يعطي فوز الدكتور محمد مرسي دفعة كبيرة في اتجاه تحقيق أهداف ثورة الـ 25من يناير، فضلا عما يحمله هذا الفوز من مؤشرات على استمرار هذه الثورة كما أرادها المصريون، بعدما راهنت أطراف عديدة في الداخل والخارج على تقويضها وفشلها.
لكن سيقول القائلون إنها صارت دولة الإخوان، وسيتحدث المتحدثون كثيرًا عن الهيمنة وصعود الإسلاميين، وسيكتب الكاتبون ـ كما أعتدنا ـ عن الدولة الدينية في مصر ليثيرون الفزع.. لكنها ليست كذلك، على الإطلاق، هي دولة المصريين التي جاءت باختيارهم في أعقاب الانتفاضة الشعبية، ليحكمها واحد منهم كان قد خرج من سجنه في الأيام الأولى من الثورة.
وستثبت الأيام القادمة أن مصر لن تكون كإيران، ولن يحكمها "الملالي"، إذ لم يقل الإسلاميون يوما أنهم يريدونها دولة لـ"رجال الدين"، خاصة وأنهم لا يعرفون مثل هذا المصطلح لا في أدبياتهم ولا في تراثهم الفكري. أيضا مصر لن تكون كالسعودية، فإذا كانت الأولى (إيران) دولة مذهبية متعصبة معادية لكل المذاهب سوى المذهب الشيعي الإثنى عشري، فإن الثانية وهي السعودية دولة ديكتاتورية عائلية تدعي حكم الشريعة.
وستثبت الأيام أن الإسلاميين في مصر لا يريدونها سوى دولة ديمقراطية عصرية حديثة، تأخذ بكل أسباب التقدم، غير معزولة عن العالم من حولها لأنها جزء من هذا الكل، لكنها ـ في الوقت نفسه ـ دولة لا تعادي الدين، بل تحترم عقائد أبنائها، وتتيح لهم كامل الحرية لممارسة شعائرهم.. يخطأ من يظن أن التقدم والمدنية دائمًا مرتبطين بالعلمانية أو في خصام مع الدين، أو أن تدين الأفراد يعوقهم عن التقدم والأخذ بأسباب المدنية.
هي فرصة إذاً أمام الإسلاميين في مصر كي ينفوا ـ بالأفعال لا بالأقوال ـ العديد من الاتهمامات والإشاعات التي تروج ضدهم، خاصة في مسألة شكل الدولة، والتغيير الذي ينشدونه.. هي فرصة أيضا لتوحيد الكلمة، بعدما شهدته الساحة السياسية والشارع المصري من توترات بين أبناء الوطن الواحد، حتى كادت الثورة ـ في ظل خلافاتهم ـ أن تضيع منهم ويضيعوا منها.
وعلى غير ما ذهبت إليه بعض القراءات، لا أرى في فوز الدكتورمحمد مرسي سوى خطوة هامة جدًا، وتاريخية، على طريق نقل السلطة كاملة من العسكر إلى سلطة مدنية منتخبة بإرادة حرة من المصريين، للمرة الأولى في تاريخهم الطويل.. لكنه حتما انتقال لن يكون سهلا، بل سيمر بمراحل من الشد والجذب، تحتاج لكثير من الصبر والحنكة والكياسة والمرونة، وأيضا تحتاج التأكيد على سلمية كل هذه الحلقات.
أشعر بأننا مقدمون على تطبيق حرفي للنموذج التركي فيما يتعلق بالصراع بين القوى المدنية المنتخبة وجنرالات الجيش، وهي معركة تحتاج إلى صبر وحصافة، ولا ينبغي أن تدار بعيدًا عن شرعية القانون والدستور فضلا عما تلزمه من توافق سياسي ودعم شعبي يسهم في هذا التحول الذي طالما حلم به المصريون.