لست من معارضيك بل من مؤيديك ومحبيك وممن صوتوا لك في الانتخابات ودعوت كل من أعرف للتصويت لك على الرغم من معارضتي لترشحك بناءا على اعتبارات أخلاقية حيث كنت أفضل الوفاء الإخواني بعدم ترشيح رئيس، فجماعة الإخوان كما عايشتها جماعة دعوية تربوية تنتصر بالقيم أكثر مما تنتصر بالكراسي والمناصب حتى ولو كان منصب رئيس الجمهورية، وما زلت مقتنعا بأن الجماعة لو لم ترشح رئيسا لكسبت شعبا. ومع هذا أحتشد خلفك الآن بعد أن أصبحت أول رئيس جمهورية منتخب انتخابا حقيقيا بإرادة الشعب، وسعدت بقرارك الجرئ بإقالة المشير والفريق وإعادة هيكلة المجلس العسكري وإعادة جيشنا العظيم إلى دوره الأساسي (وقلت في نفسي لو لم يفعل الدكتور مرسي في رئاسته غير هذا لكفاه)، وحزنت أنك لم تقم حتى الآن بإعادة هيكلة (بل تطهير) وزارة الداخلية، وحزنت للهجوم الشرس والمتجني عليك من الصحف المعارضة وأنت بعد في بداية الطريق، ودافعت عنك في المواضع التي كان الدفاع فيها واجبا، وانتقدتك بموضوعية ومسئولية حين استوجب الأمر انتقادك، ودعوت لك في صلاتي بالتوفيق وما زلت.
أما ما حدث في احتفالات نصر اكتوبر في استاد القاهرة فيحتاج لوقفة ونصيحة، فقد فوجئت بدخولك أرض الاستاد في سيارة نصف مكشوفة، وأنت توزع تحياتك على الجماهير يمينا ويسارا وأعلى وأسفل، وكانت ترتسم على وجهك ابتسامة عريضة لم نعهدها على وجهك من قبل، وعلى الرغم من أنني كنت أردد بأننا كمصريين لم نر ابتسامة على وجهك منذ ترشحك للرئاسة وكنت أرجوك أن تبتسم لتمسح علامات الحزن والمرارة والقهر والغضب من ملامح وجهك إلا أنني لم أتوقع أن تكون الابتسامة بهذه المساحة التي فاقت أرض مصر؛
ولم تكن الابتسامة فقط بل كانت حالة النشوة والفرح المبالغ فيه، تلك الحالة التي جعلتك تمشي على الأرض مرحا وتقفز فوق المنصة كشاب في الثلاثين (ما شاء الله) لتعتليها وتبدأ خطابك الحماسي لتعلن نجاحك في تنفيذ خطة المائة يوم بنسب كانت المبالغة فيها واضحة للعيان، فنحن نعيش في هذا البلد ونرى ونعاني من أزمة المرور الخانقة وأزمة القمامة وأزمة السولار وأزمة مياه الشرب وأزمة الفقر وأزمة الصحة وأزمة التعليم، وأزمة.... وأزمة...... وأزمة....... ونحن لا ننكر أن ثمة تحسنا طرأ في موضوع البنزين وفي حالة الأمن، ولا نتوقع أن تحل المشكلات المزمنة في مائة يوم، ولكننا نستغرب تلك الفرحة العارمة التي ظهرت في قسمات وجهك وفي حركات ذراعيك وفي خطواتك وحركاتك السريعة؛
نستغرب تلك الحالة من نشوة الانتصار التي انتابتك، نستغرب هذا الموكب الذي يعيدنا إلى زعامات الستينات أمثال عبد الناصر ونهرو وديجول. لقد رأيناك تتقمص عبد الناصر وأحمدي نجاد وباراك أوباما، وكنا نتمنى أن تتقمص مهاتير محمد ورجب طيب أردوغان، أو على الأقل تظل بسيطا طيبا متواضعا كما عهدناك. لقد شعرنا أنك تحتفل بانتصارك الشخصي على منافسيك بجانب احتفالك بالذكرى الوطنية، وساورنا الخوف لأن بداية الدكتاتورية تضخم الذات وتوحدها مع الوطن، ونحن لا نريد ولا نحتمل دكتاتورا مرة أخرى.
لقد أخطأ مستشاروك حين جهزوا وأخرجوا هذه الزفة في غير وقتها وسياقها، فما زال أمامنا وأمامك طريق طويل يحتاج أن نرويه بعرقنا ونزرعه بسواعدنا. كنا نتمنى أن تصارحنا بما تم إنجازه وما لم يتم، وتصارحنا بأسباب عجزنا وعجزك عن إتمام ما وعدت به، وتطلب منا مزيدا من المشاركة والجهد، وكنا سنفعل ذلك راضين. ولقد كنت في زيارة لماليزيا منذ عدة أيام وكنت أتوقع أن أرى صور مهاتير محمد تملأ شوارعها ولكنني لم أعثر على صورة للرجل الذي بنى ماليزيا الحديثة ورفعها لمصاف الدول المتقدمة وجعلها –كما رأيتها بعيني– تنافس دول أوروبا نظافة وجمالا وتقدما ورخاءا. وأيضا أزور تركيا فلا أجد احتفاءا أو تمجيدا لرجب طيب أردوجان الذي وضع تركيا على طريق التقدم والرقي والازدهار.
السيد الرئيس لم يحن بعد وقت الاحتفالات الصاخبة، ولم يعد الأمر يحتمل زعامات مبهرة، فأنت رئيس منتخب ديموقراطيا وافق عليك أكثر من نصف الشعب بقليل والنصف الآخر ما زال في أزمة اختيار ومحنة قبول، وأمامك جهاز إعلامي شرس ينهش فيك بلا رحمة ليل نهار بحق وبغير حق، ولديك نصف الشعب يعيش تحت خط الفقر، وثلث الشعب يعيش تحت خط الإبادة، وثمة فلول ما زالوا متربصين، وتيارات سياسية وثقافية لم تزل وستظل تعاديك مهما حاولت استرضاءها.... كل هذا يجعلنا نقصد في مشينا ونخفض من صوتنا، ونتأسى برسولنا الكريم حين دخل مكة فاتحا فكان مطأطئا رأسه تواضعا حتى كادت لحيته تلمس ظهر البعير.
واقرأ أيضاً:
نصيحتي للإخوان/ قراءة في أول خطاب رئاسي للدكتور مرسي/ التقاعس الأمني جريمة وخيانة للوطن/ مراحيض الفضاء الإلكتروني