تغير العالم مع اتساع المعرفة عن هورمونات النساء وبدأت الناس تتحدث عن ضرورة تحديد النسل وفتح أبواب الحرية الجنسية. بعدها تغير الحب وتغيرت المعايير في العلاقات بين الرجل والمرأة مع ولادة حبوب منع الحمل في بداية الستينيات، وأصبحت هذه الهورمونات النسائية المصنعة متوفرة في كل مكان. حاربها الفاتيكان ولا يزال يفعل ذلك ولكن بدون جدوى، وأصبحت حتى في متناول أيدي البسطاء في أمريكا اللاتينية. رغم كل الأعراض الطبية الجانبية، والبعض منها مخيفة، لكن العالم أجمع على أن هذه الهورمونات وأخطارها أفضل بكثير من مشاكل الولادة والإجهاض.
بعدها سمع العالم عن تعويض الهورمونات للنساء في نهاية الثمانينيات، وهتف أكثر من طبيب نسائية على شاشات التلفاز الغربية على جانبي الأطلسي بأن هذا الفعل ضرورة لكل امرأة تصل لما يسمى سن اليأس. اتفق الجميع على ذلك أيضاً باستثناء السيدة بريجيت باردوت، سيدة الشاشة الفرنسية، حيث أعلنت على الملأ أيامها بأن دخول ما يسمى سن اليأس يبقى أمراً طبيعياً لا حرج فيه. كانت مقولتها سليمة، والكل على علم بمخاطر هذه الهورمونات، والتي هي أشد بأساً من حبوب منع الحمل، ولكن لا أحد يصيح بصوت عالي ولا يتجرأ على الثرثرة بمثل هذا الموضوع. هذه ثورة هورمونات النساء منذ أكثر من نصف قرن من الزمان.
يمكن الاستنتاج بأن دراسة الهورمونات الأنثوية كان لها أبعاد اجتماعية ونفسية وطبية. أما هورمون الجنس الذكري فإنه لم يحظى بالاهتمام العلمي الواسع وأبعاده الاجتماعية والنفسية والطبية حديثة العهد ولا تزال موضع جدل ونقاش علمي. لا يتطرق المقال إلى الصحة الجنسية وإنما يتناول الأبعاد النفسية وبالذات السلوكية.
هورمون الجنس الذكري:
على العكس من هورمونات النساء فإن هورمون الرجال لا يحمل معه إلا الخبر المزعج لكل من يقرأ عنه. لا أظن أن هناك طفلا أو رجلا أو امرأةً يجهل هورمون الذكور وهو التستوستيرون Testosterone ، لكن هذا التستوستيرون ومنذ نصف قرن من الزمان هورمون سيء السمعة من ناحية أبعاده النفسية والاجتماعية.
يتم صنع معظم هذا الهورمون في الخصيتين وبمعدل 7 مغم يومياً. يتم نقله بعد ذلك مرتبطاً إما ببروتين الغلوبيولين (44%) أو بروتين الزلال (54%)، والباقي منه يكون حراً في الدم (2%). الجزء الفعال من هذا الهورمون هو القسم الحر Free Testosterone وذلك المرتبط ببروتين الزلال أما البقية فهي أشبه بالهورمون الاحتياطي المخزون. يفعل هذا الهورمون فعله على جميع خلايا الجسم والحركة الجنسية في الذكر وجزء من الفعالية الجنسية للمرأة.
يشترك الرجال مع النساء في وجود هذا الهورمون في أجسادهم غير أن نسبته في الذكور هي على أقل تقدير ثمانية أضعاف نسبته عند الإناث، وبسبب ذلك هناك العديد من البحوث العلمية التي بدأت تتطرق إلى علاقة هذا الهورمون بالسلوك البشري.
الأبعاد النفسية السلوكية:
يمكن إيجاز القواعد العامة في هذا الأمر كما يلي:
1- إن الهورمونات تلعب دورها في دفع الإنسان لاتخاذ القرار. في هذا المجال اللاعب الرئيسي هو هورمون التستوستيرون.
2- إن ارتفاع تركيز التستوستيرون في الجسم يؤدي إلى الشعور بالنشوة.
3- الشعور بالنشوة يؤدي إلى تخفيض عتبة تثبيط السلوك في الإنسان. القاعدة العامة أن هذه العتبة تتناسب عكسياً مع سلوك التهور البشري.
4- من جراء سلوك التهور يبدأ الإنسان باتخاذ قرارات خاطئة تكون نتائجها سلبية على الفرد. يمكن توضيح هذه الخطوات كما في الشكل المقابل.
5- النتائج السلبية بدورها تؤدي إلى حالة من التوتر النفسي المزمن من جراء استمرار الغدة فوق الكلية في إفراز هورمون الكورتيزون.
