مصداقيتنا التي طارت مع خبر مكذوب
يعني إيه وكالة الأنباء الرسمية تنشر خبرا يتعلق بوفاة الرئيس السابق للبلاد، الرئيس الذي قامت ثورة شعبية من أجل إسقاطه، وهو مسجون على خلفية أحكام غير مرضي عنها شعبيا، وبعدما يقلب الخبر الذي انتشر كالنار في الهشيم أوضاع البلاد ورؤوس الناس، تنفيه ـ بكل بساطة ـ صحفية أجنبية على مدونتها، بعدما توصلت بشكل أو بآخر لعضو بالمجلس العسكري نفى لها صحته، ليس هذا فقط بل وتنقل وسائل إعلامنا المحلية (صحف ومواقع وفضائيات) الخبر عن المدونة والصحفية الأجنبية التي تعمل بإحدى الوكالات.
نشر خبر بهذا الحجم، وفي الوكالة الرسمية للبلاد، دون التحقق من صحته، كارثة، وتخطي الصحفيين الأجانب لنا بهذه الطريقة ليتحققوا نيابة عنا، ثم نحن ننقل عنهم، أشد كارثية، وتصحيح الخبر من قبل مسؤولين بهذا الحجم لوسيلة أجنبية قبل أن تصححه الوكالة الرسمية للبلاد جملة كوارث مجتمعة، ونحن هنا لا نعيب على الآخرين أنهم يعرفون واجبهم، ويتحققون لمهنيتهم، ولا احترافهم، بل نعيب العبث الذي نحياه، ومدى الاستهانة بسمعتنا إلى هذه الدرجة.
هل يُعقل أن تُقدم (وكالة أنباء الشرق الأوسط) التي تحمل وحدها في مصر لقب "رسمية" على نشر مثل هذا الخبر، وهي تعلم يقينا ما سيترتب عنه من بلبلة وأقاويل داخل الرأي العام، دون أن تكلف نفسها عناء التحقق من مدى صحته، أو هل تأجرأ الوكالة ـ ونحن في مثل هذه الظروف الاستثنائية ـ على نشر هكذا خبر دون الرجوع للأجهزة السيادية، وهذا لن يعيبها على الإطلاق لأنها وكالة الدولة الرسمية وهو واجبها، لكن الأمر به من الشكوك ما يصعب كثيرا من مسألة التسليم بهذا التساؤلات البديهية.
شبكات الأخبار الأجنبية سارعت لتتحقق من صحة الخبر، كي تنقل للعالم حقيقة ما جرى، أما نحن فلهثنا خلف سبق إعادة نشره، ولست أدري حقيقة أهو ذنب المحررين المصريين ممن وثقوا في الوكالة الرسمية لبلادهم، أم ذنب الوكالة التي لم تتحقق فيما تنشر، أم ذنب المسؤولين الذين ترفعوا عن أن يدلوا بما لديهم من معلومات موثقة لوكالتهم المحلية، إذ كان الأولى بأعضاء المجلس العسكري أن يعطوا الفرصة للوكالة الرسمية للدولة كي تنفي صحة الخبر الذي نشرته... أم أنه ـ أصلا ـ لا هذا ولا ذاك ، والأمر لا يعدو كونه مقصودا لأهداف أخرى.
مصر وهي دولة عريقة في صناعة الإعلام والصحافة، وعنها أخذ هذا الفن العديد من أمم وشعوب الأرض، مصر التي تملك مئات المطبوعات والدوريات، وعشرات إن لم يكن مئات القنوات، وآلاف المواقع على شبكة الإنترنت، وبها جيش جرار من الصحفيين والإذاعيين والكتاب والباحثين، يتبوأوون مناصب في أكبر صحف العالم وشبكاته الإخبارية، تتحقق من مدى صحة خبر وفاة واحدا من أشهر حكامها وأطغاهم على مدار التاريخ عن طريق مدونة أو وكالة أجنبية!!.
كان الأولى بالوكالة الرسمية (أ ش أ) أن تتحقق من صحة الخبر، ولو تأخرت في نشره، وكان يتعين على المجلس الذي يدير شؤون البلاد أن يصحح للوكالة ما وقعت فيه من خطأ، وفي أسرع وقت ممكن، قبل أن نعطي للآخرين فرصة أن يصححوا لنا في واحدة من أخص خصوصياتنا كدولة وشعب ومجتمع.. لكن حقيقة، ينتابني هاجس ليس لدي من الوسائل ما يؤكدها أو ينفيها أن يكون تسريب الخبر تم عن عمد، وأن السبب لم يكن مهنية ضائعة أو خبرة منقوصة بل الحقيقة أنه مبيت لغاية محددة، وفي إطار حرب من الإشاعات القذرة، مما بات يروج له هذه الأيام دون أن نقف على مصدره الحقيقي ولا الأهداف التي ينشدها.
اقرأ أيضا