في اللغة، واكبتهم مواكبة: سايرتهم. وناقة مواكبة: لا تستأخر عن الركاب. والمواكبة أن تكون في زمانك لا تستأخر عنه، وأن تعيش مظاهر عطاءاته وتبدلات علومه ومعارفه وجميع ثوراته التقنية والمعلوماتية.
وفي مفهوم الحياة التي نعاصرها، تكون المواكبة من أهم أركان التقدم وأكبر ميادينه، التي تتنافس فيها الأمم والشعوب ومراكز البحوث والعقول، التي صنعت التغيرات الكبرى فوق الأرض.
فترى عجلة العطاءات الجديدة في دوران متسارع، لا يعرف الإبطاء أو التوقف لبرهة، والعقول في نشاطها الدائب ليل نهار، من أجل أن لا تخسر وقتا دون إضافةٍ أو سبق معرفي وإبداعي، يؤهلها للتمكن من ناصية القيادة الأرضية، والتحكم بدفة مسيرة الحياة عليها.
ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تجد في بلدٍ متقدم، سلوكا يفضي إلى عدم المواكبة مع معطيات الإبداع المتنوعة، ولهذا يكون ما هو موجود من حولك قد انتقل إلى حالة الماضي، لولادة ما يتفوق عليه بقدراته وتقنياته ومهاراته الإنجازية، التي توفر جودة العطاء ونوعيته وسرعته.
فهناك سعي فائق للتنقيب عن الأفكار لتحويلها إلى حالات فاعلة ومؤثرة في سلوك البشر، فأصبحت الأفكار من أغلى ما يمكن الحصول عليه، لأنها تبني الحياة وتضفي عليها قدرة التفاعل المستقبلي المتميز الذي يحقق السِبق الحضاري.
وعندما نعود إلى عالمنا المتأخر، نرى كيف لا نعرف كلمة المواكبة، لأننا وكأننا ما عدنا جزءً من الحياة، فالحاضر مفقود في وعينا وسلوكنا، والمستقبل أبعد من الخيال، وما نحن فيه عبارة عن نفق طويل، ويزداد طولا كل يوم .
فقد استلطفنا أن نكون في حالة ما، ولا نريد أن نبصر سواها، لأننا نخشى مواجهة أنفسنا، فهي أمام متطلبات كثيرة تستوجب الجد والاجتهاد، والسعي الخلاق لكي تحافظ على قدرات البقاء والنماء.
ولهذا فإن الكثير من المفردات المنيرة المتقدمة قد اختفت من قاموس وعينا وتفكيرنا، وما بقيت عندنا إلا مفردات القنوط وعدم الاكتراث بالحياة، وتحبيب الموت إلى النفس والسلوك.
ويبدو أن للمفردات السلبية دورا كبيرا وفعالا في بناء السلوك السلبي في مجتمعاتنا.
فلو فتشنا عن كلمة مواكبة في كتاباتنا على مدى العقود، فلن نجدها إلا فيما ندر، بينما مفردات العجز واليأس تسود، وتغمر الصفحات والمواقع والسطور، ولكي نتقدم ونتحقق، لا بد من التأكيد على التفاعل مع عصرنا بكل طاقاتنا، لكي نعرف ما يدور فيه ويتجدد في مياهه، فنخرج من مياهنا الراكدة، ونندفع بثقة ومهارة في تيار الحياة.
فعندما نواكب، ستكون مدارسنا قد تواصلت مع أحدث أساليب التعليم والتربية ومناهجها التي تطبق في العالم المتقدم. ومستشفياتنا سترتقي إلى مستوى الخدمات العلاجية والوقائية كما في أي بلد متقدم.
وبمعنى آخر، فأننا عندما نواكب نحقق التقدم، وبدون مفهوم المواكبة ومنطق التفاعل المعاصر، يكون من الصعب علينا أن نحافظ على وجودنا، ونمضي في طريق البقاء والتواصل الحضاري.
فالمدرس المُواكب، هو الذي يكون مطلعا ومتدربا على كل جديد في حقل اختصاصه، وكذلك الطبيب والأستاذ في الجامعة، والإداري والعسكري وكل فرد من أفراد المجتمع، يكون على اتصال دائب بما يستجد في ميدان اهتمامه وعمله.
فما عادت الحياة سلوك جامد ودوران في حلقات مفرغة، وإنما بالتواكب الشامل، يمكننا أن نبني المجتمع الفاعل المتقدم، الذي يمتلك مقومات المعاصرة، والقوة العلمية والثقافية والاجتماعية.
وفي الختام، لتتساءل كل وزارة ومؤسسة ودائرة في مجتمعنا، هل أنها متواكبة مع عصرها، أم أنها في حالة أخرى، وعندها نتعلم معاني التقدم والارتقاء والمعاصرة.
واقرأ أيضاً:
الدولة والأمة والدين!! / الكلمات نار ونور!! / تخلفنا أم تأخرنا؟!!