ونحن نتعامل مع القرآن ينبغي أن نتنبه إلى المحتوى الموضوعي السنني الذي تتضمنه الآية القرآنية فلا نتوقف عند المعنى الحرفي للألفاظ بل نتجاوزه ونحاول أن نفهم السنن النفسية والاجتماعية التي تتحدث عنها الآية لأن إدراك المحتوى الموضوعي السنني هو الذي يحقق عالمية القرآن وشموليته وخلوده وتعاليه عن الظرفية والمحدودية..
حين نفسر الآيات تفسيراً قائماً على خصوص السبب ولا نرى في الآية أبعد من موضوعها المباشر فإننا نعطل فاعلية القرآن النفسية والاجتماعية والحضارية ونظهر مواضيعه وكأنها مواضيع تراثية لا ترتبط بوثاق قوي بقضايانا المعاصرة فيكون القرآن مهجوراً في حياتنا ويصبح أقرب إلى التحفة التاريخية منه إلى منهج إصلاحي لواقعنا..
خذ مثالاً واحداً لتعرف ما الذي أقصده..حين تسأل أي مفسر للقرآن عن قول الله تعالى في سورة الأنفال "وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاءً وتصديةً" يسارع إلى القول إن المعنى هو أن صلاة المشركين زمن النبي كانت صفيراً وتصفيقاً..
حسناً هذا معنى صحيح ولكنه المعنى المباشر البارد منزوعاً من أي بعد نفسي أو اجتماعي أو حضاري..
ما الأهمية المعاصرة لهذه القضية حتى يخلدها القرآن عبر كل الأزمان..ما الذي سيفيدنا في عصرنا أن نعرف هذه المعلومة..هل بمجرد وقوع حدث ما زمن النبي يعطيه الأحقية لتخليده في القرآن دون أن يكون في هذا الحدث معنى عام يتجاوز ظرفية ذلك الزمان والمكان؟؟..
ما دام القرآن كتاب الله الخالد فإن مقتضى ذلك أن تكون مواضيعه خالدةً تهم الإنسان في كل زمان ومكان..هنا تأتي ضرورة تجاوز الموضوع المباشر للآيات والبحث في القوانين النفسية والاجتماعية الخالدة التي أبرزت هذا السلوك من قبل المشركين زمن النبي وهي قادرة على إبراز سلوكيات مشابهة في كل زمان ومكان..
المكاء والتصدية هو تعبير عن حالة نفسية يحيي فيها الإنسان الطقوس الاحتفالية بينما يميت الروح..جوهر الصلاة هو الخشوع واتصال الروح بخالقها لكن صلاة المشركين في كل زمان هي مكاء وتصدية لأنها مظهر احتفالي خال من المعنى وهكذا نأخذ فائدةً سننيةً عامةً-تخضع لسنة أي لقانون-من هذه الآية التي تتناول في ظاهرها مناسبةً خاصةً فكل ابتعاد عن الروح وإحياء للطقوس هو شبيه بحالة مشركي قريش في مكائهم وتصديتهم..
وبذلك نفهم أن هذه الآية وغيرها تتناول زماننا وظروفنا وليست مجرد حديث عن زمان وظروف النبي.
وما ينطبق على هذه الآية مجرد مثال واحد تستطيع أن تتعامل به مع سائر آيات القرآن.ففي كل آية حتى وإن كانت تتناول مناسبةً خاصةً تستطيع أن تعثر في ثناياها على محتوى سنني موضوعي يتجاوز الموضوع المباشر لها وبذلك فقط نعيد للقرآن فاعليته في حياتنا وحيويته وحرارته ونقربه للناس ونحببهم فيه لأنهم حين يقرءونه سيجدون فيه ملامسةً لأحوالهم ..
والله أعلم..
واقرأ أيضاً:
معنى الاستغفار / كيف نفهم آيات القتال في عصر الحلول السياسية؟؟