يحكى أن دبلوماسيا أمريكيا سئل ذات يوم عن كيف يمكن لدولة متحضرة كالولايات المتحدة أن تقوم بكل هذه الانتهاكات للقانون والأعراف الدولية، فما كان من الدبلوماسي المخضرم إلا أن قال: أنه عندما تقوم أي دولة بتجاوزات مثيلة فإن هذا يعد انتهاكا للقانون الدولي، أما لو فعلت الولايات المتحدة ذلك فإن ذلك يعد سابقة قانونية!..
وهكذا، وبكل بساطة –أو لنقل بكل فجاجة– برر الدبلوماسي المكير لدولته أن تتجاوز ما تشاء من قوانين وأعراف دولية، بل وجعل من تجاوزاتها تلك سوابق قانونية يمكن أن يقاس عليها، ولمَ لا أليس هذا هو قانون الغاب في كل زمان ومكان، قانون الكيل بمكيالين!
تذكرت هذه القصة وأنا أتابع ما يثار عن المفاوضات حول اتفاقية القرض الذي تسعى الحكومة والرئيس محمد مرسي لعقدها مع صندوق النقد الدولي لتحصل مصر بمقتضاها على 4.8 مليار دولار بفائدة مخفضة، فبالرغم من أن فكرة القرض تلك قد طرحتها حكومة الجنزوري من قبل -وإن كانت قيمته وقتها لا تتجاوز 3.2 مليار دولار- وساعتها أعلن العديد من أعضاء حزب "الحرية والعدالة" وأصوات إسلامية أخرى أنهم لا يوافقون على تلك القروض "الربوية"، إلا أننا اليوم -وبعد ظهور د. محمد مرسي ورئيس وزرائه هشام قنديل- أصبحنا نرى القنوات الإعلامية الإسلامية تتسابق لتبرير هذا القرض المنتظر؛
تارة بأن تذكرنا بأنه لن يتم الحصول عليه من بنك بل من "صندوق النقد" الذي تساهم فيه مصر بالفعل بـ 1.6 مليار دولار (يعني "العملية في بيتها"!)، وتارة أخرى بأن تعلمنا بأن تكلفة الاقتراض الداخلي تبلغ 16 % بينما تبلغ تكلفة هذا القرض ما يقرب من1% فقط (لا أعرف لماذا أتذكر هنا الحديث النبوي الشريف: "ما أسكر كثيره فقليله حرام")، ومرات أخرى نسمع تبريرات على شاكلة أن هذا القرض الهدف الأساسي منه هو الحصول على شهادة من الصندوق بالجدارة الائتمانية لمصر (وكأن هذه الشهادة بعد الحصول عليها ستجعل المؤسسات والبنوك الدولية تقرضنا بدون فائدة!)، بل وبدأنا نسمع أيضا في بعض تلك القنوات الإسلامية من يقول أن هناك اختلافات فكرية داخل المدرسة الإسلامية حول تحريم الفوائد! (..يا واد يا مؤمن!)
وسؤالي الآن لن يكون هو: أين كانت كل تلك المبررات وقت أن اقترحت حكومة الجنزوري الحصول على هذا القرض! لكن السؤال الأهم هو هل ترون بالفعل أن تلك الحجج تكفي وحدها لتبرير اتخاذكم لهذا القرار الذي سيكون سابقة يقاس عليها في أسلوب التعامل مع مثل هذه الأمور، أم أنكم محتاجون لأن تدعموا هذه المببرات من خلال الارتكان لمبدأ "الضرورات تبيح المحظورات"، أو على مقولة ابن القيم "حيثما وجدت المصلحة فثمة شرع الله"، وهي مبادئ لا يمكننا رفضها بالطبع، بل إننا نراها عين الحكمة، لكننا نتساءل: هل الارتكان لهذه المبادئ هو حكر على الإخوان والإسلاميين فقط، أم أن من حق كل من تولى المسئولية أن يلجأ لهذه المبادئ الفقهية الأصيلة كلما رأى أن هناك ضرورات تحتم ذلك؟ فهل ترون أنه يجوز مثلا تطبيق نفس المبدأ على مجال السياحة فنقول أن ضرورة الإبقاء على أرزاق الملايين من العاملين بهذا المجال تجعلنا نطبق ما قاله الغنوشي بوضوح في تونس بأنه لا حظر للخمور والبكيني؟
لكن، في النهاية يبقى التساؤل الأهم هو: هل نحن بالفعل بحاجة لبذل كل هذا الجهد الفكري لمحاولة "شرعنة" مثل تلك القروض أم أنه كان من الأولى أن ينصرف جهدنا للبحث عن إجابات عن تساؤلات أهم، مثل: ما مدى الجدوى الحقيقية لمثل هذه القروض؟ وهل من المطلوب بالفعل أن نسيرعلى نفس خطى النظام السابق الذي أغرق البلاد في الاقتراض الخارجي والداخلي، أم أن هناك سبلا أخرى أكثر رشدا -حتى وإن كانت أصعب وأبطأ أثرا- لحل أزماتنا المالية الحالية دون تحميل عبئها على الأجيال القادمة؟..
أجيبوا يرحمكم الله
واقرأ أيضاً:
مؤتمر الكفار المسلمون/ خانة التاريخ الديني/ شوية غازات