مقدمة
الحديث عن الجنس ليس بالأمر السهل. يحاول الكثير من الناس على مختلف خلفياتهم الثقافية والعلمية توخي الحذر عند الحديث عن الجنس وربما يبالغ الكثيرون منا في استعمال ألفاظ لغوية احتراماً لمشاعر الناس والوقاية من ردود فعل المستمعين والقراء.
يتصور الكثير أن الحديث عن الرغبة الجنسية ما هو إلا مجرد كلام عن عاطفة خالية من الطهارة، ولابد من تقييدها وعدم الخوض فيها وهذا أحد مقاييس الجهل والتخلف. على عكسٍ من ذلك لابد من التطرق إلى عاطفة مليئة بالفرحة لجسد كل إنسان أبدع الخالق عز وجل في تكوينه. هذه العاطفة أروع هدية للإنسان لكي يشعر بالمتعة ويهِب المتعة، ومن خلالها تستمر الحياة ويتكاثر البشر. لا عجب أن أحد الفلاسفة وهو اللورد مونبودو (Monboddo 1714–1799) يحذر زملائه من الجنس لأنه ألذ ما يمكن أن يشعر به الإنسان، وأن أكثر منه نسي عقله وتوقف عن الإبداع. لا يمكن أن أجزم إلا بغلو هذا الرجل العظيم وعدم استيعابه الواقعي للحياة.
إلقاء نظرة سريعة على استشارات الموقع تكشف لنا أن المشاكل الجنسية ربما تحتل موقع الصدارة. وإذا تم إضافة الاستشارات المتعلقة بالمشاكل العاطفية والزوجية، والتي دوماً تحتوي على أكثر من إشارة إلى مشاكل جنسية بين الرجل والمرأة، فيمكن الاستنتاج بأن الجنس يشكل المعضلة الرئيسية للكثير من مستخدمي الموقع.
هناك عدة جوانب للمشاكل الجنسية، ولكن أكثرها تعقيداً هو ما يتعلق بالمرأة. هناك الكثير من الغموض حول الفعالية الجنسية للمرأة من أبعاد نفسية اجتماعية وبيولوجية. لا أحد يستطيع الإجابة بثقة ماذا تعني الإثارة الجنسية للمرأة5، وما هي احتياجات المرأة مقارنة بالرجل، وماذا تعني المتعة الجنسية للمرأة مقارنة بالرجل. الأهم من ذلك ما هي نتائج حياة جنسية ناجحة للمرأة مقارنة بالرجل. جميع الأسئلة يمكن الإجابة عليها بسهولة2 إذا كانت الحياة الجنسية للرجل موضع النقاش والبحث ولكن الأمر أكثر تعقيداً للمرأة في حضارة لا يصعب وصفها بأنها حضارة ذكورية حتى يومنا هذا.
وفي محاولة فهم الحياة والفعالية الجنسية للمرأة لابد من التطرق إلى:
1- الجهاز العصبي المحيطي: وظيفة هذا الجهاز نقل الأحاسيس من مختلف مناطق الجسد والأعضاء التناسلية وإلى الجهاز العصبي. كذلك يتولى هذا الجهاز نقل كافة الأوامر الصادرة من الجهاز العصبي المركزي إلى الاعضاء التناسلية.
2- الجهاز العصبي المركزي: وظيفة هذا الجهاز تتمثل في التحضير للفعالية الجنسية وإصدار الأوامر إلى الأعضاء التناسلية للقيام بعملها. الأهم من ذلك في هذا الجهاز نفسه يتم الشعور والإحساس بالذروة الجنسية، والأكثر تعقيداً نتائج ذلك على الحياة النفسية والأداء الوظيفي للمرأة في الحياة عموماً.
هناك العديد من الناقلات الكيمائية والهورمونات التي يتم تحفيزها من خلال الجهاز العصبي المركزي وتعمل كوسيط في العملية الجنسية.
لكي يتسنى توضيح الحياة الجنسية للمرأة لابد أولاً من التركيز على جزء واحد بصورة مفصلة وبعدها يمكن وضع نموذج متكامل وشامل.
