في الثورة السورية كيف وصلنا إلى المجازر الحالية؟1
هلع بعض العلويين من الإسلاميين السنة
يعيش بعض العلويين عمرهم كله ويموتون دون أن يدخلوا مسجداً للسنة قط، وقد لا يدخلون أيضاً حتى لمساجد العلويين حيث الصلاة الظاهرية على طريقة الشيعة. الكثير منهم لا يعرفون حتى كيفية الصلاة الظاهرية والبعض غير مهتم بكل ديانته الباطنية. المسجد مكان غريب تماماً بالنسبة لهم ويحملون قلقاً تجاهه يشبه الخوف من المجهول.
الكثير من العلويين لا يميزون الفرق بين الإسلاميين السلفيين والصوفيين والتكفيريين والجهاديين، كما لا يعرفون أحزاب الإسلاميين المختلفة مثل الإخوان المسلمين وحزب التحرير والتيار الإسلامي الديموقراطي وجماعة اللاعنف وغيرها. لم يقرؤوا لهم ولا يعرفون تاريخهم ولا يميزون رموزهم، هم لا يعرفون الفرق بين علي الطنطاوي وحسن حبنكة وكريم راجح وعبد الكريم الرفاعي والبوطي وسعيد حبش وجودت سعيد وعدنان سعد الدين وعصام العطار وسعيد حوى وغيرهم، ولا يفرقون بين قطب والمودودي والبنا والبيانوني… ولا يعرفون الفرق بين التجربة الإسلامية في السعودية والسودان وباكستان وإيران وطالبان في أفغانستان وتنظيم القاعدة.
لم يقم النظام بأية مراجعة لأحداث الثمانينات (كما فعل الإخوان المسلمون) لذلك كان سهلاً عليه استخدام كل الإرث الثقيل لأحداث الثمانينات حين بدأت الثورة السورية في دعايته النفسية ضد الثوار، خصوصاً مع توريث الجمهورية ضمن العائلة المالكة نفسها مما أدى إلى توريث الدم نفسه (ابن القاتل قد يكون قاتلاً الآن وكذلك ابن المقتول قد يكون مقتولاً الآن، ينطبق ذلك على الطرفين أحياناً)…
لقد تبين في بداية الثورة وجود فوبيا حقيقية عند بعض العلويين من السنة كهوية، وفوبيا من المساجد ومن كل ما يخرج منها، وكان لافتاً انزعاج الكثيرين من ظاهرة التكبير حتى من بعض من يصفون أنفسهم كعلمانيين أو شيوعيين أو ليبراليين. وقد أظهر هؤلاء الأخيرين في سلوكهم في كثير من الأحيان وتجاه العلمانيين أو الشيوعيين أو الليبراليين السنة نقص حساسية واضح تجاه ما يحترمه هؤلاء أو ما يعتبرونه بديهياً من رموز أو إشارات أو تعبيرات أو تلميحات مختلفة لها علاقة بالإسلام أو بالتدين الشخصي أو بما يسمى بالإسلام الشعبي عموماً.
ولكن الأكثر إدهاشاً كان بعض العلويين من المثقفين الذين يصفون أنفسهم بالعلمانيين أو الليبراليين أو الشيوعيين ممن وقفوا ضد الثورة أو ظلوا منتقدين لها منذ اليوم الأول حتى الآن بحق وبدون حق ولكن بفشل واضح في التعاطف على الأقل مع الثورة وشهدائها ولا أقول الانخراط فيها.
يوجد في السايكولوجي (علم السلوك) تعريف لأنواع الذكاءات البشرية ومنها ما يسمى الذكاء الثقافي وهو يدل على قدرة ومهارة الإنسان الاجتماعية على التعامل مع الآخرين من مختلف الثقافات. وفي سورية الطوائف والقوميات المتعددة هي في النهاية ثقافات مختلفة، فعندما تذهب في سورية الصغيرة من حماه إلى السلمية إلى وادي النصارى أو إلى عامودا أو إلى السويداء أو إلى الريف الساحلي… فكأنك تسافر إلى بلد أجنبي حيث تواجه جماعات بشرية مختلفة العادات والتقاليد والسلوك بشكل عام. الذكاء الثقافي هو مهارة مكتسبة لا يمكن تحصيلها من الكتب فقط بل لابد من تعايش يومي ولمدة طويلة كافية مع الجماعات المختلفة مع رغبة بالتعرف وفضول إنساني حتى تُكتسب هذه المهارة.
