الإخوان المسلمون جماعة دعوية تربوية سياسية ذات ثقل مهم على المستوى المحلي والدولي، وقد زاد اللغط حولها واحتد إبان الثورة المصرية في 25 يناير وما تبعها من أحداث دفعت بالجماعة إلى بؤرة الاهتمام إيجابا وسلبا، تأييدا ورفضا، ثقة وشكا، حبا وبغضا. ووصل هذا اللغط قمته الآن حيث تنافس الجماعة بمرشحها الرئاسي "محمد مرسي" مرشحا رئاسيا آخر هو "أحمد شفيق" تلميذ حسني مبارك وخليله وممثلا للحزب الوطني البائد (ظاهريا) والكامن (واقعيا)، وقد وضعت هذه الثنائية المجتمع المصري كله في حالة صراع غاضب إذ وجدت كتلة كبيرة من الناس أنها مجبرة على الإختيار بين مرشحين لا يرضيان عنهما، ويشيع وصف "خيارين أحلاهما مر" على ألسنة المصريين، ونحن نفهم ونتفهم ذلك تجاه أحمد شفيق كممثل لنظام قامت الثورة للإطاحة به والتخلص من فساده؛
أما الإخوان الذين أعطاهم المصريون أصواتهم بكرم زائد في الانتخابات البرلمانية، وضنوا عليهم بنسبة كبيرة من الأصوات (تصل إلى النصف) في الانتخابات الرئاسية، ويعتبرون مرشحهم "أحد الخيارات المرّة" في الجولة الثانية للإعادة، فما الذي وضعهم في هذا المأزق الآن؟. هذا هو سبب النصيحة التي نهديها لهم (ولغيرهم) الآن (وغدا وفي كل الأوقات) عملا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم (الذي رواه البخاري ومسلم): الدين النصيحة، قلنا: لمن يارسول الله، قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم.
وقد قدمنا هذه النصيحة (أنا وغيري) لبعض قادة الإخوان في السر حتى لا نجرح أحدا، ولكنها لم تصل أو لم تؤثر، والآن نقدمها في العلن علها تصل وتؤثر (وتؤدي إلى مراجعات باتت ضرورية بصرف النظر عن نتائج الانتخابات)، وسنجعلها في صورة نقاط تلغرافية قصيرة قدر الإمكان:
٠ اقرأ: ما كتبه المحبون لك والمتعاطفون معك وأيضا المخالفون والكارهون والمعادون. لقد اكتشفت أن كثير من قادة الإخوان لم يقرأوا ما كتبه المستشار طارق البشري (أخطاء الإخوان في مائة يوم من البرلمان) وما كتبه الأستاذ فهمي هويدي، وما كتبه ابراهيم عيسى وعبد الحليم قنديل وغيرهم. ما كتب عنك سواءا أعجبك أم لم يعجبك يعطيك تغذية مرتجعة تفيدك كثيرا في قراراتك وخطواتك. أزمة مبارك أنه لم يكن يقرأ، وإذا قرأ تجنب ما لا يعجبه.
٠ تأمل: الصورة الذهنية للإخوان في الفترة الأخيرة وكيف تحولت من صورة جماعة إسلامية دعوية تربوية سياسية ناضلت على مدى ثمانين عاما وكان لها أثر كبير في نشر الدعوة وتربية أعداد كبيرة من الكوادر الدعوية والفكرية والسياسية في مصر والعالم، ووقفت كمعارضة منظمة ومؤثرة أمام النظم الاستبدادية وعانت الكثير من أجل ذلك، تلك الصورة الذهنية تتحول الآن إلى شكل سلبي آخر تلمحه في مفردات الخطاب الإعلامي والخطاب اليومي بين الناس من خلال كلمات مثل: الاستحواذ، التغلغل، الانتهازية، البراجماتية، الطمع، التكويش، الاندفاع نحو السلطة، الصفقات، المراوغات، المناورات، عدم الأمان، خلف الوعد. هي صورة ذهنية مزعجة لا تحتملها جماعة دعوية تربوية، قد تكون بعض أجزائها مدفوعة بحملة تشويه إعلامي موجهة ومؤكدة، ولكن البعض الآخر هو حاصل ضرب أخطاء متراكمة لقرارات وخطوات قيادة الإخوان في الفترة الأخيرة بلا أدنى شك.
٠ تمهل: في خطواتك السياسية وفي اندفاعك نحو كراسي السلطة، فالسلطة ليست مرادفة للتمكين والنصر، بل قد تكون فخا تقع فيه ليتم حصارك وتعجيزك ثم تشويهك. إن الإخوان جماعة كبيرة استعصت على الاجتثاث في عصور الظلم والاستبداد، ولها دور تربوي ودعوي يتجاوز مكاسب السياسة الضيقة والمتقلبة، وهي قادرة على القيام بهذا الدور حتى بعيدا عن كراسي السلطة (خاصة في مناخ الحرية بعد الثورة)، بل إنها تكون أقرب لقلوب الناس بقدر ما تزهد في السلطة وتعمل لكل الناس بعيدا عن استقطابات السياسة وبغضائها وصراعاتها ودسائسها.
