كلما حلّ رمضان الكريم انهال علينا الأطباء الطيبون والشيوخ حسنوا النية بسيل من حسنات الصيام وفوائده الصحية مثل: الرجيم، ونزول ضغط الدم وضبط السكر....الخ، وفى كل رمضان إذا ما سئلت عن ذلك نبهت أن هذه غالبا رشاوى زائفة، لا تليق لتبرير الصيام الذي هو عبادة خالصة لوجه الله، وهو تعالى يجزى به .
ذات رمضان منذ أكثر من عشر سنوات استقبلت الامتناع في رمضان باعتباره بابا موقظا لإبداعٍ ما أسميته "الإبداع بدءًا بالامتناع" (رمضان بين الامتناع والإبداع) حيث لاحظت آنذاك أن الصيام يعلمنا الإقلاع عن نمط ثابت متكرر وبالتالي يكسر ما اعتدناه، ثم هو يفتح فرصة جديدة لتشكيل جديد لمن انتبه فشاء ففعل وغيّر!
ثم أنهيت هذه التعتعة هكذا:
يأتي رمضان ليعرض عليك أن تحاول، في شتى المجالات، ما حسبت أنك لا تستطيعه، بما في ذلك "تغيير النظام"، "هيا قبل أن يعلم حكامنا هذا الاحتمال فيصدروا أمرا بإلغاء رمضان حفاظا على الأمن العام، وضمانا للاستقرار.
ولم أكن أعرف أن ما أشرت إليه في هذه النهاية سوف يحدث بعد أحد عشر عاما، والحمد لله أن حكامنا لم يكونوا يعرفون أن الثورة إبداع جماعي بالضرورة، وإلا لألغوا رمضان فعلا.
في مقال آخر بالغ الحداثة، ("الإيمان هو الحل") امتدت فيه فروضي للإبداع لتشمل حركية الإسلام كله طريقا إلى الإيمان في مواجهة قوى الانقراض المالي الأمريكي العولمي الجديد، أقررت في هذا المقال، أنه إذا ما ثبت –ديمقراطيا!!- أن الشعب المصري يريد هذا الحل الإسلامي، فليكن حلا حقيقيا لصالح البشر كافة، وليس استعمالا لشكل الإسلام لصالح الخاصة وأوهام التفوق في قلاع الجمود، فليكن الإسلام هو الحل ولكن بحق وحقيقي كما أنزله الله سبحانه، ليمكث في الأرض، لأنه ينفع الناس، ودعونا نأمل أن ينجحوا في الاختبار، وليثبت ذلك من واقع الممارسة على أرض الواقع.
المسلم (وأي مؤمن) هو كله لله عمله وماله وفكره وإبداعه وإلا أشرك، وبهذا فهو أمامه فرصة رائعة أن يثرى الحياة الإنسانية ويحافظ على نوعه وهو يساهم في إنقاذ البشرية، ليس بأن يزيد المسلمين واحدا أو واحدة حين يشهر إسلامه مطرب أو مُطلقة أو حتى عالم أو فيلسوف، ولكن بإضافة إبداعية تستلهم سبر غور الطبيعة البشرية كما خلقها الله". ثم الإسهام في رسم طريقها الأكمل نحو وجهه تعالى، هذا هو الامتحان الحقيقي لمن يعلن أنه يعرف ما أنزل الله تعالى تحت مسمى الإسلام، ويتصور أنه قادر على تفعيله في الواقع
العالم كله بما آل إليه الآن هو في أمس الحاجة لمنظومة قيم مختلفة، تبنى حضارة مختلفة وليست نقيضة ولا منفصلة، حضارة مختلفة عن التي تروجها أمريكا وحتى عن تلك التي تروجها الصين، فهما وجهان لحضارة كمية مغتربة متوحشة.
