واهمٌ من يؤمن بالصدفة في عالم السياسة، وأكثر وهماً من يعتقد أن ما يجري هو من قبيل التزامن "البريء" بين موقف وآخر، خاصة في ظل تبادل الأدوار الممارس في الشأن السوري بين الشرق والغرب وتحديداً بين روسيا والصين من جهة وبين الولايات المتحدة وأوربا من جهة أخرى؛ والذي ظهر جلياً في مهزلـة مجلـس الأمن وعجز العالم عن وقف نزيف الدم السـوري في مجلـس الأمن تحت حجـة الـ (فيتو)، وهو ما لم يكن سبباً للعدوان على العراق أو التدخل في البوسنة وكوسوفو!
فجأة لم يعد يشـغل كل هؤلاء إلا السـلاح الكيماوي الذي يسـتعد نظام بشـار لاسـتخدامـه..!! لم يبقَ مسـؤول أو زعيم إلا عبّر عن "قلقـه ومخاوفـه" من اسـتخدام الكيماوي، وهدد آخرون أنهم على أُهبـة الاسـتعداد للتدخل لمنع النظام السـوري من اسـتخدام الكيماوي ضد شـعبـه ـ وكأن اسـتخدام باقي الأسـلحـة الفتّاكـة مسـموح ومقبول..!!؟؟ ـ وبدأ الإعلام يتحدث عن خطط جاهزة ومناورات في الأردن، وقوات أمريكيـة إسـرائيليـة مدربـةة للسـيطرة على الأسـلحـة الكيماويـة خلال دقائق بعد رصد أماكنها، إضافـة لأفلام إثارة على بعض المنابر الإعلاميـة.
وفي تزامن غير بريء وصدفة ليست بصدفة خرجت تصريحات وتقارير لمراكز أبحاث ومواقف جديدة نرصد منها:
ـ أعلن الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) اعتراف الولايات المتحدة بالائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة ممثلاً شرعياً للشعب السوري. ـ 11/12/2012.
ـ أقر المشاركون في اجتماع «أصدقاء سوريا» بمراكش، الذين مثلوا 114 دولة بالاعتراف به كممثلٍ شرعي ووحيد للشعب السوري ـ 13/12/2012.
ـ نقلت صحيفة (ديلي تلغراف) عن تقرير للمخابرات الأمريكية بأنها تُقدر نهاية الرئيس السوري بثمانية إلى عشرة أسابيع فقط بعد النجاحات التي أحرزها الجيش الحر ـ 07/12/2012.
ـ (روبرت فورد)، السفير الأمريكي لدى سوريا: "أيام نظام الأسد في الحكم باتت معدودة، خاصة مع تزايد وتيرة المعارك في محيط العاصمة دمشق" ـ 07/12/2012.
ـ رئيس البرلمان العراقي أسامة النجيفي يتوقع "سقوط نظام الأسد في غضون أسابيع قليلة"، داعياً الثوار السوريين إلى "التعامل بحكمة مع أبناء الطائفة العلوية"، ومضيفاً "المعلومات تُشير إلى أن الأمور ستتغير في سوريا خلال أسابيع" ـ 06/12/2012.
ذكرت صحيفة "كومرسانت" الروسية، أن روسيا تقاوم ضغوط الولايات المتحدة؛ كي تُقنع الأسد بالإستقالة، وقال تقرير الصحيفة إن "روسيا لا تعتزم إقناع الرئيس السوري بترك منصبه طواعية" وأن "موسكو مقتنعة بأن الأسد لن يخرج طواعية"، وتابع التقرير أن وزيرة الخارجية الأمريكية (كلينتون) أبلغت نظيرها الروسي (سيرجي لافروف)، خلال اجتماعهما مؤخراً في دبلن أن حكومة الأسد ستسقط إن عاجلا أم آجلا، وأنه إذا لم تكن هناك حكومة انتقالية فمن المرجح أن تسقط سورية في الفوضى والعنف والاقتتال الطائفي ـ 12/12/2012.