٠ اعلم: أن دستور الجماعة يقضي بأن المبادئ قبل المصالح، وأن الأخلاق قبل المكاسب، وأن حب الناس وكسب ثقتهم أهم وأفضل من السيطرة عليهم وحكمهم.
٠ عسى: أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم . لقد أحببتم مقاعد البرلمان (ظنا منكم أنها ستغير الأحوال) وتجاوزتم ما وعدتم به (ثلاثون بالمائة كحد أقصى) إلى ما طمعتم فيه وطمحتم إليه (خمسون بالمائة وزيادة لو أمكن)، فاكتشفتم أن البرلمان قد وضع في صندوق محكم الإغلاق. وأحببتم الرئاسة (ظنا منكم أنها تمنحكم فرصة للفعل والتنفيذ خارج إطار الصندوق البرلماني المغلق) فخلفتم وعدكم بعدم الترشح للرئاسة، وستكتشفون في حال الوصول للرئاسة أن المقعد الرئاسي محاصر بقوى لا حصر لها، وستكتشفون أن الخير كل الخير ليس في البرلمان أو الرئاسة بل في الصدق والأمانة والوفاء بالوعد والانتماء للناس والقرب منهم، وستتذكرون أن أهل مكة كانوا يكرهون الرسول صلى الله عليه وسلم وكانوا يعادونه أشد العداء واتهموه بالسحر والجنون وكل شئ إلا أنهم ظلوا رغم كل ذلك يعترفون أنه "الصادق الأمين".
٠ تذكروا: درس الرماة في غزوة أحد، حين تركوا مواقعهم القتالية قبل انتهاء واستكمال المعركة، ونزلوا يجمعون الغنائم فكانت الخسارة المؤلمة في المعركة واستشهد بسبب ذلك سبعون من خيرة الصحابة. فالثورة التي شاركتم فيها ودافعتم عنها ببسالة في موقعة الجمل وكنتم النواة الصلبة لها في ميادين وشوارع مصر، تلك الثورة كانت تحتاج لمزيد من الصبر والعمل والكفاح حتى تحقق أهدافها في الهواء الطلق وفي النور بأيدي ثوارها وليس في الغرفات المغلقة المليئة بالنجوم والدخان الكثيف.
٠ انتبهوا: إلى الدرس الكوني الأول، حين أتاح الله لآدم الجنة يتمتع بخيراتها، وحرم عليه شجرة بعينها، فوسوس الشيطان لآدم ليأكل من الشجرة طمعا في خلود مزعوم وملك لا يبلى، وحين نسي آدم العهد وأكل من الشجرة خسر كل شئ حتى ملابسه التي كانت تستره وراح يقصف من ورق الجنة ليستر ما ظهر من جسده هو وزوجته. وحين وعى آدم الدرس تاب فتاب الله عليه.
٠ اعتذر: عن كل الأخطاء التي تسببت فيها القيادة في الفترة الأخيرة وأدت إلى تراجع شعبيتك وتغير صورتك، فلعل ذلك الإعتذار يعيد الثقة مرة أخرى حتى ولو بعد حين، والاعتذار من شيمة النفوس الكريمة الأوّابة التي تعرف الحق وتعود إليه ولا تكابر، وتستمع إلى نصيحة المحبين وتتعلم حتى من نقد وهجوم الكارهين (طوبى لمن أهدى إلي عيوبي).
٠ تقبّل: الآراء الناقدة من شباب الإخوان وشيوخهم، ولا تسبعدهم على أنهم مثيري مشاكل ومشاغبين وخارجين عن الصف وشاقين لعصا الطاعة والجماعة، فربما تكون تلك الآراء الناقدة هي طريق الوصول للقرارات الصحيحة، وهي مفاتيح إصلاح الجماعة وتطويرها.
٠ اختر: من تقدمهم للعمل العام وخاصة للمناصب الرفيعة على أساس الكفاءة والقدرة والخبرة وليس على أساس الطاعة، وراجع خياراتك في الشهور الأخيرة وستكتشف أن معيار الطاعة قدم للمجتمع المصري بعد الثورة قيادات أصغر بكثير من كراسيها، قيادات تفتقر لمهارات القيادة والتواصل والتأثير في المجتمع الأوسع، فالطاعة ليست هي السمة الإيجابية الوحيدة في الإنسان بل ربما تكون كارثية في بعض المواضع. وكلنا يعلم أن لدى الإخوان كوادر هائلة ولكنها تستبعد من العمل العام حين لا تكون تحت السيطرة (أبو الفتوح وعصام العريان وعصام سلطان وأبوالعلا ماضي وكثير من شباب الإخوان كأمثلة).