القبول والترحيب
المقصود بالعلاقة بين الجنسين في هذا الجزء من الحديث هو العلاقة الجنسية. بالطبع هناك أبعاد اقتصادية واجتماعية ونفسية وربما غيرها للعلاقة بين الرجل والمرأة أو بين الزوج والزوجة. يتساءل الكثيرون عن القواعد الأساسية للعلاقة الجنسية الناجحة بين رجل وامرأة وإن كانت تختلف من وجهة نظر الذكر والأنثى؟.
هناك العديد من المصطلحات التي يمكن استعمالها لإلقاء الضوء على القواعد الأساسية لهذه العلاقة الجنسية ولكن يمكن اختصارها في كلمتين فقط بدلاً من استعمال تعابير أرى مثل الحب والإراء:
1- قبول المرأة بالرجل وبالعكس.
2- ترحيب المرأة بالرجل والعكس كذلك.
ربما يميل البعض إلى استعمال كلمة الإغراء1 أو الفتنة أو الإغواء Seduction وتكمن مشكلة هذا المصطلح في إطاره السلبي، والذي لا يختلف كثيراً عن مفهوم الخديعة. أما الحب فهو فن إطاره عاطفي وهو أيضاً مفهوم قد يعتبره الكثيرون نوعا من انواع التضليل والخداع من أجل الوصول إلى أهداف جنسية بحتة. أما القبول والترحيب فهي مصطلحات محايدة لا يوجد فيها خداع أو تضليل.
من الصعب أن يتصور الإنسان كيف يمكن حصول عملية جنسية مرضية وممتعة بدون هذا القبول والترحيب. إن من الخطأ حصر القبول والترحيب على المرأة فقط وإنما هذا الأمر يمتد إلى الرجل كذلك.
رغم ذلك تحصل العملية الجنسية بين المرأة والرجل في غياب هذا الترحيب والقبول من الطرفين. الغالبية العظمى من الحالات تتمثل في حدوث الجماع بدون ترحيب وقبول من المرأة والنساء بدورهن يعللن هذه الظاهرة بضرورة إعطاء الرجل حقه وإسكاته إلى حين. غياب هذا الترحيب والقبول قد لا يكون واضحاً للرجل لعدة أسباب:
1- التصور الخاطئ بأن الجنس لا أهمية له للمرأة مقارنة بالرجل.
2- هذا السلوك جزء لا يتجزأ من سلوك المرأة في الفعالية الجنسية.
3- انعدام الثقافة الجنسية.
لكن لابد من الإشارة إلى أن هناك من الرجال من يشعر بأن الجماع قد يحدث رغم أنفه، ولذلك لا يجوز حصر هذه القاعدة على النساء فقط.
المخ والقبول والترحيب
يتميز مخ الإنسان (الرجل والمرأة على حد سواء) باحتوائه على مناطق الترابط أو الاتحاد Association Areas التي تربط وتوحد مناطق المخ المختلفة. هناك منطقتان في غاية الأهمية لتوضيح هذا الترابط:
1- الفصيص الجداري السفلي Inferior Parietal Lobule : هذه المنطقة توحد ما يستقبله المخ من أحاسيس نظرية تم استقبالها في الفص القذالي Occipital Lobe ، وأحاسيس جسدية تم استقبالها في الفص الجداري3 Parietal Lobe ويتم ربط هذه الأحاسيس البصرية مثل جمال الصورة، والأحاسيس الجسدية مثل نعومة البشرة، وما تستقبله المرأة من أحاسيس كلامية في الفص الصدغي Temporal Lobe وتضاف إلى ذلك ذكريات وتجارب الماضي التي تم خزنها في منطقة الحصين Hippocampus المتصلة بالفص الصدغي.
2- يتم إرسال جميع هذه المعلومات إلى منطقة ترابط أكثر تطوراً من غيرها وهي في الفص الجبهي الأمامي Pre-Frontal Cortex بعبارة أخرى يمكن القول بأن القبول والترحيب يتم الفصل به في الفص الجبهي7 من الدماغ وهذه المنطقة من المخ تتحكم في أكثر فعالية بشرية أهمية وتعقيداً ألا وهي التثبيط Inhibition.
