نموذج متكامل للاستضعاف والاضطراب العقلي Integrated Model for Vulnerability & Mental Disorder
هدف المقال:
يستهدف هذا المقال مناقشة وتعريف مفهوم المستضعف في الصحة النفسية للبالغين Adult Mental Health هذا المفهوم لا يخلو من بعض الغموض للمجموعة الأولى من الأفراد المصابين بشتى أنواع الأمراض العقلية، ولكن الطب النفسي للبالغين يعني كذلك بمجموعة ثانية من الأفراد الغير مصابين بأمراض عقلية واضحة التصنيف تستوجب تقييم درجة الاستضعاف. يراجع المقال أولاً المفهوم في الصحة النفسية للمرضى المصابين باضطرابات نفسية واضحة التصنيف، وبعدها يقترح استعمال نموذجٍ متكاملٍ يجمع بين الاستضعاف والاضطراب العقلي للمجوعة الثانية.
مقدمة:
يمكن القول بأن الصحة النفسية تتميز عن بقية الفروع الطبية الأخرى بتركيزها على:
1- علاج الأمراض العقلية أو الاضطرابات النفسية.
2- احتواء المخاطر.
في الكثير من الأحيان يتصدر احتواء المخاطر والوقاية منها مهام الفريق الطبي النفسي في جميع مراحل الاتصال بين فريق الصحة النفسية ومستخدمها، ويصنف كثيرون هذه المخاطر إلى:
1- الخطر على النفس من جراء الانتحار.
2- الخطر على الآخرين من جراء الاعتداء.
3- الخطر من تدهور الصحة العقلية.
ولكن هناك بعدا آخر تمت إضافته إلى المخاطر الثلاثة أعلاه وهو حماية البالغ المستضعف. حماية المستضعف من البشر له تاريخه وموقعه في اختصاصات الصحة النفسية للأطفال4، العاهات التعليمية، العاهات الطبية، والطب النفسي للمسنين. أما في مجال الصحة النفسية للبالغين فإن حماية المستضعف يحيط بها بعض الغموض والمناقضات في تعريف المفهوم وعلاقته بالصحة النفسية أو العقلية للبالغين.
من هو البالغ المستضعف؟
المستضعف من البالغين لا يسهل تمييزه وتعريفه. التعريف العام يتطرق إلى ثلاثة صفات وهي:
1- عدم قدرة الفرد على العناية بنفسه.
2- الفرد الذي يسهل استغلاله من قبل الآخرين.
3- كل من هو في حاجة إلى دعم اجتماعي.
وجود إحدى هذه الصفات أو أكثر يكفي لتصنيف الفرد بأنه من المستضعفين، ولكن مثل هذا التصنيف قد يصعب العمل به بدوم وجود دليل مادي يمكن الاستناد إليه في الحياة اليومية للإنسان.
المشكلة الأخرى في هذا التصنيف هو عدم وجود قواعد وإرشادات يسهل الاتفاق عليها لتعريف الإنسان بالمستضعف، والصفات الثلاثة ما هي إلا مجرد أبعاد تفتقر إلى وضوح العتبة التي أن تم تجاوزها يمكن القول بأن الإنسان أصبح من المستضعفين.
الإصابة بالمرض العقلي بجميع أنواعه تخفض عتبة الإنسان لمواجهة التحديات البيئية، ولكن هذا لا يعني بحد ذاته بأن الفرد يصبح من المستضعفين حتى وإن كان مصاباً باضطراب ذهاني. إن تشخيص الاضطراب العقلي بحد ذاته لا يصنف الفرد من المستضعفين، وهناك الكثير من المصابين باضطرابات عصابية مثل اضطرابات القلق والرهاب من هم أكثر تعرضاً للاستغلال والعزلة الاجتماعية من الأفراد الذين يعانون من اضطرابات ذهانيه مثل الفصام. على ضوء ذلك تكمن المشكلة التالية في من يقوم بتقييم وتمييز الإنسان المستضعف.
من يتخذ القرار؟
القرار بتصنيف الفرد بأنه أو هي من المستضعفين لا يقع على عاتق الطبيب النفسي وحده. على العكس من ذلك ومن الصواب القول بأن العاملة الاجتماعية3 Social Worker أو الممرضة النفسية في المجتمع (Community Psychiatric Nurse (CPN أكثر إلماماً بظروف المريض الاجتماعية وتعرضه للاستغلال من قبل الآخرين.
تصنيف الفرد بالمستضعف ليس من اختصاص الطب النفسي فقط . تكثر مناقشة مفهوم الاستضعاف في جميع الفروع الطبية2 وفي مقدمتها الطب العصبي. ولكن على عكس الطب النفسي فإن تصنيف الإنسان بالمستضعف من جراء الأمراض العضوية وتأثيرها على فعاليته الشخصية وتفاعلاته الاجتماعية يكاد يكون أكثر وضوحاً ولا يخضع لغموض درجة العتبة في التصنيف التي يكثر ملاحظتها في الصحة النفسية.
إن اتخاذ القرار بتصنيف الفرد من المستضعفين يجب أن يكون قراراً جماعياً ويتم اتخاذه بالتشاور بين جميع أعضاء الفريق النفسي. ربما من الصواب القول بأن العاملة الاجتماعية في فريق الطب النفسي هي أهم الأعضاء في هذا المجال، لأن ما تم تصنيف الإنسان بأنه من المستضعفين تصبح رعايته من مسؤولية الخدمات الاجتماعية.
