مساء الثلاثاء الماضي (5/6) كنت ضيفا على أحد برامج محطة تليفزيون (بي.بي.سي)، التي كانت فكرته تدور حول تحليل الوضع الراهن في مصر من خلال تعليقات المواطنين ورسومات الفنانين، التي تظهر على شبكة التواصل الاجتماعي أو تنشر على صفحات الصحف، وكان بين الحضور ثلاثة من الناشطين والفنانين الذين قدموا بحسبانهم «خبراء» إضافة إلى جمهور كان خليطا من الشبان والفتيات من مختلف الأعمار.
قبل بدء التسجيل جلسنا نتحدث عن محاكمة مبارك والانتخابات الرئاسية في غرفة جانبية، ولاحظت أن شخصا ممتلئ الجسم انضم إلينا، وظل صامتا طول الوقت، في حين كان يتصبب عرقا وهو يتابع الحديث. وبينما كنا نتكلم رغب أحد الفنانين في التعرف عليه، فتمتم بكلام غير مفهوم. ويبدو أن صاحبنا شك في أمره فسأله مباشرة عن رأيه في محاكمة مبارك، فكان رده أنه متعاطف معه. ثم عاد إلى صمته والعرق يتصبب منه.
لم أكن أعرف أن أحد الناشطين الثلاثة من المتعاطفين أيضا مع مبارك، لكني اكتشفت ذلك حين طلب منه التعليق على رسم كاريكاتوري صور فلاحة اعتبرها الرسام رمزا لمصر، استوقفت سيارة أجرة وطلبت من السائق أن يحملها إلى ميدان التحرير. وكان الرسم يصور الحالة المصرية وغضب الناس بعد إعلان الحكم على مبارك وتبرئة أعوانه في وزارة الداخلية.
في تعليق صاحبنا ــ وهو شاب نحيف بدا متوترا وعصبي المزاج ــ أن التي استوقفت سيارة الأجرة ليست مصر، ولكنها سيدة ترتدي الزي «الإخواني»، وكأنه أراد أن يقول إن الذين تظاهروا في ميدان التحرير هم الإخوان المسلمون فقط، وأن الشعب المصري لم يكن طرفا في التظاهرة الحاشدة. في اجترار للشائعة التي تحرص بعض الأبواق على الترويج لها هذه الأيام، التي يراد بها إيهام الرأي العام بأن الصراع الحاصل ليس بين الثورة والثورة المضادة ولكنه ــ كما كان طوال الستين سنة الماضية ــ بين السلطة والإخوان.
وهي ذات اللغة التي تحدث بها اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات السابق، في الحوار الذي نشرته له جريدة الحياة اللندنية، أنه ادعى أن الذين عارضوا ترشحه للرئاسة كانوا الإخوان المسلمين وحدهم، وليس الجماعة الوطنية المصرية.
تدخلت في الحوار قائلا: ذلك تشخيص مغلوط، لأن السيدة التي ظهرت في الصورة ترمز للفلاحة المصرية العادية، والزي الذي ترتديه شائع في كل أنحاء مصر، وفي القرى فإن المسلمات والقبطيات يرتدين نفس الزي، (وهو شهد به إدوارد لين في كتابه الشهير «المصريون المحدثون»).
سكت صاحبنا ولم يرد، لكنه انفعل حين ظهرت صورة كاريكاتورية أخرى لمبارك في أشكال متعددة، حيث بدا هو الرئيس وهو المحقق وهو القاضي، في إشارة إلى أن أصابعه لا تزال تتحرك في مصر. إذ قاطع الرجل زميلنا خالد عز العرب مقدم البرنامج وهو يتحدث قائلا إنه لا تجوز السخرية من مبارك، فما كان منه إلا أن دعاه لأن يلتزم الهدوء أثناء التسجيل لأنه هو الذي يدير الحلقة، وإلا اضطر إلى مطالبته بمغادرة الأستوديو.
حينئذ انفعل صاحبنا وهب واقفا واتجه إلى باب الخروج. ولم تكن هي المفاجأة الوحيدة التي أدت إلى إيقاف التسجيل، لأنني فوجئت أيضا بنحو عشرين شخصا كانوا يحتلون ركنا جانبيا (أغلبهم من السيدات والفتيات) نهضوا بدورهم وساروا وراءه، ولاحظت أن في هذه المقدمة منهم الرجل ممتلئ الجسم الذي كان يتصبب عرقا، وفي خروجهم كانوا يهتفون بما اعتبروه أفضال مبارك علينا، فرد عليهم بقية الجالسين مطالبين بإخراجهم، وظلوا يهتفون «برَّه.. برَّه».
