الثورة السورية بين العنف واللاعنف3
السوريون يلحون على التدخل الخارجي والحماية الدولية كلما أمعن النظام في جرائمه، وهم لطيبتهم لا يعرفون حقيقة الغربيين الذين لا يحرك مقتل الآلاف بل ولا حتى مئات الآلاف منا فيهم ساكناً. ارجعو إلى تاريخ المذابح العرقية في رواندا عام 1994 حيث ذبح خلال ثلاثة أشهر حوالي مليون من النساء والأطفال والرجال العزل من قبائل التوتسي على يد المتطرفين من أبناء قبائل الهوتو، وكان أكثر القتل يتم بالسكاكين والمناجل لأن كلفة الرصاص كانت فوق طاقة القاتلين، ويومها أرسل الفرنسيون والأمريكان ألف جندي ليضمنوا سلامة رعاياهم وليقوموا بإخراجهم خارج رواندا، بينما كان كل يوم يقتل حوالي العشرة آلاف من المستضعفين، وكان بمقدور الدول الغربية إيقاف هذه المذابح وإنقاذ مئات الآلاف من الأرواح البريئة بسهولة ويسر لا يقارنان بما يحتاجونه الآن لإنقاذ السوريين من بطش نظامهم. اكتبوا في أي محرك بحث على الانترنت رواندا بالعربي أو الأجنبي واقرؤوا عن تلك الأيام التي ستبقى وصمة عار إلى الأبد في جبين الدول الغربية.
لن يأتوا لإنقاذنا من نظامنا رحمة بنا أو نخوة وشهامة، فهم فاقدون لكل ذلك، إنما قد يأتون ليحققوا أطماعهم وأحلامهم وأطماع إسرائيل وأحلامها. علينا أن لا ننخدع بتصريحات وزراء عرب يَدَّعون الحرص على الشعب السوري ويطالبون بتسليحه، فهؤلاء ليسوا أحراراً في مواقفهم، بل من يتبع أمريكا منهم ينادي بعسكرة الانتفاضة ويبدي استعداده لتمويل هذه العسكرة، ومن يتبع فرنسا منهم ينادي ضد ذلك ويدعو إلى بقاء الثورة سلمية ويدعي أنه يريد ذلك من أجلنا وحرصاً علينا.
لا يمكننا الحكم على صدق نوايا هؤلاء وهؤلاء إلا لو كانوا أحراراً وقادرين على اتخاذ مواقف مستقلة ينطلقون فيها من مشاعرهم نحونا ومصالحهم عندنا. هم واقعون تحت الضغط والتوجيه من القوى الاستعمارية التي ما زالت تملي على بلادنا ما تشاء من سياسات ولا تجرؤ دولنا على مخالفة هذه الإملاءات إلا تحت طائلة التعرض للعقوبة والتأديب. حتى تركيا وحكومتها المتعاطفة معنا - لأنها في الأصل ذات توجه إسلامي - لم تستطع الخروج عن السياسة الأمريكية بما يخص الثورة السورية إلا عندما ضغطت عليها فرنسا بتشريع قانون يجرِّم إنكار المذابح التي يتهم الأرمنُ الأتراكَ بارتكابها في حقهم في بدايات القرن العشرين، وتأملوا كيف طويت القضية وصارت تركيا مستعدة لتنظيم مؤتمر أصدقاء سوريا الثاني الذي يروج لوجهة النظر الفرنسية.
ولفرنسا تأثير على كثير من شخصيات المعارضة السورية التي تشارك فرنسا موقفها السلبي من عسكرة الثورة السورية، وحتى المعارضون اليساريون الذي لديهم موقف واضح من أي نفوذ أو احتلال أمريكي متوقع لسورية يتلقون التشجيع ولو إعلامياً من فرنسا وحلفائها لأن مواقفهم تلتقي مع مواقفها النابعة من مصالحها.
هذا لا يعني أن شخصيات المعارضة التي تنادي بعسكرة الثورة هم عملاء لأمريكا وإسرائيل، ولا يعني أن الذين يعارضون التدخل الخارجي وعسكرة الثورة هم عملاء لفرنسا أو عملاء للنظام السوري. في خضم هذه الفتنة كثرت الاتهامات بالخيانة والعمالة ولعله لم ينج منها أحد من شخصيات المعارضة سواء من ينادي بالتدخل الخارجي ومن يعارضه. والمستفيد الوحيد من هذا التخوين هو النظام السوري، وليس من المستبعد أن يكون رجاله هم الذين يطلقون اتهامات التخوين، وبخاصة أن الأسماء على الانترنت مستعارة ولا يعرف من هم أصحابها وما هي ولاءاتهم الحقيقية.