إن إفراز هورمون الكورتيزون له وظيفته الوقائية في جميع الكائنات الحية ويكمن ذلك في تهيئة الكائن الحي للخطر. بعبارة أخرى يمكن أن نسمي الكورتيزون بهورمون الإنذار المبكر أشبه بصفارات الإنذار التي تنطلق أسبوعياً في مكان العمل للتأكد من سلامتها إن نشب حريق وجهاز الإنذار المبكر للسونامي في المحيطين الهادي والهندي والذي لم يثبت فعاليته حتى يومنا هذا. أما في الإنسان فتراه له وظيفة أكثر أهمية وهي مساعدة الإنسان لاسترجاع ذكرياته من الفص الصدغي للدماغ ومراجعة أخطائه وتقييم سلوكه.ويمكن توضيح مسلسل الأحداث بمراجعة المخطط المقابل:
غير أن الأمر لا ينتهي عند مراجعة وتقييم الذات لأن عواقب الأمور في هذه الأيام أكثر ألماً وتأثيرا على الإنسان ولا مكان في هذه الدنيا للتوبة والمغفرة والعودة إلى الصراط المستقيم. ذلك بدوره يؤدي إلى استمرار إفراز هورمون الكورتيزون، واعتماداً على نظرية مارتن سيلكمان Martin Seligman في الستينيات والمعروفة بتعلم العجز أو العجز المتعلم Learned Helplessness فإن زيادة نسبة الكورتيزون في الجسم تؤدي ذلك إلى درجة من اليأس. يزداد الأمر سوءاً مع مرور بضعة أشهر وتبدأ أعراض قلة النوم وضعف التركيز وغيرها ويتحول شريط الذكريات إلى فلم كئيب لا ألوان فيه. لا يتوقف الأمر عند الاكتئاب واليأس وإنما تبدأ مقاومة الإنسان تضعف لدرجة زيادة تعرضه لجميع الأمراض المزمنة والخطيرة. هذا بالطبع يفسر الاعتقاد العام بأن الضغط النفسي المستمر والمزمن يؤدي إلى تدهور الصحة وبصراحة هذا المعتقد لا غبار عليه عكس ما يتصور البعض أو قل الكثير من الناس. مع الوقت قد لا يجد الإنسان أمامه سوى أفكار انتحارية قد لا يستطيع مقاومتها.
سن يأس الرجال:
هناك العديد من البحوث التي تتناول دخول الرجال في مرحلة طبية مشابهة لما يسمى بسن اليأس عند النساء. بدأت الكثير من وسائل الإعلام تتحدث عن هذه المرحلة مصورة للناس بأن الرجال أسوة بالنساء في هذا الأمر وتجاوز البعض الحدود العلمية مصرحاً بضرورة تعويض الرجال بالتستوستيرون. هذا الكلام خالٍ من الصحة بعض الشيء.
على عكس النساء، فإن هورمون الجنس الذكري يبدأ بالانخفاض في مرحلة مبكرة من العمر. تبدأ عملية انخفاض تركيز التستوستيرون عند الرجال منذ الأعوام الأولى للعقد الثالث من العمر وتستمر مدى الحياة. معدل انخفاض الهورمون عند الرجال تتراوح ما بين 0.8% إلى 1.7% سنوياً. يتراوح الرجال في معدل تركيز الهورمون في الجسم مع العمر وترى أن أقل من 20% يكون الرقم دون الطبيعي قبل العقد السادس من العمر وأقل من 40% بقليل بعد العقد الثامن من العمر. أما عند النساء فإن الهورمونات الأنثوية لا تتوقف تدريجياً وإنما بصورة حادة وتدخل هذه المرحلة.
إن مسألة تعويض الهورمون عند الرجال بعد العقد الخامس من العمر لا يمكن الاستناد عليه علمياً. إن نقص الهورمون قد يؤدي إلى ضعف العضلات والعظام، ضعف الرغبة والأداء الجنسي وتدهور المزاج والشعور بالعافية، ولكن لا يوجد دليل واضح على تدهور الفعالية المعرفية. قد يؤدي تعويض الهورمون إلى زيادة الرغبة الجنسية دون الأداء الجنسي وهذا الأمر كارثة بحد ذاته وقد تؤدي إلى زيادة سلوك التهور.
أبعاد سياسية:
نعود الآن ونتحدث عن هؤلاء الرجال وما عملوا بمن حولهم من رعايا. الحديث في مجال السياسة لا حدود له، وترى الأمور الواضحة في سيرة الرؤساء الأجانب والعرب وفي جميع أنحاء العالم. مما يزيد الطين بلة هو أن معدل أعمار من يستلمون السلطة هذه الأيام أقل بكثير من السابق. هذه الملاحظة الأخيرة تفسر السيرة الشخصية لبعض رؤساء العالم مثل بل كلنتون وجورج بوش الابن وغيرهم.