ـ قالت صحيفة (ذي كريستيان ساينس مونيتور) الأمريكية اليوم أن المشهد السوري الآن في ظل حصار المعارضة السورية للعاصمة دمشق، يُشير إلى أن أيام الرئيس السوري بشار الأسد باتت معدودة ـ 10/12/2012.
ـ اعتبر نائب وزير الخارجية الروسي (ميخائيل بوغدانوف) اليوم الخميس أن النظام السوري يفقد سيطرته على البلاد، من دون أن يستبعد احتمال انتصار المعارضة، ونقلت قناة "روسيا اليوم" عن (بوغدانوف)، قوله في كلمة ألقاها أمام الغرفة الاجتماعية الروسية: "يجب النظر إلى الوقائع... النظام والحكومة السوريين يفقدان السيطرة على البلاد أكثر فأكثر." ـ 13/12/2012.
ـ خبراء: سقوط نظام الأسد ليس وشيكاً، تقرير لصحيفة الحياة 16/12/2012.
مقابل ذلك، اتخذت الولايات المتحدة خطوة غير مفهومة ـ في حينها ـ بإدراج أحد التشكيلات السورية على "لائحة الإرهاب" الخاصة بها ـ "جبهة النصرة" ـ لتتبعها الاستخبارات الإسرائيلة بتقرير يتحدث عن قرب سيطرة "جبهة النصرة" ـ هكذا!!! ـ على أسلحة كيماوية، حيث ذكر تقرير استخباراتي إسرائيلي نُشر الأسبوع الماضي أنه "إذا فشل الأسد في منع مقاتلي "القاعدة" من الوصول إلى مخازن السُم والأسلحة الكيمائية في "السفيرة" وبالتالي ينجح تنظيم "القاعدة" ويتسلح بالأسلحة الكيمائية لأول مرة، ساعتئذٍ تضطر الولايات المتحدة للقيام بهجوم جوي ـ ليس على جيش الأسدد بل على مقاتلي المتمردين الذين يُقاتلونه، لانه إذا تمكن مقاتلو "القاعدة" من السيطرة على مخازن الأسلحة الكيمائية، فمن المتوقع أن يُطلقواا الصورايخ ذات الرؤوس الكيمائية ضد مراكز نظام الأسد في دمشق..!! فسقوط "السفيرة" يحول الحرب الأهلية السورية إلى حرب الصواريخ الكيمائية.
وتكتمل الصورة بالتحذيرات التي وجهتها أجهزة بشار الأسد حول احتمال إطلاق أسلحة كيماوية على المناطق السكنية من قِبل "مجموعات إرهابية" لاتهام النظام بها!!
زاوية أخرى لا تقل أهمية، وهي التقارير المتواترة التي تتحدث عن فرار قيادات "علوية" كبيرة مع عائلاتها إلى الساحل، وخبر آخر بالأمس عن فرار أحمد جبريل ـ الذي حوّل فصيله الفلسطيني إلى فصيل "شبيح" ـ من مخيم اليرموك إلى طرطوس، وأنباء سابقة عن فتح فرع للمصرف المركزيي السوري في منطقة الساحل، وتأهيل مطار زراعي في طرطوس ليُصبح مطاراً مدنياً ـ تصريحات نزار إسماعيل موسى محافظ طرطوس فيي 20/09/2012، وغيرها من الاستعدادات القائمة على قدم وساق لتجهيز جيب ساحلي ـ دويلة ـ يُشكل ملاذاً حصيناً لبشار وجماعاته، ومن ثم بداية تطبيق السيناريو المرسوم.
لماذا كل ما سبق!؟
نضع الإجابة في النقاط التالية:
ـ وقف العالم "المتحضر" متفرجاً تاركاً الشعب السوري يواجه آلة القتل والإجرام وحده!