مادام الأمر كذلك وبدلا من أن نمارس كل هذه المقاومة والخوف من الحل الإسلامي المطروح، دعونا –إذا ما تولوْا الأمر- نساعدهم على كشف وعود الإسلام إبداعا نحو الإيمان دعونا نفترض حسن النية ونبادر بالمساعدة والتنوير ليستخرجوا فعلا من الإسلام ومن المسلمين (وغير المسلمين) المخلصين أفضل ما في الإنسان لصالح البشرية جمعاء، لا لصالح التميّز والتبشير والمباهاة.
لنفترض أن الإسلاميين حققوا نصرا ديمقراطيا فعلا، إذن علينا أن نحترم الواقع، ونقر بشجاعة أن هذا الشعب المصري العظيم يفضل أن يعطى الفرصة لمن يقول أنه يستطيع أن يجعل الإسلام حلا، وعليه –ونحن معه حتى لو اختلفنا- أن نثبت للعالم أن ما أنزله الله علينا كمسلمين هو للناس كافة سواء أسلموا عقيدة أو لم يسلموا.
علينا إذا ما ولى الإسلاميون السلطة عندنا، أن نسهم في الكشف لهم عن حقيقة اللعبة الجارية عبر العالم، وبالتالي عليهم أن ينقذوا الإسلام الذي أنزله الله من الإسلام الذي أصبح أداة لغير ما أنزل الله، بل أحيانا كثيرة، أداة لعكس ما أنزل الله، إذا ما أسهم في اللعبة القذرة الجارية دون وعى.
ليكن "الإسلام هو الحل"، ولكن كبداية نحو الإيمان، ليكن الإسلام هو الحل ولكن كبرنامج فاعل عملي يتحدى الشياطين الجدد عبر العالم ويعمل لخير كافة البشر، للدنيا كلها، وليس للمسلمين فقط كما علمنا القرآن الكريم، ليكن الإسلام هو الحل بأن يساهم في أن يدفع الله الناس بعضهم ببعض حتى لا تفسد الأرض.
لن ينطلق المسلمون إلى إسلامهم الحقيقي فإيمانهم إلا من خلال شجاعة مثل شجاعة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح وهو يصرح في جريدة الشروق بتاريخ 19 يوليو 2001 في حديث له قائلا: ".... لا أتصور أن الإسلام يصادر على الإنسان في اختيار عقيدته، فأن يقول الله "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، ثم يأتي بعد ذلك من يقول إن أي مسلم يترك عقيدته يطبق عليه حد الردة، فهذا خلل."
ثم يقول د. أبو الفتوح:
"....كذلك يجب التأكيد على حرية التعبير والإبداع، لأنه لا وجود لمجتمع مبدع في ظل غياب الحريات"،
الإسلام –مثل أي دين لم يتشوه- هو أرقى عملية يتميز بها الكائن البشرى كتطور فهو "وليس مجرد عقيدة".
هل لاحظ مسلم طيب وتأمل – دون الرجوع إلى تفسير- أن الله سبحانه يدعو المؤمنين إلى أن يؤمنوا (من جديد) "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ...)، (136)
هل تأمل أحدنا الفرق بين "لمْ" و"لمّا" في الآية الكريمة: "قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ.." وصلتني "لمّا" في حركية نشطة تفتح الباب للإيمان باستمرار وبلا توقف وحين قارنت بينها وبين "لم" عرفت الفرق بين الحركة والسكون
إذا كان العلمانيون أزاحوا الدين ورجال الدين، والحكام باسم الدين عن الحكم في صفقة واحدة، فأخشى ما أخشاه هو أن يختزل هؤلاء الحكام الجدد الإسلام إلى الشريعة دون سائر عطائه المتجدد الثوري الإبداعي الفائق، ليثبت في النهاية أنهم الوجه الآخر لنفس القيم التي أرسل الله النبيين ليقضوا عليها، إن حدث ذلك فسوف يذهبون جفاء، ولا يمكث إلا ما ينفع الناس وليس ينفع المسلمين فقط.
والحمد لله رب العالمين.
رمضان كريم ومبدع.
اقرأ أيضا:
رمضان بين الامتناع والإبداع / الإيمان هو الحل: ضد قوى الانقراض / متى نملأ الوقت بما هو أحق بالوقت؟