يتطلب حصول الفعالية الجنسية في جميع مراحلها درجة من غياب هذا التثبيط Disinhibition أو الكبح أو الكبت الذي يمارسه الإنسان للسيطرة على فعالياته الغريزية. إن سلوك الكبت والتثبيط أثناء الجماع يتعارض مع الفعالية الجنسية إن تجاوز عتبة معينة. إن عملية التثبيط من الناحية البيولوجية يتم ترجمتها أحياناً إلى مصطلحات نفسية أكثر غموضاً من المصطلح الفسيولوجي أعلاه وهي:
1- حدود الأنا Ego Boundaries .
2- الوعي الذاتي Self – awareness .
3- السيطرة الذاتية Self- regulation .
هذه المصطلحات6 برمتها ما هي إلا ترجمة لتعبير أكثر دقة لوظيفة الفص الجبهي وهي التثبيط. بعبارة أخرى لا يمكن أن يحصل الاتصال الجنسي بدون درجة من فقدان السيطرة الذاتية، تجاوز الوعي الذاتي، وعبور حدود الأنا أو بالأحرى أسوار الأنا التي يحيط الإنسان نفسه بها حماية من بيئته وبقية البشر.
نتائج القبول والترحيب:
هناك مصطلح دخل علم الأحياء وعلوم النفس كذلك منذ أوائل القرن العشرين وهو مصطلح الوعي البيولوجي4 Biological Consciousness وهذا المصطلح يشير إلى تجارب الإنسان الروحية وارتباطها بعوامل بيولوجية. هذا المصطلح يمكن كذلك ربطه بالمصطلحات النفسية أعلاه والتي تتعلق بالتثبيط، بعبارة أخرى يمكن القول بأن العملية الجنسية على مستوى الترحيب والقبول تؤدي إلى نتيجتين:
1- الانتقال إلى درجة من الوعي يمكن خلالها حصول الاتصال الجنسي.
2- هذا الانتقال يتوازى مع إرسال إشارات عصبية من الفص الجبهي إلى مناطق أخرى من الدماغ والجسم البشري ومنها الأعضاء التناسلية للمرأة. الإشارات العصبية إلى مناطق الدماغ الأخرى تؤدي إلى إفراز الهورمونات التي تصاحب الفعالية الجنسية، وأما الإشارات العصبية إلى الجهاز التناسلي فيتم إرسالها عبر الجهاز العصبي الذاتي أو المستقلي Autonomic Nervous System .
يتم إرسال الإشارات العصبية عبر الجهاز العصبي الذاتي، وهذه الإشارات تؤدي الى التفاعلات الجسدية المصاحبة للفعالية والاثارة الجنسية مثل تغير سرعة دقات القلب، التنفس، احمرار الوجه، وامتلاء الأوعية الدموية الموضعية بالدم، والتي بدورها تؤدي إلى زيادة الإفرازات المهبلية وبالتالي يتم تشحيم المهبل (أو تزليق المهبل Vaginal Lubrication ) استعدادا للإيلاج.
عند الوصول إلى هذه المرحلة من القبول والترحيب تكون المرأة قد دخلت إلى المرحلة الثانية وهي المباشرة بالعمل الجنسي.
المصادر:
1. Esterson, A. (1998): Jeffrey Masson and Freud’s seduction theory: a new fable based on old myths. History of the Human Sciences, 11 (1), 1-21.
2. Fausto-Sterling, Anne (1992): Myths of Gender: biological theories about women and men.
3. Fenton-O’Creevy, M., Nicholson, N. and Soane, E., Willman, P. (2003): Trading on illusions: Unrealistic perceptions of control and trading performance. Journal of Occupational and Organisational Psychology 76, 53-68.
4. Gilbert Ryle (1949): The Concept of Mind. University of Chicago Press.
5. Halpern, D. F. (2010): How Neuromythologies Support Sex Role Stereotypes. Science 330 (6009): 1320.
6. McCrae, R. (1994): Openness to Experience: Expanding the boundaries of Factor V. European Journal of Personality 8 (4): 251.
7. Miller, B.; Cummings, J(2007): The Human Frontal Lobes Functions and Disorders. Guilford Press. New York.
ويتبع >>>>>: الحياة الجنسية للمرأة الإرجاز Orgasm
واقرأ أيضاً:
اختلاف مفهوم الجنس بين الرجل والمرأة / اختلاف مفهوم الجنس مشاركة1: مقياس التفريق / الجنس في حياة الفتاة العربية!