ما حدث خارج الأستوديو لم نعرف به إلا بعد انتهاء التسجيل، إذ قال لنا الفنيون والعمال إن المجموعة كانت تقودهم سيدة بدينة عالية الصوت وبذيئة اللسان ظلت تسب وتشتم وتحاول الاشتباك مع بعض العاملات في المكان. ووسط الهتافات والهرج حاول بعضهم اقتحام الغرف المجاورة وتعطيل التصوير، إلا أن العاملين احتشدوا وحالوا بينهم وبين ما يريدون. ثم اكتشفوا أن بعض البلطجية والنسوة الأخريات كانوا يقفون بالباب الخارجي، ومعهم لافتات تحمل صور الرئيس السابق. وكانوا قد جاءوا بعد بدء التسجيل ولكن عناصر الأمن منعوهم من الدخول. وظلوا إلى جوار سيارات كانت تنتظرهم في الخارج.
قيل لي إن ما أنقذ الموقف أن أحد العاملين قال لزملائه بصوت مسموع إن سيارات الشرطة قادمة في الطريق، الأمر الذي دفع المجموعة إلى المسارعة بالابتعاد واللحاق بالسيارات المنتظرة.
المشهد الذي رأيته كان استنساخا لموقعة فض البلطجية للمؤتمر الصحفي الذي عقد في نقابة الصحفيين لكشف مخالفات الفريق أحمد شفيق في وزارة الطيران، الأهم من ذلك أنه جاء دالا على أن شبكة النظام، القديم لا تزال تعمل وأن هناك من سرب خبر البرنامج التليفزيوني إلى مسئول في الشبكة، فرتب بقية التفاصيل!! الحشد والبلطجية والنسوة اللاتي كان الأمن يطلقهن على المشاركات في المظاهرات، إضافة إلى صور مبارك وسيارات الركوب ووجبات الطعام والمثلجات التي وزعت على الجميع.
حين تتم كل تلك الترتيبات للتعامل مع برنامج تليفزيوني، فلنا أن نتصور ما يتم ترتيبه للانتخابات الرئاسية، ليس لصالح الدكتور محمد مرسي بطبيعة الحال!
واقرأ أيضاً:
انتخبوه وعارضوه/ قراءة نفسية في ملحمة الأمل المصرية/ ماذا لو زُورت الانتخابات لصالح شفيق؟/ دولة الإخوان في مصر وصعود الإسلاميين/ الشيخ عبد الرحمن وغضب الأمريكان
التعليق: نعم هم ما زالوا يعملون فى مصر إنها شبكة من النظام القديم .. إنها موجودة فى جهاز الشرطة وموجودة بما يسمى "الأمن القومي" وموجودة بوزارة الإعلام وموجودة بالمحليات والمجالس المحلية والنيابات والقضاء ... هم ما زالوا .. نفس الأشخاص الذين أحبوا مبارك حبا جما وهم الذين كانو يعرفون معنى الحياة والاستقرار في عهده هم الطبقة التي كانت مستقرة تماما في عهده .. وهم الذين يبحثون عن وجه آخر لمبارك يحفظ لهم كرامتهم المصونة من عامة الشعب والفقراء ..
وهم الذين يروجون لشفيق أنه هو الاستقرار ... إلخ
أنا أود أن أتساءل أين الإستقرار الذي سيأتي مع شفيق إذا تولى هو الحكم ونحن نعرف أن جميع القوى الثورية والإخوان المسلمين من الضمن يعارضون ترشحه في الأصل ..فأرى أنه من عدم العلم بالشيء أن نقول أن شفيق سيصحبه الأمن والاستقرار ..
وعلى الصعيد الآخر اذا فاز مرسي فأعتقد أن القوى الثورية والشعب المصري سيتركه فترة لن تزيد عن 5 أو 6 شهور ليروا ماذا سيفعل ثم يقيمونه على تصريحاته على قراراته.. على العكس تماما مع شفيق فسيقفون له من أول يوم..