الكلمة تؤثر في العقل والنفس والتفكير، وتحدد معالم الإدراك والتقدير ونوع الاستجابات. ووفقا لقاعدة الإناء ينضح بما فيه، فإن نوع الكلمات المسكوبة في أوعية البشر النفسية والعقلية، تحدد ما يقوم به من أفعال ويبدي من تصورات وآراء، وما يتخذه من قرارات. وكذلك فإن الكلمة الطيبة صدقة، والكلمة السيئة ضغينة وغدر وإحراق للذات والموضوع.
وفي إعلام الدول المتحضرة، توجد نباهة عالية، وحساسية فاعلة تجاه المفردات اللغوية المنطوقة والمكتوبة، وهناك بعض المفردات تعد نوعا من الجريمة التي يحاسب عليها القانون. وكم من الأفراد قد خضعوا للإجراءات القانونية بسبب الكلمة أو المفردة التي تكلموا بها، لأنها ذات أضرار نفسية وفكرية واجتماعية غير جيدة. ومن الشائع في المجتمعات المتأخرة، استخدام الكلمات بلا تقدير وحساب لتأثيرها وتداعياتها وأضرارها التي تسببها. حيث تشيع الكلمات القاتلة، فتجد البعض يستخدمون مفردات فتاكة ذات آثار مدمرة للحياة، ويتواصلون في تكرارها، وتحريك ماكنتهم الإعلامية للتعبير عنها، وفي هذا يساهمون في إضعاف المجتمع والنيل من قيمه ووحدته، وتماسكه الوطني وتفتيت كل ما فيه.
والقاسم المشترك في مفرداتها، أنها تحاول إلغاء سلطة الشعب ودوره في تقرير مصيره.
ولكي تحقق هذه الأهداف، فإن ما تقوم به يترجم المنطوق الفتاك "فرّق تسد"، فتراها تلجأ إلى تعميق الهوة ما بين أبناء المجتمع الواحد، وتمعن في إطلاق المفردات والمسميات الرامية إلى تأكيد الفرقة والتناحر، وإشاعة الاضطراب والتقاتل والصراع على لا شيء، سوى أن الأجواء قد تم تسميمها بالمفردات الفتاكة فتفعل ما تفعله بالبشر. حتى لترى الناس سكارى وما هم سكارى.
وفي بعض مناطق البلاد يتم صيد السمك بإطعامه مادة تسمى "الزهر" ويقال أن السمك "مزهور"، حيث تراه يترنح دائخا مضطربا فاقد القدرة على التقدير فيُمسك أو يُصاد.
وما تقوم به الكلمات الضارة يمكن مقارنته بذلك، لأنها تصيب الناس بالدوار والاضطراب والتشويه، وتمنع عنهم وضوح الرؤية، وتجعلهم صيدا سهلا للقوى التي تتبجح بقوتها ومراءاتها وأكاذيبها للقبض على حياتهم.
ولكي تعي المجتمعات دورها وتصنع حياتها، وتتقدم وتكون معاصرة، عليها أن تنقي خطاباتها وكتاباتها من المفردات السالبة والكلمات الضارة، وليعي كل مسؤول وكاتب وصاحب قلم، أهمية المفردة ودورها في الحياة، وليطهّر عقله وروحه ونفسه من المفردات السيئة، وينمي المفردات الجيدة الغنية بمعاني الفضيلة والخير والمحبة والألفة، والتي تساهم في تحقيق الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية.
ولنسعى جميعا للابتعاد عن المفردات العدوانية، الداعية إلى البغضاء والكراهية، والنيل من القيم الإنسانية.
إن الكلمة نور وقد تكون نارا أيضا!!
وعلى الأقلام أن تكون واعية وقادرة على التمييز ما بين النور والنار.
وكلما ازدادت مفردات النور تقدم المجتمع، وعندما تزداد مفردات النار يحترق بها المجتمع فيتأخر ويضيع!
واقرأ أيضاً:
سلوك الاجترار!! / هل الكتابة إدمان؟!! / الدولة والأمة والدين!!