نعم هنالك خونة وعملاء بين شخصيات الانتفاضة كما كان هنالك منافقون زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ومع أن النبي كان يعلمهم بأشخاصهم لكنه أبداً لم يشكك في إسلام أي منهم، وكان دائماً يأخذ الناس على ظواهرهم ويترك قلوبهم إلى خالقهم، وإن كان القرآن الكريم قد حذر كثيراً من المنافقين لكنه لم يذكر أيا منهم باسمه، بل نبه إلى أن المؤمنين يمكنهم معرفة هؤلاء من لحن القول، ويمكنهم الحذر منهم دون إعلان تخوينهم وتكفيرهم، قال تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ {29} وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} (محمد 29-30). والمرض في القلوب الذي يتحدث عنه القرآن هو النفاق.
علينا أن نتعلم الدرس من ديننا ونبينا الذي لم يشكك في صحة إيمان أي شخص قال لا إله إلا الله، بل كان يأخذ الجميع على ظواهرهم ويعاملهم كمسلمين حتى لو كان على يقين أنهم منافقون. التخوين سلاح ذو حدين لا يمكنك استخدامه دون أن يستخدمه خصمك ضدك، إنه اتهام رخيص لا يكلف شيئاً يبث الشك والريبة بين الثائرين في أنفسهم أو شخصيات المعارضة التي انخرطت في الثورة وتسلمت أدوراً قيادية لأن الثورة كانت ارتجالية ولم تكن ثورة قامت بها قوى منظمة من قبل ولها زعاماتها التي تثق بها. إن التخوين خطير جداً على الثورة السورية ويجب الامتناع عنه والحذر منه مع يقيننا أن هنالك لإسرائيل وللدول الاستعمارية عملاء بيننا، نعم نأخذ الحذر من طروحاتهم دون أن نهاجم أشخاصهم أو نشكك في ولاءاتهم، لأن ذلك التخوين يمكن أن يستخدم ضد المخلصين كما يستخدم ضد الخائنين.
علينا أن نحبط خطة النظام وسعيه لبث الشك بيننا ولإيهامنا أن بعضنا عملاء له ويطمعون بمناصب ينالونها في ظله، ومع أن كل شيء ممكن لكننا يجب أن نكون أشد دهاء من النظام فلا نقع في اللعبة التي يلعبها بأن نخوِّن بعضنا بعضاً أو نصغي لمن يخون بعضنا من الناشطين المتحمسين الذين يغلب على ظني أنهم يقومون بذلك عن حسن نية وبسبب حرقتهم على الذين يقتلون أو يصابون على يد شبيحة النظام وجيشه ومخابراته، لا بد أن نحسن الظن بأنفسنا ونتناقش حول وجهات أنظارنا التي من الطبيعي أن تختلف ونعزو خلافاتنا دائماً إلى اختلاف الرأي والمصالح لا إلى العمالة والخيانة، فإن فعلنا ذلك فإننا نستطيع التوحد والاتفاق على ما فيه خيرنا حتى لو كان بيننا عملاء للنظام أو عملاء لقوى دولية تعمل من أجل مصالحها.
كما علينا أن لا نشكك في ولاء السوريين من غير المسلمين أو حتى من اليساريين الذي قد يكونوا ملحدين، وأن لا نبقى أسرى القصة الذي رفض فيها الخليفة عمر بن الخطاب أن يتولى نصراني شأناً حساساً من شؤون الدولة لأنه لم يكن يثق بولاء غير المسلمين، وألح على عامله أن يعزل النصراني، ولما تمسك عامله بالنصراني بحجة أنه ليس هنالك أحد يحسن عمله، أرسل إليه عمر رسالة مقتضبة يقول له فيها: مات النصراني. أي افترض أن هذا النصراني مات وتدبر الأمر من دونه.