النظام السوري خلال خمسين سنة لم يبن مجتمعاً مدنياً بل حافظ على المجتمعات الأهلية المختلفة كما هي، ولا يكفي هنا ببساطة أن يجتمع الناس المختلفون في ثقافاتهم في وطنهم نفسه في فترات معينة من حياتهم مثل الدراسة الجامعية والخدمة الإلزامية ومكان العمل أو في تجاورهم في المدن الكبرى وبعض البلدات والقرى حتى ينشأ مجتمع مدني ناضج، فهذه عملية معقدة للدولة دور أساسي فيها كما للمنظمات الوسيطة بين الدولة والمجتمع مثل النقابات والاتحادات والهيئات والجمعيات المختلفة والأحزاب السياسية في ظل نظام ديمقراطي ومدني طبعاً.
ألعاب المخابرات السورية الخطرة: الدعاية النفسية الموجهة إلى العلويين
العلويون غير الشيعة (العلويون والشيعة يكفرون بعضهم البعض) على عكس ما يظن الكثيرون وأرجو هنا نسيان كل ما له علاقة بالخيال الشعبي الشيعي والمزاج النفسي الشيعي، فللعلويين شأن آخر مختلف تماماً.
بداية التظاهرات في المدن الساحلية:
لنتذكر أن المدن الساحلية تظاهرت مباشرة بعد درعا وفيها رفع لأول مرة شعار إسقاط النظام قبل أن يرفع في درعا وغيرها فكيف تصرفت المخابرات هنا؟
حجم الألعاب الأمنية التي مورست في المدن الساحلية هو الأكبر منذ تلك الأيام ومازال، ففي اللاذقية وجبلة مثلاً سرعان ما سرت الإشاعات الغريبة عن وجود سيارات غريبة فيها أناس من جنسيات مختلفة تطلق النار على الناس اعتباطاً (خاصة في القرى الساحلية) مع قنص اعتباطي على المارة من الأسطحة في اللاذقية والعجيب أنه لم تتكرر قصة السيارات السياحية هذه في مناطق أخرى (كيف تأكد الناس من الرواية المتداولة؟)؛
وخلال أيام دب الرعب حتى في قرى العلويين في أعلى جبال العلويين وأصبح السكان يقفلون منازلهم الريفية بالمفتاح وهو أمر مضحك للمراقب الخارجي في منطقة ليس فيها غرباء أبداً وكل ضيعة محاطة بعشرات الضيع المشابهة لها فمن أين سيأتي الخطر المتوهم؟ وفي مدينة اللاذقية أمّ شيخ علوي في مسجد للسنة وشيخ سني في مسجد للعلويين لدرء الفتنة! وهل سمعنا في كل التاريخ أن فتنة طائفية تحصل ويجري وأدها خلال أيام؟!
كان واضحاً أن النظام يريد نشر هذا الجو النفسي وإدخال الناس في هذه المزاج، وسرعان ما نزل الجيش “أسرع مكان نزل فيه الجيش خلال الثورة” وأقيمت الحواجز وظهرت كوميديا اللجان الشعبية، في أحد الشوارع القصيرة في مدينة اللاذقية كان هناك ثلاثة حواجز للجان الشعبية بمسافة 2 كم فقط وكانت الدوريات الأمنية تشحن الشباب كل ساعة بمرورها عليهم وسؤالهم بإلحاح “شفتو سيارة سكودا سودا نمرتها.... مرقت من هون ديرو بالكن؟” وفي كل مرة تتغير مواصفات السيارة المشبوهة بحيث لا يمر وقت تسترخي فيه أعصاب الناس أبدا، أكبر مبالغات استخدمها النظام حصلت في اللاذقية.
ونتذكر كيف تصرف النظام في الرمل الفلسطيني الصغير الفقير فاستخدم حتى القطع البحرية الكبيرة في استعراض نفسي مذهل وبدل من أي يركز بعض إعلام الثورة على توضيح مغزى ذلك أخذ بغباء أو “ربما يظن البعض أنه دهاء” يدلل بهذه المظاهر على حجم القمع والهمجية في منطقة لا تحتاج أصلاً كل تلك القوات وكل تلك النيران التي كان معظمها موجه للسماء! (لابد لسكان اللاذقية من سماع صوت الرصاص والتفجيرات الصغيرة المتفرقة يومياً في كل الأيام وحتى الآن حسب ألاعيب المخابرات).
