لقد ابتذل مصطلح التنمية البشرية حين جعل مرادفاً لتعلم بعض المهارات الشكلية السلوكية, وابتذل أكثر حين حول إلى تجارة يتكسب منها المدربون ويحولها المتدربون إلى وسائل لكسب المال بدورهم ضمن تيار العولمة والرأسمالية والمادية الذي يجتاح العالم بلا رحمة, ضاربة موجاته كل مقومات الأخلاق والضمير لدى الإنسان في أكبر وأبشع تسونامي عرفه التاريخ.
إن الدلالة الحقيقة للمصطلح هي تنمية الإنسان الفرد من خلال تحولات عميقة داخلية تسمو به روحياً وفكرياً وتدفعه لاحقاً لتعلم واستغلال مثل تلك المهارات الشكلية السطحية في تحقيق تنمية اجتماعية حقيقية وليس مجرد التحول إلى آلة تستغل كل تلك المهارات من أجل المنفعة الفردية الأنانية في شكلها المجرد أو شكلها المتضمن في العمل ضمن مؤسسات لا تؤمن إلا بتحقيق الربح بأقصى قدر على حساب كل أنواع المبادئ والأخلاق, مستغلين تلك المهارات لإقناع الناس وخداعهم بشتى السبل والأشكال صريحها وضمنيها.
ولأن المصطلح قد ابتذل فعلياً فلا مناص من الحديث عن الحاجة إلى مصطلح جديد يؤطَّر من خلاله لعلم جديد يدرس ويشرح كيف يمكن أن نحقق التنمية البشرية بمفهومها الحقيقي.. هذا العلم الذي لن تنحصر مصادره في أبحاث اجتماعية إحصائية ونفسية وبيولوجية بل تمتد أيضاً لتشمل الأسس الأخلاقية والفكرية التي دعت إليها الأديان السماوية وتراكم خبرات الحكماء والمفكرين على مر العصور..
فليس المطلوب أن نحول الإنسان إلى قطعة متكيفة مع هذا العالم الذي نعيش فيه في القرن الحادي والعشرين بكل فساده وانعدام للآدمية فيه.. بل الحقيقة أن المطلوب أن ننتج الإنسان القادر على المشاركة في تغيير هذا العالم الغارق في المادية ليكون مكاناً أفضل يحيا فيه الإنسان كإنسان وليس مجرد آلة تمت برمجتها مسبقاً لتكون جزءاً من منظومة مجنونة تخدم مصالح قلة وتنتهك آدمية كل ما عداها..
إن هذا العلم حقيقة جزء من تخصص علماء الدين بالمفهوم السائد عنهم وجزء من تخصص المفكرين وجزء من المهمة الأصلية لمنظري التنمية البشرية.. وجزء من علم علماء النفس والاجتماع وخبراء الاقتصاد وجهابذة القانون والطب والصناعة وو.. إلخ.
باختصار نحن بحاجة إلى علم السعادة البشرية...
اقرأ أيضاً:
نقطة التوازن / إشهار إفلاس، إدراك الحقيقة