الجزء الأول
لا أدري لماذا نرفض الاعتراف بأننا مفلسون فكرياً منذ نحو قرنين من الزمن، وأننا تخلفنا فكرياً ومر علينا عصري الثورة الصناعية وثورة الاتصالات وما نزال مفلسون. إننا بدل اعترافنا بالإفلاس الذي هو الخطوة الأولى لبداية دورة جديدة ونهضة فكرية جديدة, اكتفينا بالاستدانة الفكرية والثقافية، فتارة استلفنا من الشرق واشتراكيته، وأخرى استدنا فكر الغرب ورأس ماليته، ومع كل ما حملته هذه القروض الفكرية من فوائد ربوية تحملنا تكلفتها أيضاً بذواب هويتنا والانحلال الأخلاقي والقيمي الذي آلت إليه حالنا، والذوبان في المادة وانعدام الروح، مع ذلك ما زلنا لم نتعلم الدرس, وها نحن نكرر الخطأ مرة أخرى، فتيار يجدد محاولة استلاف ليبرالية الشرق والغرب وآخر يدعو لإعادة تسويق الأصول التي لدينا منذ نحو 1000 عام من الزمان كما هي، وكلاهما يظن بضاعته رابحة، والأسخف أن نجد من يكررون دعوات الاستلاف من ماضي منذ ألوف السنين وحضارة اندثرت ولم يبق منها إلا الأحجار والتماثيل.
لماذا لا نعترف ببساطة أن مخزوننا الفكري قد نفد، هذا المخزون الذي قامت عليه الحضارة التي قادت العام لما يزيد عن 700 عام, ومنها نستمد هويتنا، هذا المخزون قد نفد رصيده وآن الأوان لإعادة الشحن. آن الأوان لأن تنطلق عجلة البناء الفكري لكي تعيد الحياة للأصول التي لدينا لتنتج لنا فكراً جديداً نقيم عليه أسس حضارة جديدة، أعذروني حين أقول أن الاشتراكيين مفلسون وهم يدعون أساساً لفكر أفل وذهب ولم يثبت نجاحاً، والعلمانيون وأيضاً الليبراليون الأقل علمانية مفلسون لذا لم يجدوا إلا الاستدانة من فائض حضارة الغرب فنقلوا لنا تشوهاتها على مر السنين دون أن يقدموا فعلاً مشروعاً ناجحاً لإعادة بناء الأمة، بل أنهم حين يستشعرون الإفلاس الروحي الذي تعيشه حضارة العم سام -كما درج الأمريكيون على الوصف-، تراهم يكتبون لنا شيكات بلا رصيد من بيت مال الحضارة الفرعونية الذي لم يبقى منها إلا الرمال والحجارة.
أما الإسلاميون على الساحة فما بين مدبرين عن الفكر تصوفاً أو مستعيري مظاهر حضارة كانت من ألف عام خلت يفعلون ذلك ما بين التسلف والتشيع وكلاهما أيضاً مفلس، ربما كانت الفئة الوحيدة التي بذلت بعض جهد في تطوير نوع من الفكر هي جماعة الإخوان المسلمين ولكنها أيضاً على وشك الإفلاس، فقد طورت مع الوقت فكراً ينصب أغلبه على السياسة، ومعاناتهم للاضطهاد سنوات طويلة جعل هذا الفكر مشوشاً ما بين استدانة براجماتية لآليات غربية واستدانة أخلاقية من الماضي دون أن تقدم فكراً حقيقياً كاملاً يكفي لأن يكون أساساً لكيان جديد يمكن أن تقف عليه هذه الأمة وتنهض من جديد. قد يكونون الأقدر على الساحة الآن حيث لديهم مخزون يكفيهم لإدارة شؤون الدولة لبضع سنوات وإعادة بعض التوازن المفقود،. ولكن مخزونهم ضئيل جداً مقارنة بما هو مطلوب وتحتاجه الأمة كي تنهض من جديد لتقود العالم إلى الحرية الحقيقة والرخاء والرقي الإنساني من جديد، وبعد سنوات قليلة سيفاجئون بتراكمات هذا السحب من الرصيد القليل المتوفر لديهم، هذا السحب الذي سيقودهم للإفلاس والذي لا يبدو حتى هذه اللحظة أنهم يدركون أنهم مقبلون عليه.
ويتبع >>>>>: إشهار إفلاس، معادلات بلا حلول
اقرأ أيضاً:
علم جديد / التطبيع مع الفساد