منذ أيام، صليت صلاة جنازة على متوفاه، رحمها الله تعالى وأموات المسلمين، وعادة عندما أرى جنازة، أحب أن أنظر إلى الصندوق لأعتبر، فأقول سبحان الحى الذي لا يموت. فرأيتها، وما أصعب هذا المنظر، فأخذت أفكر.... لقد تركت الدنيا, وما فيها وذهبت إلى أول منازل الآخرة بالكفن فقط. وسبحان الذي يرينا آياته، فقد يكون الموت سببا في إحياء قلب غافل... فسبحان الذي يميت ليحي.
ثم ذهبنا إلى القبور... سبحان الله كل شيء ساكن، والصمت هو الغالب، فابتعدت عن الناس قليلا لأتأمل وأعتبر، فنظرت إلى قبر ما، وأخذت أفكر متألمة...، وقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "والله ما رأيت منظرا قط إلا والقبر أفظع منه" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه أحمد والترمذي وحسنه الشيخ الألباني.
وقول عثمان -رضي الله عنه- أنه كان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته، فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي، وتبكي من هذا؟! فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن القبر أول منزل من منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فسألت نفسي: كيف حال من تحته؟ هل شقي أم سعيد؟ وهل يتمنى أن يبلغ أهل الدنيا فيقول يا ليت قومي يعلمون؟
فتذكرت بعدها الحلم الشهير الذي يحلم به أغلب الناس أثناء نومهم، وهو أن تتفاجأ في الحلم بميعاد امتحان لم تكن مستعدا له!
فأخذت أفكر وأسأل نفسي: هل هذا الحلم الشهير قد يكون حال بعض الموتى عند مفاجأة الموت لهم وانتقالهم من الدنيا؟
فقد قال تعالى: "حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ" صدق الله العظيم (المؤمنون:99-100).
وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا!
فكم من ميت يتمنى عند الموت أن يرجع إلى الدنيا لعله يسعى للآخرة بسعي مختلف؟
ثم وجدتني وأنا أفكر أنسب أفكاري للناس وكأن الموت لهم، أما أنا فما زال أمامي بعض الوقت!
فهل أعمل لآخرتي كأنني سأموت بعد لحظة؟
أظننا نغلب سعي الدنيا، بل وأحيانا كثيرة تطغى على أعمال الآخرة.
فلو كنا نستعد لامتحان بالدراسة أو ترقية بالعمل لبذلنا أقصى وسعنا، وكثيرا ما نتنافس لنكون الأفضل، بل ويحزننا الإخفاق. ولكن يختلف حالنا في أمور الآخرة، فمن منا يقول لن يسبقني إلى الله أحدا؟
بل ويصبح المآل أننا نخفف كثيرا حتى نقع في التفريط، لأننا وببساطة ما زلنا في الدنيا ونشعر بأنه مازال أمامنا بعض الوقت، فالموت عندنا "أهل الدنيا" مستقبل بعيد.
فهل نغلب رحمة الله الواسعة؟ أم أننا نقبل على الدنيا لأنها واقع، ونزهد في الآخرة لأنها غيب، فنؤثر الواقع على الغيب؟
أوصي نفسي وإياكم بالاستعداد للقاء الله تعالى... فكم بذلنا من وقت وجهد لأعمال الدنيا... وتكاسلنا عن أعمال الآخرة.
بل وحينما نكون مفرطين... كثيرا ما نلتمس لأنفسنا الأعذار لنطمئن ونرتاح. فالدنيا قصيرة، وليس هناك وقت للتشاحن، أو التباغض، أو الحقد، أو عدم القدرة على العفو والتسامح.
فلنستعد جميعا للقاء الله تعالى، فلا نعلم متى سينتهي الأجل.
فاللهم اجعل حالنا عند الموت: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} صدق الله العظيم، فصلت30
واقرأ أيضاً:
في ذكرى الهجرة: هجرة التكتيف واللطم النفسي / عيب / المرأة رؤية واقعية بعيدا عن النصوص النظرية