السلوك البشري يبدو من صناعة وإنتاج الظروف التي يكون فيها، وكأن قاعدة الأواني المستطرقة تنطبق عليه، وبديهية الإناء ينضح بما فيه تتوافق مع هذه الرؤية. فالإناء هو المحيط الذي يكون فيه البشر وهو الذي يرسم معالم السلوك الذي يتحقق في داخله، ولهذا فأن ما في الأوطان يبدو في تفاعلاتها مع الحياة، لأن حالة الوطن بعواملها المتنوعة وتفاعلاتها القائمة ترسم ملامح سلوك المواطن.
وتلعب النظم السياسية والعقائدية دورها في تحديد خارطة السلوك البشري... ويبدو أن الإقرار بأن دوافع السلوك البشري داخلية أو جينية بحتة، إنما يشير إلى نوع من التطرف في التفكير، لأن التفاعل ما بين الجينات والمحيط متواصل ومتجدد.
ونرى ما يؤكد ذلك عند المقارنة بين المجتمعات، حيث تبدو السلوكيات المتوافقة مع الظروف المتغيرة، ويتبين للمتأمل الحصيف أن الظروف هي التي تتحكم بالسلوك، فلا يمكن إلصاق سلوك ما بالمجتمع والإقرار ببقائه، لأن الظروف المحيطية غير ثابتة، وإنما متجددة ومتغيرة، ولهذا فأن السلوك يتغير ويتجدد.
والظروف المحيطية تشمل كل شيء من المتغيرات البيئية والسياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها الكثير، فالحروب تغيّر السلوك وكذلك الاقتصاد والأحزاب، وكل نشاط يحصل في المجتمع يتسبب في حالة سلوكية جديدة. فانقطاع فيضان نهري دجلة والفرات، أثّر كثيرا في سلوك الإنسان العراقي، وكذلك بناء السد العالي في مصر أثر في السلوك المصري، فسلوك الشعب المصري في الزمن الملكي غيره في الحكم الجمهوري، وسلوكه في فترة حكم مبارك غيره بعد الثورة وهكذا.
ومن الملاحظ أن الإنسان القادم من مجتمعاتنا التي نضع لها توصيفات جائرة، ونختم عليها بمسمياتنا الظالمة، نجده يتصرف في المجتمعات الأخرى مثلما يتصرف أبناؤها، لأنه أصبح يعيش في ظرف آخر. ولهذا فلكي يتحقق تغيير إيجابي في السلوك، لا بد من تغيرات إيجابية في المحيط، وخصوصا الحالة السياسية والاقتصادية والثقافية.
ولا يمكن للثورات الحاصلة في المجتمعات العربية أن تأتي بمنافع، إذا لم تعمل بجد واجتهاد على تغيير الواقع الاقتصادي والنفسي والفكري والسياسي، وتوفر الظروف الإيجابية لسلوك حضاري معاصر.
1\11\2012
واقرأ أيضاً:
الأزموية / الحُلم الوطني / التعمير النفسي