٠ ابتعد: عن الميكيافيلية في ممارساتك السياسية، فأنت منذ البداية جماعة إسلامية دعوية تربوية، وبهذا لا تحتمل آثار وتبعات مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة"، أما إذا كنت ترى في الميكيافيلية مذهبا مفيدا في السياسة فلتطلق الصفات التربوية الدعوية وتلعبها سياسة في سياسة ولك ما تشاء.
٠ لاتلوث يدك: بالرشاوى الإنتخابية أيا كانت صورتها فالنجاح في الانتخابات ليس غاية تصل إليها بأي طريقة ، والناس أعينها مفتوحة وعقولها مازالت تعمل بكفاءة.
٠ احتو: كافة التيارات والطوائف والتوجهات في المجتمع، فأنت (بحكم تكوينك الدعوي التربوي الإسلامي) للجميع وبالجميع تدعوهم إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
٠ فرّق: بين العمل الاستقطابي المغلق في فترة الاستضعاف والاضطهاد والإقصاء والحظر والتجريم، وبين العمل في الهواء الطلق وفي الفضاء الواسع والبحر المفتوح وأجواء الحرية والشرعية.
٠ كف: عن التعالي والإعجاب بالكثرة والثقة الزائدة بقدرة التنظيم على الحشد، وتذكر ما حدث للمسلمين في غزوة حنين حين "أعجبتهم كثرتهم" فلم تغن عنهم من الله شيئا وضاقت عليهم الأرض بما رحبت.
٠ امنع: شباب الإخوان عن سب المعارضين والمخالفين، فالسب والشتم سواء في الشارع أو على صفحات الإنترنت لا يليق بأبناء جماعة تربوية دعوية. وليكن جزء من النظام التربوي داخل الجماعة عن الحوار وقبول الآخر وعفة اللسان مع المخالفين وحتى الكارهين، وعن قيمة التعددية، وآداب الخلاف والاختلاف.
٠ تنبه: إلى الأفخاخ والحفر المنصوبة للجماعة، وافتح عينك لترى محاولات الاستدراك التي تمت وتتم في الشهور الأخيرة لجماعة الإخوان بهدف تشويههم وتفتيت نواتهم الصلبة، وللأسف الشديد قد وقع الإخوان في الكثير منها ومازالت تقع، إذ يبدو أن القيادة الحالية ينقصها بعض حكمة القيادات السابقة ورويتها، أو أن خللا ما أصاب آليات اتخاذ القرار (ربما سيطرة أشخاص بعينهم) أدى إلى اندفاعات خاطئة وغير محسوبة ستدفع الجماعة وربما مصر كلها ثمنا باهظا لها. فقد وقع الإخوان في فخ الاستحواذ في الانتخابات البرلمانية والرئاسية وفي تشكيل الجمعية التأسيسية وفي تهديد المحكمة الدستورية، ودفعوا ويدفعون لذلك ثمنا باهظا (حتى لو نجحوا في ذلك الاستحواذ، وحتى لو كانت النية طيبة).
٠ افتح صدرك: للنقد وحتى الهجوم، فأنت قد تصدرت للعمل العام في مجتمع ذو تركيبة تعددية ثرية، فأنت لست في أسرة أو كتيبة إخوانية تستمع وتطيع بل في مجتمع تتعددد فيه الرؤى والتوجهات والمصالح.
٠ لا تستهن: بذاكرة الناس وبعقولهم، فالشعوب لا تغفر لمن يستهين بفطنتها.
٠ عد: إلى دورك الدعوي التربوي الإصلاحي واجعله أهم أولوياتك، فقد غرقت كثيرا في الدور السياسي فصرفك عن دورك الأساسي في دعوة الناس إلى الله وربما يكون ثمة تبرير أن العمل السياسي هو من أجل الدعوة والتربية، ولكن الحقيقة التي أرجو أن لا تنكرها، هي أن الجماعة غرقت أو أغرقت في بحر السياسة فأصابها الكثير مما لا تحب ولا يحب لها أبناؤها والمتعاطفون معها.
كانت هذه بعض وليس كل النصائح الواجبة علينا للإخوان في هذه الظروف العصيبة بدافع الحب والتقدير ووفاءا لتضحيات الإخوان وشهدائهم في سبيل الدعوة إلى الله وفي سبيل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
واقرأ أيضاً:
الثورة المضادة في الشعب نفسه/ خيار العودة إلى "الميدان" وثورة المصريين الثانية/ انتخبوه وعارضوه/ قراءة نفسية في ملحمة الأمل المصرية/ ماذا لو زُورت الانتخابات لصالح شفيق؟