القدرة العقلية والاستضعاف
ليس بغير المألوف ملاحظة الارتباك في استعمال مفهوم القدرة العقلية Mental Capacity ومفهوم الاستضعاف Vulnerability في الممارسة الطبية للبالغين. مفهوم القدرة العقلية2 يعنى بقدرة الإنسان على اتخاذ القرار مثل الموافقة على إجراء عملية جراحية، قبول العلاج الطبي، وعلاجه بالعقاقير دون علمه Covert Administration of Medicine كذلك يلعب مفهوم القدرة العقلية دوره في رعاية الثروة المالية للفرد والتصرف فيها.
يتم تقييم القدرة العقلية1 بالرجوع والإجابة على السؤال المطروح في وقت زمني محدود مفاده: هل يملك الإنسان في هذا الوقت بالذات القدرة على اتخاذ القرار حول قضية ما في ظرف معين؟. قد يفتقد الإنسان القدرة العقلية في اتخاذ قرار ما في وقت ما، ولكنه قد يسترجع قدرته في وقت آخر. رغم أن فقدان القدرة العقلية لاتخاذ قرار يؤدي إلى تصنيف الإنسان بالمستضعف في مرحلة ما، لكن الإنسان المستضعف ليس بالضرورة يفتقد القدرة العقلية على اتخاذ القرار في الكثير من الأمور.
إن اتصال القدرة العقلية بالاستضعاف لا يقتصر فقط على الممارسة السريرية للطب النفسي وإنما له أبعاد اجتماعية في غاية الحساسية وخاصة في مجال الزواج القسري أو المدبر Forced and Arranged Marriages رغم أن ليس كل زواج مدبر هو زواج قسري، ولكن كل زواج قسري هو زواج مدبر.
المخطط التالي والحالة السريرية توضح العلاقة بين الاستضعاف والقدرة العقلية.
مثال سريري:
شاب في منتصف الثلاثين من العمر تم تشخيصه باضطراب الاسبرجر. عاش مع والده بعد إكماله الدراسة الجامعية ولكنه اعتزل المجتمع منذ طفولته، ويقضي كل يوم من أيام حياته حاملاً أطروحة بعد أخرى من البيت إلى مكتبة المدينة ذهاباً وإياباً.
انفصلت الأم عن الأب وعاش الفرد مع والده ورحلت أخته بعيداً عن البيت لتعيش مع زوجها. رحل الأب عن الدنياً تاركاً البيت لتقسيمه بين الابن والبنت. رفض الابن مغادرة وبيع البيت والتعاون قانونياً بدعوى أن تقسيم الإرث وبيع البيت يتعارض مع مبادئه الفلسفية.
في نفس الوقت يرفض الفرد التسجيل مع طبيب للمراقبة الصحية المعمول بها محلياً، واستلام المساندة المادية الاجتماعية التي يستحقها ولا يبالي بدفع أجور الكهرباء والماء والغاز.
هذه التعقيدات لشخص على مستوى عالي من الذكاء المعرفي تتطلب دراسة وتقييم ثلاثة أبعاد أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الفحص النفسي السريري3 في هذا العصر وهي:
٠ اضطرابات عقلية Mental Disorder .
٠ القدرة العقلية Mental Capacity .
٠ درجة الاستضعاف Vulnerability .
على الطبيب النفسي الإشارة إلى هذه الأبعاد الثلاثة بوضوح في تقريره النهائي لكل فرد يخضع لفحص طبي نفسي. الحالة أعلاه توضح إصابته باضطراب عقلي، ولكن قدرته العقلية سليمة في اتخاذ القرار حول الخدمات الصحية، ولكن القرار بشأن الإرث على العكس من ذلك. ليس هناك شك بأنه رجل بالغ ومستضعف.
المراجع:
1. KIM S. Y. H., APPELBAUM P. S., SWAN J., STROUP T. S., MCEVOY J. P., GOFF D. C., JESTE D. V., LAMBERTI J. S., LEIBOVICI A. & CAINE E. D.( 2007). Determining when impairment constitutes incapacity for informed consent in schizophrenia research. The British Journal of Psychiatry, 191: 38-43.
2. KORNFELD D S., MUSKIN P. R. & TAHIL F. A.( 2009). Psychiatric evaluation of mental capacity in the general hospital: A significant teaching opportunity. Psychosomatics, 50: 468-472.
3. MCDONALD A( 2010). The impact of the 2005 Mental Capacity Act on social workers’ decision making and approaches to the assessment of risk. British Journal of Social Work, 40: 1229-1246.
4. RUTTER M(1989). Pathways from childhood to adult life. The Journal of Child Psychology and Psychiatry, 30(1): 23-51.
ويتبع>>>>>>: نموذج متكامل للاستضعاف والاضطراب العقلي2
واقرأ أيضاً:
التعلق Attachment / الاضطراب الوهامي من النرويج إلى القاهرة / الطب النفسي عبر الثقافات / التحميل المعرفي والعاطفي الزائد Cognitive & Emotional Overload