بعد الأحكام الصادمة على الرئيس المخلوع (مبارك) ووزير داخليته، والتي برأت ولديه ومساعدي الوزير الستة، في الوقت الذي أدانت فيه مبارك والعادلي، خرج الإخوان المسلمين بقوة يدعون إلى الثأر لدم الشهداء وللتظاهر المليوني المستمر، حتى موعد جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة، مع دعوة الناس –وهنا مربط الفرس الإخواني الذكي– لانتخاب د. محمد مرسي لأنه مرشح الثورة الذي سيقتص لدم الشهداء (!!). ولاشك أن الثأر لدم الشهداء هو دعوة حق، ولكن هل أراد بها الإخوان بالفعل، تحقيق العدالة، أم أنهم أرادوا –كما أشاع مخالفوهم– (الباطل) وهو هنا الانتهازية السياسية وركوب لحظة الغضب الشعبي من الأحكام وتجيرها لمصلحة مرشحهم للرئاسة؟!، وبعد أن يفوز ساعتها لن يلتفت لا إلى دم الشهداء ولا إلى الثورة، فقط سيلتفتون إلى جماعتهم غير المرخصة، وغير الشرعية.... هكذا يقول أعداء الإخوان، ومخالفوهم، فأين الحقيقة؟ وبماذا ننصح الإخوان، ونحن من المحبين لهم؛ في هذا المنعطف التاريخي الكبير الذي تمر به مصر، وجماعة الإخوان؟
دعونا نسجل الآتي :
أولاً: إننا ممن يؤمنون يقيناً أن الإخوان فصيل وطني مهم، لا تستقيم الحياة السياسية بعد الثورة، من غير مشاركته الرئيسية في صناعة القرار، وتنفيذه، وهو فصيل ضحى بالمال وبالنفس وقدم تضحيات مشهودة في عهد الرئيس السابق سجناً وحصاراً بل واستشهاداً، ومن هنا نحن نرفض تماماً الدعوات المطالبة بإقصائهم، إذ فضلاً عن كونها غير واقعية لأننا نتحدث هنا عن فصيل وطني له شعبيته وحضوره، فهي دعوات غير أخلاقية وغير منصفة، وتسيء إلى الثورة التي شارك فيها الجميع، ومن حق هذا الجميع أن يجني ثمارها وفي مقدمتهم الإخوان بشرط أن يكون هو الآخر على نفس الدرجة من الوعي والإيثار وحب رفاق الثورة وألا تغلب عليه روح الاستحواذ، كما بدت في العديد من المواقف خلال الـ 18 شهراً التالية لثورة يناير.
ثانياً: إذا كنا نؤمن بوطنية الإخوان وشعبيتهم وأحقيتهم في جني ثمار الثورة مع كافة القوى الوطنية، فإن من واجبنا تجاههم كرفاق معارك وطنية ضد استبداد النظام السابق أن ننصحهم بالآتي:
1- لا داعي لأن يتذاكى الإخوان على الشعب وقوى الثورة، وأسر الشهداء، بإدعاء أن نزولهم الجديد للميدان هو من أجلهم وليس من أجل الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة، فكل الشواهد تؤكد ذلك، وهذا بالمناسبة ليس عيباً، فاستثمار الأحداث الطارئة في معركة انتخابية شرسة مع أحد رموز النظام البائد، أمر جائز، شريطة الصدق في قول ذلك، والوفاء بالعهود، وهو أمر لن يتحقق من غير أن يعتذر الإخوان عن أخطائهم السابقة داخل وخارج مصر، داخلها مع كافة قوى الثورة التي استبعدوها ولم ينسقوا معهم إلا عند الحاجة، وخارجها مع أخطائهم بتأييد ثورات الـ C.I.A في المنطقة والتي لم يكتفوا بتأييدها المعنوي بل ودعموها رغم علمهم أن الله لم يجعل للمؤمن من قلبين في جوفه، فإما أن تكون ثائراً وأما أن تستقبل جون ماكين وكيري وتدعم ثورات حلف الناتو في ليبيا وسوريا ويخرس ضميرك ولسانك أمام ثورات اليمن والقطيف والبحرين، إن نقد الذات وأخطائها هو أول طريق التصديق لتصريحات الإخوان بأنهم سيقتصون لدم الشهداء ويحكمون مصر بالعدل والمشاركة وليس المغالبة وركوب موجات الغضب الشعبي كل حين.
2- ثم إن توقيع الإخوان على ما سمي بـ (وثيقة العهد) التي أعدتها القوى الوطنية المصرية ونشرت بنودها مؤخراً، ينبغي أن يسبق الجولة الثانية للانتخابات، فكل تصريحات ومليونيات وألعاب الفهلوة السياسية لن تجدي أمام شعب، وقوى ثورية لُدغت من جحر الإخوان خلال الـ 18 شهراً (بدء بالإعلان الدستوري ومروراً بمجلس الشعب وانتهاء بالدستور)، إن التوقيع على شروط الحركة الوطنية المصرية مع الدراسة الجادة لفكرة (تشكيل مجلس رئاسي حقيقي)، مستقل من رموز وطنية مصرية مشهود لها بالكفاءة وحب الوطن، لا حب (الفضائيات)؛ يعد من الأمور المهمة التي على الإخوان أن يبادروا بالأخذ بها، وألا يتذاكوا على الناس، ويبيعون لهم الكلام فقط دون التوقيع الكتابي على (وثائق)، في ظني، بقدر ما ستطمئن الشعب، ستخدم الإخوان أنفسهم، لأن التركة ثقيلة، ومن الذكاء السياسي إشراك كل القوى الوطنية في حملها مع الإخوان.
3- على جماعة الإخوان أن تجد وفي أسرع وقت، حلاً لشرعية وجودها كجماعة غير مرخصة، ولا داعي للتلاعب بالألفاظ والتخريجات القانونية عن (جماعة) أكبر من الوطن؛ فإن هذا لم يعد يقنع أحداً، في بلد شب شعبه عن الطوق، وبلغ في وعيه مقاماً عالياً.
* ثمة نصائح أخرى كثيرة، يحتاج الإخوان إلى أن يسمعوها خاصة من محبيهم، سنعلنها لاحقاً، فصديقك من صدقك لا من صدقك، كل أملنا أن يتلقى الإخوان النصيحة بتواضع الثوار وحكمة الشيوخ ويعملون بها قبل يوم السبت القادم (16/6/2012)، يوم انتخابات الرئاسة وإذا ما تم ذلك، فإننا بالتأكيد يوم الاثنين 18/6/2012 سنبارك لمحمد مرسي رئاسة مصر، أما إذا حدث العكس فابشروا بمحنة وفتنة تصغر أمامها كل محنكم السابقة، فهل يدرك الإخوان دلالة اللحظة التاريخية، وأهمية قبول النصح!!.
واقرأ أيضاً:
قراءة نفسية في ملحمة الأمل المصرية / ماذا لو زُورت الانتخابات لصالح شفيق؟ / دولة الإخوان في مصر وصعود الإسلاميين