ـ من مصلحة روسيا والولايات المتحدة، ومن أجل عيون (إسرائيل) أن يتم تدمير سوريا كبلد ووطن ومؤسسات!
ـ إطالة أمد الثورة السورية سيُحقق المزيد من الدمار، وإضعاف البلاد لسنوات طويلة!
ـ تبادلت الولايات المتحدة وروسـيا الأدوار لإجهاض أي قرار في الأمم المتحدة، ولتبرير عدم دعم الشـعب السـوري!
ـ التدخل سـيكون فقط في اللحظات الأخيرة لمنع تحقيق انتصار شـعبي على النظام، ولإبقاء الوضع في موضع المراوحـة، تماماً كما حدث في البوسـنـة!
ـ لابد من إيجاد مبررات للتدخل في اللحظات الأخيرة!
ـ لذلك لابد من وجود طرفين "رسميين" متحاربين، وهو الأمر الذي لم يكن حتى تم الاعتراف الأخير بالائتلاف الوطني قبل أيام!
ـ أصبح الآن هناك نظام رسمي هو نظام بشار، وائتلاف يُعتبر ممثلاً شرعياً لكن ليس وحيداً، وبالإمكان التدخل للفصل بين الطرفين!
ـ بعد الضربات والهزائم المتتالية سينكفيء بشار وجماعاته إلى الساحل لتنفيذ مخططهم بإقامة دويلة حصينة، وهو ما سبق وأوضحته تفصيلياً في تقرير مطول تحت عنوان: خيار الأسد الأخير ـ الدولة العلوية.
ـ الخيار بات متداولاً وبشكل كبير، واليوم تتحدث احدى الصحف البريطانية وبوضوح، حيث تُشير صحيفة (صندي تايمز) إلى أنه "لن يعترف بدويلة الجيب العلوي في الساحل السوري لو قامت سوى إيران وكوريا الشمالية وفنزويلا" ـ 16/12/2012.
ـ سيستخدم بشار الأسد السلاح الكيماوي من منطقة الساحل ضد باقي المناطق السورية، بعد أن يضيق عليه الخناق، وربما يتهم "العصابات المسلحة" الموضوعة على "قوائم الإرهاب" بذلك!
وهنا يأتي تنفيذ السيناريو المنتظر والمتفق عليه بين روسيا والولايات المتحدة، والذي هيأوا له الأسباب والمبررات على مدى الأسبوعين الماضيين!
سـيتم التدخل الدولي العسـكري المباشـر في سـوريا، ليـس دفاعاً عن الشـعب السـوري ولكن إجهاضاً لثورتـه، ومنعاً له من تحقيق الانتصار الكامل!
يقول ماجد آل عبد الجبار وباختصار شديد لهذا السيناريو "هجرة علوية إلى الساحل مع استعداد عسكري غربي وتهديد بالتدخل عند استعمال الكيمياوي! استخدام! فتدخل! ففصل بين الطرفين وحماية لدولة علوية".
ما يجري ليس صدفة أو تزامن...؛ لا التصريحات ولا التقارير ولا المواقف ولا الاعترافات ولا إدراج "جبهة النصرة" على "قوائم الإرهاب"، كله يأتي في إطار التمهيد والاستعداد!
هذا ما يُريدونه، وهذا ما يُخططون له....
لكننا على ثقـة من أن الشـعب السـوري البطل الذي سـجل أروع الملاحم في التضحيـة والفداء والإصرار على نيل الحريـة، لن يقبل أبداً بإجهاض ثورتـه، ولا بتدخل عسـكري سـافر يأتي فقط لتنفيذ مخطط حمايـة (إسـرائيل) بعد أن أصبح سـقوط النظام وشـيكاً، حتى لو تطلب الأمر ثورة أخرىى جديدة ضد غُزاة جُدد، تآمروا عليـه وشـاركوا في ذبحـه!!!
لا نامت أعين الجبناء
واقرأ أيضاً: