء أني سأعطي صوتي لشفيق فسمعت ورأيت ردود كثيرين من المرضى والعاملين في الجامعة والمستشفى والعيادتين وإضافة إلى السائقين وغيرهم ممن أحتك بهم في حراكي اليومي أدام الله علينا الحراك فيك يا مصر، فكان منهم من يقول وأنا أيضًا ومنهم من يقول عندك حق يا دكتور البلد تحتاج شخصا قويا، ومنهم من ظهرت عليه الصدمة ومنهم من أظنه جاملني (أو كنت أظنه جاملني إذا صدقت هذه المؤشرات).... والمبررات كانت قوي فاهم قديم ويعرف يمشي مصر... مصر تحتاج من يحكمها بالقوة.... ألا ترى الناس في الشارع! وكنت أقول لابد للناس أن تتعلم احترام القانون لكن لا يكون ذلك أبدا بالرعب، ولا يكون ذلك بغير عدالة في التطبيق لا يكون كما كان أيام مبارك.... وشفيق يعني مبارك على خلق ودين! ولا أخفيكم أن بعضهم قالوا يبقى تمام هو مبارك كان ينقصه إلا الخلق والدين؟ فأقول بل لم تكن فيه أيا من المميزات أو الصفات المطلوب توافرها في الرئيس! كما يجب أن يكون... لكن أخيرا دم الشهداء ترى يهون عليكم! يا دكتور دم الشهداء غالي علينا لكن البلد حالها واقف! ونحن ولا تؤاخذنا نحيا يوما بيومه رزق اليوم في يومه يا دكتور!
اتصلت بعد ذلك بابني الأصغر أحمد فإذا به يقول خاب ظنك في الشرقية يا أبي إنها بلد الفلول وليس بلد محمد مرسي كما كنت تقول... الأخبار حتى الآن أن شفيق يكتسح اللجان في الشرقية! قلت له والله إني لخجلان كيف هذا؟ معقول... هذه المرة أظن أني سأقيم في التحرير ولن أبرح.
الإسلاميون ظلوا منقسمين حتى آخر لحظة وبشكل أخجلنا لكنه لم يخفنا حقيقة لأن انقسامهم بدا لا يصب في غير مصلحة المرشح حمدين صباحي.... إلا أنه الآن يخيفنا جدا ذلك الانقسام! يا ترى من أعطى أبو الفتوح ولم يعط مرسي لأنه من الإخوان من سيعطي هذه المرة أي في الإعادة؟ وكذلك أسأل عن من أعطى حمدين صباحي لأنه لا من الإخوان ولا من الفلول من سيعطي في الإعادة!
مرعبة تبدو تفاصيل الصورة فعلا مصر الحقيقية أوسع مما يد الثورة تطول لكنها تمام في قبضة الفلول؟ ما زال الناس البسطاء الذين يستطيعون إحياء الثورة المضادة ما زالوا في المتناول معروفين وطائعين؟ وبدأت أتساءل عن مآلات الكلام والنقاشات عن الثورة المضادة في الفترة التي تلت الثورة مباشرة هل استفدنا منها؟ آه يا مصر آه لكم عرض سيناريو الثورة المضادة! وكم شرحنا أن أخطر ما في الثورة المضادة... هو الترويج لها ولكن يبدو أنه لا حياة لمن كنا ننادي
ورحت أتساءل عن أنشطتنا في "مجموعة نفسانيون من أجل الثورة المصرية" ألم تكن محاربة الأفكار المغلوطة والمفاهيم المزورة في عقول الناس أحد أهدافها ألم يكن الرد على الشائعات أحد أهدافها... ماذا حققنا على الأرض غير بعض الاجتماعات والمناقشات والمشاريع ثم أحبطنا عند الاصطدام بمشروع إعادة تأهيل اسم النبي حارسها الشرطة المصرية! نامت نفسانيون من أجل الثورة مثلما نام غيرها من الذين كان يفترض بهم الفطنة والإصرار فلم نفعل ما كان يجب علينا فعله من أجل تدعيم الظهير الشعبي للثورة... في الوقت الذي يبدو أن الفلول كانت تسعى في الظلام محاولة خنق النور الذي مر أيام الثورة....