ضريح حافظ الأسد في القرداحة: ازدادت الحراسة ليل نهار من قبل الحرس الجمهوري منذ اليوم الأول لتظاهرات المدن الساحلية على الضريح وكانت مثار سخرية لاذعة يومية من شبيحة عائلة الأسد أنفسهم: فما هو الخطر العملي على هذا الضريح؟! ونتذكر خبر المناشير التي ظهرت أمام جامع والدة حافظ الأسد وسط القرداحة والداعية للتظاهر وصدور تحذير رسمي من وزارة الداخلية للتنبيه من خطورة التظاهر! وقد تناقلت الخبر الفضائيات بكل براءة “أو دهاء؟”..
المقصود كان وضع العلويين في حالة نفسية أن هجوماً وشيكاً ممكن الحدوث من جهة السنة في الغاب وحتى إدلب!! (والعجيب فيما بعد أن بعض المحرضين الطائفيين من السنة من داخل وخارج سورية يعدون “الأقلية السنية” المحاصرة أمنياً واجتماعياً واقتصادياً في جبلة وبانياس مثلاً بنجدات من هذه المناطق ويدعوهم لعدم الخوف).
طرطوس تعيش على وقع أحداث حمص: كان من الملفت دائماً هنا حرب الإشاعات اليومية التي تقودها المخابرات حول ما يحدث في حمص فعامة العلويين في طرطوس يتابعون أخبار حمص ساعة بساعة ليس كما يتابعها غيرهم عن طريق القنوات الفضائية والإذاعات والإنترنت فقط بل عبر أخبار يومية كل ساعة يتداولها الناس أول بأول ومصدرها الحركة النشيطة المعروفة (قبل الثورة وازدادت بعدها) للناس بين المحافظتين والإشاعات المتداولة، وفي طرطوس يصدقون كل شيء!! من قصة البارجة الشهيرة في بحر بانياس وحتى ظهور سعد الحريري بنفسه متنكراً في بر بانياس إلى حديث وجهاء حي الخالدية الموجه لوزير الداخلية عندما التقى معهم من شهور بعيدة فقالوا له مطالبهم وهي “نريد خروج كل العلويين من كل حمص”!، هذه الأخبار في طرطوس لا تسمعها من العوام فقط بل تسمعها من بعض الأطباء وأساتذة الجامعات أيضاً.
لماذا أمكن للمخابرات استثارة الذعر ببساطة في الأيام الأولى للثورة عند عامة العلويين؟
ينحصر الخيال الشعبي العلوي في تاريخهم وأساطيرهم وسردياتهم حول الاضطهاد الذي عانى منه أجدادهم من قتل وتهجير واغتصاب (للمقارنة فقط الإسماعيليون يعتزون بالدولة الفاطمية التي دامت 200 سنة، والموحدون كانوا يوما ما أسياد جبل لبنان وكان الموارنة مرابعين عندهم..)، وهذا الخيال الشعبي الموروث هو الذي يعتمد عليه النظام في ألاعيبه الأمنية في مناطق الاحتقان الطائفي ولذلك يبدو على السطح أمر متناقض لا يفهم ببساطة: كيف يستطيع من يبدو الآن بوضوح وكأنه يلعب دور يزيد (النظام القمعي) وضحاياه المتظاهرون هم الحسين، كيف يستطيع في نفس الوقت استثارة نفسية الضحية ببساطة في جماعات يريد ولاءها ويخاف من تمردها ويرغب بتحييدها على الأقل؟ (لقد حكم حافظ الأسد دمشق بطريقة معاوية لا بطريقة علي ومع ذلك جرى استثمار التطييف الديني مقلوباً بشكل سياسي في الثمانينات في مخيلة العوام عند العلويين والسنة من قبل النظام نفسه وبعض التيارات الدينية حسب الموروث الشعبي الديني).
لقد أظهرت المشاهد المصورة المسربة أحياناً من النظام نفسه العنف المفرط في بعض الحوادث التي شاهدها الجميع من قبل الشبيحة أو العناصر الأمنية (والتي يريد إعلام النظام وبعض إعلام الثورة أن يجعلها صورة متطابقة مع العلوي دائماً) تجاه المتظاهر أو المعتقل (الذي نفترضه سنياً دائماً، ويريدون منا أن نصدق أنه لم يخرج للتظاهر سوى لأنه سني).
ويتبع >>>>>>: في الثورة السورية كيف وصلنا إلى المجازر الحالية؟3
واقرأ أيضاً:
طفل يُقتل ويُذبح..... كيف ولماذا؟!!!!!!!!؟/ إنهاك سوريا ثم إنهاؤها!/ الدعم النفسي لأهل الشام : تيلي دعم