كان النصراني يومها من أمة مقهورة مغلوبة، ودولة المسلمين كانت دولة قائمة على الشريعة والمسيحيون فيها أهل ذمة يدفعون الجزية، وكل ذلك قد يضعف ولاءهم لهذه الدولة التي غلبتهم وحولتهم في بلادهم إلى ذميين، أما في هذا الزمان فالسوريون من كل الطوائف والأديان مواطنون متساوون ليس فيهم منتصر ومغلوب أو ذمي عليه أداء الجزية، بل هم شركاء في الوطن يخلصون له كما يخلص أبناء أي بلد لبلدهم، وإن كان من الممكن للبعض أن يخون فهذا ينطبق على كل الأديان، واسألوا أهل غزة عن الخونة الكثيرين بينهم الذين يتجسسون لحساب إسرائيل على المقاومة أليسوا كلهم أو أغلبهم مسلمين؟
نفترض الإخلاص والولاء للوطن لدى كل سوري بغض النظر عن عرقه أو لغته أو دينه أو طائفته، ونتعامل مع بعضنا البعض بالثقة، لكن لا ننقاد إلى أحد انقياداً أعمى، وهذا سيحمينا من أن يجرنا أي خائن بيننا إلى ما يريده أعداؤنا، لكن دون تخوين ولا تشكيك بالولاء والنوايا.
إن حماسة الناشطين للعسكرة ومطالباتهم المتكررة بتسليح الجيش الحر أو بالتدخل الأجنبي على شكل حظر جوي أو مناطق آمنة أو قصف جوي، واتهامهم لمن لا يتجاوب مع هذه الرغبات من شخصيات المعارضة بالخيانة والعمالة والمتاجرة بدماء السوريين جعل الكثيرين من هؤلاء يقبلون بأنصاف حلول ليسوا مقتنعين بها إرضاء للشباب الثائر، والقليل منهم من أصر علناً على رأي يخالف حماسة الشباب الذين يتلقون الرصاص بصدورهم, وهذا جعل القادة ينقادون للشباب حتى لو كانوا غير موفقين فيما يطالبون به، وأعود وأذكر أن الإنسان قد يدعو الله يطلب ما فيه الشر له وهو يظن أن الخير فيه، وقد يكره شيئاً وهو خير له ويحب شيئاً وهو شر له.
قال تعالى: {وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً} الإسراء11.
وقال أيضاً: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} البقرة216.
علينا أن لا نستعجل فنندم، وبخاصة أن المسألة السورية كثرت الأيدي المتدخلة فيها ولم تبق جهة دولية لم تتدخل، لا الغرب ولا الشرق ولا الشيوعيون ولا الإسلاميون، وكلٌّ له أغراضه ولا تهمه مصلحتنا الحقيقية في شيء. وعلينا أن نلجأ إلى رب العالمين ليهدينا سبلنا ويدلنا على ما فيه خيرنا، وأن نفكر بواقعية ودون انفعالات أو رغبة في الثأر والانتقام، فالذي يصاب أو يموت يقع أجره على الله، فإن لم يكن قد اعتدى على غيره فهو شهيد، بل سيد الشهداء.
الاختلاف بالرأي أمر طبيعي ولا يشترط أن يكون وراءه سوء نية أو خيانة، إنما هي العواطف ورغبات النفوس أو ما يسمى الهوى يجعل الإنسان يؤمن بوجهة نظر ويعتبرها الحق والصواب بينما الأمر يحتمل وجهات النظر الأخرى، ومثال كأس الماء المملوءة إلى نصفها كيف يقول المتفائل إنها كأس مملوء نصفها بينما يقول المتشائم بل هي كأس فارغ نصفها، وكلاهما على حق لكن اختلفت النظرة، فالأول رأى ما فيها من ماء والثاني لم ير إلا ما فيها من نقص وفراغ.
لذا علينا الانتباه إلى عواطفنا التي قد تجعلنا نتبنى آراء ومواقف ربما لم تكن محقة، ونحن نركز على جزء من الصورة ونخدع بذلك أنفسنا بحسن نية ودون أن نشعر، والنتائج الخطيرة لا تغيرها نوايانا الحسنة وإن كانت النوايا الحسنة يمكن أن تعفينا من الإثم إن كنا اجتهدنا فأخطأنا، لكننا رغم حسن نوايانا سنعاني وبال أمرنا وعاقبة أخطائنا. الأمر خطير ويحتاج منا إلى التروي وإلى الاستعانة برب العالمين ليدلنا على الصواب الذي يؤدي إلى الخير ويرضى هو عنه.
بُعَيْدَ غزوة أحد وبينما المسلمون يضمدون جراحهم ويدفنون قتلاهم جاءهم من يخبرهم أن المشركين قد تجمعوا ويستعدون للعودة للقضاء على جيش المسلمين، فقال المسلمون حسبنا الله ونعم الوكيل، فهداهم الله إلى الرأي الصائب ورزقهم من فضله ونجاهم فلم يمسسهم سوء. تعالوا نتأمل هذه الآيات الكريمة: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ {169} فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {170} يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ {171} الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ {172} الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ {173} فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ {174} إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {175}} آل عمران 169- 175.