توالت بعض الأخبار عن تقدم لمرسي في الفيوم وفي الوادي الجديد وتقدم حمدين صباحي في كفر الشيخ.... وبدأت تخف حدة التهديد الذي يمثله شفيق... وقررت النوم حتى الصباح... وإني لأتمنى أن يهون الله تقلبي في فرشتي وألا يطول... وكم كان من المزعج والمؤلم قبل النوم أن أقول.... معقول؟ كانت ثورة أونطه؟ معقول؟
في ساعات الصباح الأولى بدأت الأخبار عن تقدم لمرشح الإخوان وتنافس على المركز الثاني بين شفيق وآخرين وربما تمنى كثيرون أن يتراجع شفيق مثلما بدا تراجع عمرو موسى واضحا.... إلا أن قوة الرجل وحسن سمعته فيما يتعلق بالأخلاق فضلا عن مازوخية قطاعات كبيرة من الشعب المصري -لا أجد أفضل من نعتهم بضحايا متلازمة ستوكهولم- وهي كافية فيما يبدو... ارتفعت حدة القلق وانخفضت وعرفت أن فلان لم ينم وعلان سهران ما يزال من البارحة، وأنا الحمد لله نمت ولا أجد أن من لم ينم أفضل مني حالا.... وأخيرا اقتنعت أخيرا بأن علي أن أنتظر النتيجة الأولية النهائية بعد انتهاء كل عمليات الفرز وصليت الجمعة في مسجد على طريق القاهرة بلبيس الصحراوي.....
عندما اقترب المساء تأكدت واكتملت حلقات ما جرى مرشح الإخوان في المقدمة لكن بفارق أضأل كثيرا من كل التوقعات عن شفيق ذلك أن الأخير تمكن بالفعل من إحداث اختراق للثورة،... هذه الجولة ربما كسبها الفلول.... لكنها بإذن الله آخر ما يكسبون فالثورة مستمرة وتبا للفلول أما المجانين فثوار لا تثنيهم عن الثورة عقول!
24، 25 مايو 2012
واقرأ أيضاً:
مرشحو الرئاسة والبيئة/ عمر سليمان.. السيناريو الأسود/ لعبة وخيوط تتحرك في مصر/ مسار الثورة: رقعة الشطرنج/ نداء جبهة علماء الأزهر/ التصويت بالخوف
التعليق: كنت ممن صوتوا لحمدين صباحي نظرا لوسطيته
وكنت ممن يعارضون بشدة وصول الإخوان للحكم لذلك بالطبع لم أنتخب محمد مرسي وكذلك لم أنتخب د. عبد المنعم أبو الفتوح الذي استشعرت فيه بعض التناقض.
لكن أن يكون الاختيار بين شفيق والإخوان فبالطبع سأختار الإخوان رغم معارضتي الشديدة في البداية لوصولهم للحكم. لكن والاختيار أمام أحمد شفيق فهذا هو الاختيار الذي أراه الأنسب.
فوصول شفيق معناه أن كل ما تم إنجازه لم يكن شيئا وكل دماء الشهداء قد ذهبت هباء. أرى وصوله للرئاسة رجوع وجه الفساد ضاحكا شامتا بروح انتقامية.
استمعت لجزء من الحديث الصحفي لشفيق اليوم وكأنني أستمع لصوت مبارك كأنه هو من يلقي الخطاب.
وساءني ما أدلت به السيدة سوزان مبارك لبي بي سي عن أن النتائج دليل على أنهم ظلموا!
النتيجة بالفعل صادمة وليس أمامنا حل إلا الوقوف وراء الإخوان وعلى الإخوان أن يتعاونوا مع جميع القوى السياسية وعدم الاستئثار بزمام الحكم حال فوزهم بإذن الله.
أتمنى أن ينجح محمد مرسي أو بالأحرى أتمنى أن ينجح المصريون في الاختبار وأن ينجح بعدها الإخوان في اختبار ينتظرهم.