السيد روبرت موكابي زعيم زمبابوي لم يتوقف عن السلوك المريب رغم تدهور صحته البدنية وأظن يمكن إضافة صحته العقلية. أما على المستوى الأوربي فالزعيم الإيطالي السابق السيد برلسكوني لا يقل ضراوة نسبياً عن السيد موكابي في تعامله مع من حوله ومع السوق المالية الإيطالية. الأول أرسل زمبابوي إلى الكارثة والثاني جر وطنه إلى كساد اقتصادي لن تخرج منه إيطاليا بدون تقشف وألم.
أما على مستوى العالم العربي وزعمائه على مدى نصف قرن من الزمان فالحديث فيه لا يخلو من الحرج ولا شك أن التهور في السلوك لعب دوره المدمر في تدمير البنية التحتية لكل قطر عربي. ربما قد حان الوقت لتشجيع النساء بالقيام بدورهن في نهضة وتوعية، والحق أيضاً، القيام بدور قيادي للشعوب العربية.
عام الألعاب الأولمبية:
هذا العام هو عام الألعاب الأولمبية والتستوستيرون ربما حصل على الكثير من الميداليات الذهبية والفضية والبرونزية. كان تركيز اللجان الأولمبية منذ الخمسينيات من القرن الماضي إلى منتصف الثمانينات على التستوستيرون الصناعي والعقاقير المنبهة. بعد كل هذه السنين توصلوا إلى الاستنتاج بأن التستوستيرون الطبيعي ربما كان المادة الكيمائية الرئيسية في الإنجازات البشرية الأولمبية. على ضوء ذلك لا يغرنك مفتول العضلات فإنه على الأحوط من هواة استهلاك هذا الهورمون وليس منتجاً له.
الأسواق المالية العالمية:
ونهاية الحديث هو عن الأزمات المادية العالمية. ما عمله بعض الصبية في الأسواق العالمية وعبثهم برؤساء الأموال يبدو أنه كان من جراء النشوة الناتجة من إفراز الهورمون. من جراء هذا العبث والاستمرار في المقامرة تدهورت عتبة تثبيط السلوك لديهم وانتهى الأمر بكساد اقتصادي لا أحد يعلم نهايته. على ضوء ذلك لا عجب أن يتحدث الناس اليوم عن هذا الهورمون ويصفونه بمادة الحيوية غير العقلانية. لا أحد يجهل سيرة السيد شتراوس الذاتية وتسممه المزمن بهورمون التستوستيرون فلا عجب سوء أداء الاقتصاد العالمي في عهده. تسلمت رئاسة صندوق النقد الدولي امرأة هذا العام والكل يأمل بان هذا الهورمون لن يفعل فعله المشين لسنوات ثلاث أخرى على الأقل.
الاستنتاج:
قال الفاروق (رض): ثلاث مهلكات: شحٌ مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه. إن تمعنت جيداً في هذه المقالة فترى الحديث هو عن الذكور والتهور الذي لا حدود له.
إن مسألة سلوك الرجال تخضع لاندفاع عضوي من جراء تأثير هورمون طبيعي يفرزه الجسم. هذا الهورمون، والذي نعرفه بالتستوستيرون له الكثير من الوظائف العضوية ولكنه أيضاً ذا تأثير سلوكي وهو سيف ذو حدين. هناك حد يدفع بالإنسان نحو التطور والكفاح ولكن هناك عتبة إن تجاوزها سقط إلى هاوية التهور والدمار. يجب على الإنسان إدراك هذا الأمر وعلاقته بتركيبته الكيمائية. لا عجب أن تسمع الناس تقول وراء كل عظيم امرأة، والسبب في ذلك يرجع إلى أن المرأة أكثر حذراً وانتباهاً إلى تلك العتبة التي تنقل الإنسان من النجاح إلى الهاوية.
إن مقولة المرأة لها نصف عقل رجل لا صحة لها. على العكس من ذلك إن اندفاعها نحو النجاح وحرصها على زوجها وإدارتها للبيت رحمة للرجل والعائلة بأسرها وكل ذلك ربما بسبب قلة مادة الحيوية الغير عقلانية التي تتنقل بحرية في أجساد الرجال.
ملاحظات:
يمثل هذا المقال رأيا شخصيا للكاتب ولكنه مستند برمته إلى العديد من الأبحاث العلمية والكتب الصادرة في هذا المجال في عام 2012. للمزيد من المراجعات والمصادر يرجى الاتصال والطلب.
واقرأ أيضًا:
الدفاعات النفسية والرغبات الجنسية ثنائية التوجه / مجانين الإنترنت