أولاً علينا الانتباه إلى أن النعمة في القرآن إذا ذكرت كان المقصود منها في الغالب نعمة الهداية لا نعمة المال، ففي سورة الضحى يخاطب ربنا نبيه صلى الله عليه وسلم الذي وعد المشركين أن يجيب أسئلتهم ولم يقل إن شاء الله فتأخر الوحي كثيراً وأحرج محمد صلى الله عليه وسلم وقال المشركون ودَّع محمداً ربه وقلاه، أي كرهه وأبغضه، فنزلت سورة الضحى تطمئنه وتذكره بما يبرهن له أن ربه لم يهجره ولم يبغضه، فقال تعالى: {وَالضُّحَى {1} وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى {2} مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى {3} وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى {4} وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى {5} أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى {6} وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى {7} وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى {8} فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ {9} وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ {10} وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ {11}} الضحى 1-11.
ولنتأمل ما ذكره الله به من نعمه عليه التي كان أولها أنه وجده يتيماً فآواه وطلب منه بالمقابل أن يرحم اليتيم ولا يقهره، وثانيها أنه وجده عائلاً أي فقيراً كثير العيال فأغناه وأمره بالمقابل أن لا ينهر المسكين، وثالثها أنه وجده ضالّاً فهداه وأمره مقابل ذلك أن يتحدث بنعمة الله عليه أي بهدايته التي أوحاها إليه، وليس كما يظن بعضنا أن يتحدث عما أعطاه الله من مال ومتاع، فحتى آخر آية نزلت من القرآن قال المولى فيها: {........ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً.....}المائدة3، ولم تكن نعمة المال هي التي أتمها الله على المؤمنين في ذلك اليوم إنما نعمة الهداية.
وقد فصلت في هذا لأني لا أجد ملجأً لنا إلا في التوكل على الله ليكون لنا مثل الذي كان للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه: {فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} آل عمران {174}. انقلبوا أي رجعوا بنعمة من الله أي هداية إلى التصرف الصحيح حيث لم ينتظروا في مكانهم عودة المشركين لقتالهم إنما رغم جراحهم شدوا رحالهم يلاحقون المشركين الذين بلغهم أن المسلمين متوجهون إليهم يريدون قتالهم فخافوا وآثروا الفرار بالنصر الذي حققوه من قبل على المسلمين، فَسَلِم المسلمون مما خوفهم منه الناس، ورزقهم الله من فضله، وطمأنهم أنهم قد اتبعوا رضوان الله وفعلوا الصواب وما يرضي الله.
يبقى أن نتوقف عند قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} آل عمران 173 . حيث لم يقل أنهم توكلوا على الله فحسب، بل هم قالوا بلسانهم عبارة التوكل على الله، أي نطقوا بها ولاذوا بها يقولونها المرة تلو الأخرى، حتى فرج الله همهم ونجاهم فلم يمسسهم سوء.
وأنا لي تجربة شخصية حيث تعرضت لموقف محرج جداً مالياً كان بسبب إصراري على شيء استخرت الله فيه المرات الكثيرة فألهمني أن أفعل ما فعلت، وإذا بي في موقف صعب، فتذكرت هذه الآيات وصرت أردد: حسبي الله ونعم الوكيل، ليلي ونهاري كلما كنت لا أقوم بعملي الذي لا بد لي من القيام به، واستمر الحال عدة شهور قلت فيها حسبي الله ونعم الوكيل ملايين المرات، ومن يومها يسر الله لي أموري فخرجت من الموقف المحرج وأنا مرتاح، وبدأ فضل الله يأتيني، وفي كل شيء يُقَدِّر الله لي أحسن الاحتمالات، ويهديني إلى أصح القرارات وهذا كله بفضل حسبي الله ونعم الوكيل.
لذا أدعو جميع السوريين الذين يشعرون بالقلق مثلي على مستقبل سورية أن يقولوا "حسبنا الله ونعم الوكيل" ويجتهدوا في قولها المرات التي لا تحصى، ولا بد أن يهديهم الله إلى الصواب ويعطيهم من فضله ويكتب لهم العافية مما يخشونه.
ويتبع >>>>>: الثورة السورية بين العنف واللاعنف5
واقرأ أيضاً:
ما يحدث في سورية إلى أين؟3 / ما لنا غيرك يا الله(3) / الطائفية والثورة في سورية3