الثورة طاقة فاعلة ومتجددة في الحياة، ولا يمكنها أن تركن للسكون والتراخي والاعتقال في سجن ما. وعندما نتأمل مسيرة الثورات العربية في القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين، تبرز أمامنا ظاهرة الشك الثوري، فجميع الثورات لبسها الشك وأدى بها إلى الدخول في متاهات الخسران والانهيار والانحراف.
فكل ثورة أصبحت فريسة للشك بدرجة أو بأخرى، وحوّلت قادتها أو القائمين بها إلى وجود متصارع ومتنافس، ومتفاعل بسلبية وإرادة محق وتدمير وإنهاء فائق. فيتحولون من رفاق ومناضلين إلى أعداء ومجرمين بحق بعضهم البعض. ومعظم الثورات العربية قد فقدت قادتها تباعا أو بجرعة واحدة.
ففي كل ثورة يتأسّد فرد واحد ويفترس الآخرين، فيأتي بمناصريه والتابعين لإرادته والذين لا يعرفون إلا قول "نعم". وهذه المأسدة الثورية، قد جعلت الثورات مأزقا ومصدرا للاستنزاف والتدمير الوطني الشامل، مما بدد منجزاتها وقيد سلوكها، ودفعها للانحراف والتفاعل الدفاعي البقائي، وأسرها في كرسي الحكم أو السلطة، وأقام أنظمة مستبدة طاغية ذات إرادات فردية مطلقة.
وبهذا انتهت تلك الثورات إلى حالات انحرافية غير متفقة مع منهجها وتطلعاتها التي جاءت بها. والشك قوة ضاربة ضارية على المستوى الفردي والحزبي، ولهذا وصلت الثورات إلى مرحلة الحزب الواحد أو القائد، وغير ذلك من الإنبعاجات والتصورات الزورية. وتداولت بسبب قوة الشك مفهوم المؤامرة والتآمر، فقتلت من أبناء الشعب عشرات الآلاف تحت هذه التسميات والاختلاقات، والإفتراءات المولودة من رحم الشك المبين. وفي عصر الثورات الجديدة، يبدو أن الشك أخذ يبسط يديه على السلوك السياسي ويمعن في تأكيد دوره وتأثيره. ولهذا أخذنا نرى الميل نحو تأكيد سلطة الحزب الواحد والفرد الواحد، وابتكار المؤامرات والتهم والحالات اللازمة للإقصاء والقضاء على الآخر.
ويُخشى أن تندحر الثورات في دائرة مفرغة من التفاعلات الاتهامية السلبية الإقصائية التدميرية، وتتحول إلى وجود دفاعي همّه الإمساك بكرسي الحكم، فتنسى الثورات حاجات الإنسان وتتنازل عن أهدافها ومبادئها ولا تأتي بجديد، إنما تبقى تدور وتراوح حول الكرسي وبقربه.
وفي هذا تكمن مأساة جديدة، في أحسن ما تعنيه هو الاندثار والانحلال والغياب الأكيد للدور والقيمة والذات والموضوع. فهل من وعي لمعنى الثورة واحتراس من آفة الشك الفتاك؟!
واقرأ ايضًا:
مرسي والكرسي / الحكم بالأزمات / السقوط الثوري / الفوز للكرسي أم للوطن؟