"المجتمعات المتقدمة تصنع الأفراح، والمتأخرة تصنع الأحزان"
فبل بضعة أعوام كتبت مقالا أتساءل فيه عن الفرح في كتاباتنا، التي تبدو حزينة متوترة غاضبة، وتختزن المشاعر السلبية والعواطف الضارة. فواجهتني عاصفة من الردود والتعليقات التي تحسب المقالة بعيدة عن الواقع، الذي لا يمتلك مفردات الفرح وعناصره، وما يُكتب يعكس ذلك الواقع الحزين، مثلما تفعل الأغاني. وفي التعليقات صوت مشترك واحد عنوانه، أننا نعجز عن صناعة الفرح وتحدي الواقع البائس ولا يمكننا تغيره، وعلينا أن نتدحرج في طوابير سكة الأحزان، التي تأخذنا في دائرة مفرغة من المتواليات الهندسية الدامعة.
وخلاصة ما حاولت قوله، أن الفرح صناعة، والحزن صناعة!
وأعود إلى ذات الفكرة بعد أعوام توالت، وأتساءل: هل تستطيع المجتمعات أن نصنع فرحها؟
والجواب: نعم! فالفرح تعبير عن إرادة يتم إمتلاكها والسعي بواسطتها لتحقيق غاياتها المعززة للحياة. وأول لبنات صناعة الفرح وآلياته ومهاراته، هو الكلمة!
أجل... الكلمة الطيبة المتفائلة المتواصلة مع الحاضر والمستقبل الأفضل!
وعندما نتعلم كيفيات استخدام الكلمة الإيجابية المتفائلة، عندها سنمتلك قدرات التفاعل البهيج المفرح مع ما يحيطنا من تحديات، فنبتكر الوسائل والخطط اللازمة لتحقيق أقصى حالات الفرح والسرور الحضاري والاجتماعي.
ذلك أن الدماغ المحشو بمفردات سلبية يجتذب إليه كل ما هو سلبي، والدماغ الغني بالمفردات الإيجابية، يستحضر ما هو إيجابي.
ومن هنا فإن الفرح اختيار اجتماعي والحزن كذلك!
والمجتمعات الحية تمتلك قوة الاختيار، فتشق طريقها في دروب الفرح والسرور الإنساني الخلاق، الذي يرعى طاقات المجتمع ويوظفها في البناء والإبداع والرقاء الحضاري الشامل.
والمجتمعات المنهوكة بالمفردات السلبية، وما تجتذبه إليها من سلوكيات وأفكار ضارة، تعيش مكبلة في دوامة التداعيات والانهيارات الحضارية المتعاظمة، لأنها اختارت أن تكون ضحية، وأمعنت في توفير آليات استلطاف دور الضحية، فتراها حزينة تولول وتئن ولا تقدم للحياة إلا الدموع والبؤس والشقاء.
ولكي تكون المجتمعات، لابد لها أن تختار طريق الفرح، وهو الطريق المفعم بالأنوار الساطعة الدالة على عطاءات متميزة وفرص ثرية بالإبداع الأصيل.
ولايمكن للأحزان أن تنمحي ودموعها أن تتوقف من غير خيار الفرح، والشروع بصياغة مناهجه الصالحة لصناعة الحياة.
فالحزن يقاتل الوجود، ويعني أن الموت يمشي فوق التراب. والفرح يجدد الوجود، ويعني أن الحياة تمشي فوق التراب، وهو الذي يرتقي بها إلى آفاق الأفضل. وهذان خياران فاعلان في مسيرة المجتمعات التي عليها أن تقرر خيارها السعيد أو غيره!
وإنها الكلمة الطيبة، هي التي تصنع الفرح والحياة!
واقرأ أيضاً:
الوطن ينتصر / التعمير النفسي / تفتيق الجراح / يا رسول الله