يبدو أن علاقة الدين بالدولة تتحقق من خلال الأمة التي يصنعها، ولا يمكن لدين أن يبني دولة قبل بناء الأمة، وأي اختلال في توازن هذه المعادلة وأولوياتها، ربما يعني صناعة ما يقضي على الدولة والأمة والدين.
وفي زمن الديمقراطيات الناشئة وتصدّر الأحزاب الدينية للسلطة، فإنها أمام محنة وامتحان صعب، لابد لها من النجاح فيه، لكي تتمكن من بناء الدولة. وفي حالة نسيان الأمة والانزواء في صندوق الحزب، فإن الخسران هو العنوان.
وهذه الحالة تنطبق على جميع الأديان وبلا استثناء. فالدين الإسلامي -مثلا- لم يبدأ ببناء الدولة، وإنما سعى إلى بناء الأمة، التي وضع أسسها الرسول الكريم (ص) منذ بداية الدعوة وأول يوم للهجرة، وعندما تم صناعة الأمة وتمتنت أواصرها وتنامت قدراتها، ولدت الدولة المعبّرة عن معانيها وقيمها وأخلاقها وعقيدتها، ولهذا سُميت الدولة الإسلامية.
وقد تواصل العمل بالحفاظ على قوة الأمة واقتدارها ووحدتها، مما أدامها على مدى قرون متعاقبة متنوعة الاتجاهات والابتكارات.
وقد مرّت الأمة بانكسارات وصراعات متناوبة، تناسب فيها ضعف الدولة مع وهَن الأمة، وتفرُّق ما فيها من القدرات باستنزاف أحوالها وتدمير عناصر قوتها. فلا يصح الفصل ما بين الأمة والدولة عندما يتعلق الأمر بالدين، والأساس هو الأمة وليس الدولة، لأن الدولة تولد من رحم الأمة وليس العكس.
ولهذا فإن المسؤولية الأساسية التي تقع على عاتق الأحزاب الدينية هو صناعة الأمة لكي تتمكن من بناء الدولة، وبغير هذا ستؤذي الدولة والدين والحزب الذي تمثله. فالحالة السائدة في زمن الديمقراطيات الناشئة، أن الأحزاب التي تسلمت السلطة تجاهلت بناء الأمة أولا، وهذا يعني أنها ربما ستفشل في بناء الدولة، لإغفالها الركن الأساسي للقوة والنماء والسلامة والتواصل والأمان وهو الأمة.
والدول المجاورة لنا صنعت الأمة اللائقة بها فأوجدت دولها، وهذا واضح في الجارة الشرقية والشمالية، حيث تم لهاتين الدولتين تحقيق بناء الأمة قبل الدولة، حيث انتصرت الأمة على الدولة القائمة وغيّرت أنظمتها.
وفي مجتمعاتنا تقدمت أحزاب دينية بلا خبرة، واندفعت نحو تغيير الدولة، وهي في حالة عدم توافق، وتصارع مع أركان الأمة، أي أنها تحارب الأسس الحيوية الضرورية لبقائها وتنمية قدراتها وقوتها وتواصلها.
وما يجري هو إغفال للعلاقة الحيوية ما بين الأمة والدولة، مما أدى إلى تداعيات متضاعفة ذات نتائج وخيمة، فجميع الأطراف لا تتفاعل مع جوهر العناصر المسؤولة عن المشكلة المؤثرة سلبا في مسيرة الأيام، وإنما تشخصنها بذاتها وتحزبيتها وتمضي بها إلى طرق مسدودة. ولكي تنجح الأحزاب الدينية عليها أن تصنع الأمة أولا، فلا تتخذ من الديمقراطية سببا لتأكيد تفاعلها المتجاهل لبناء الأمة في البلد الذي تريد أن تنجح في حكمه.
"إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ" الأنبياء 92، فهل ستدرك الأحزاب آليات صناعة الحياة وفقا لإرادة الدين؟
واقرأ أيضاً:
هل الكتابة إدمان؟!! / الكلمات نار ونور!! / المواكبة والحياة!!