نموذج متكامل للاستضعاف والاضطراب العقلي Integrated Model for Vulnerability & Mental Disorder
نموذج متكامل للاستضعاف والاضطراب العقلي
البالغ المستضعف
هناك مجموعة من البالغين الذين يتم تحويلهم للفحص الطبي العقلي دون وجود علامات مميزة لاضطراب عقلي5. هؤلاء الأفراد قلما يطرقون أبواب مراكز الصحة العقلية، وإنما يتم التحويل بصورة غير مباشرة.
التاريخ الشخصي لهؤلاء الأفراد يكاد يكون منتظماً. هناك إشارة إلى صعوبات عند الولادة، والتأخير في السير على الأقدام حتى منتصف أو نهاية العام الثاني. بعد ذلك وعند دخولهم المدارس يُلاحظ عدم قابليتهم في التنافس مع أقرانهم في التعليم وحتى في الفعاليات الرياضية. يتعرض الكثير منهم الى البلطجة في المدرسة، والبعض الآخر يتم تشخيصهم باضطرابات نفسية عاطفية أو سلوكية. هناك من هم أكثر حظاً ويتم تعليمهم بصفوف خاصة تلبي احتياجاتهم التعليمية والسلوكية، ولكن الأكثرية يستمرون في تلقي التعليم مع أقرانهم ويتم وصمهم بالكسل والغباء وغير ذلك من المصطلحات السلبية.
يودع هؤلاء المستضعفون مراكز التعليم قبل الأوان. يتم تشخيص البعض منهم مبكراً باضطرابات عصبية نفسية تطورية مثل ضعف الانتباه وفرط الحركة Attention Deficit & Hyperactivity Disorder ، اضطراب الاسبرجر Asperger’s disorder، الحصار المعرفي Obsessive Compulsive Disorder ومتلازمة توريت6 Tourette Syndrome الحصول على أي تشخيص من الاضطرابات الأخيرة يعتمد على الحصول على علامات مرضية تتجاوز عتبة معينة مجتمعة في الفرد. لكن الحصول على تشخيص طبي مميز لا يعني بالضرورة بأن الفرد سيحصل على الدعم المناسب أو يقبله.
من لا تصل علاماته المرضية إلى عتبة معينة لا يحصل على تشخيص طبي نفسي، وقد يكتفي البعض بالقول بأن الفرد يمتلك صفات فردية توجد في الاضطرابات الأخيرة، أو يكتفي الطبيب النفسي بالقول بأن الفرد طبيعي. هذه المجموعة من الأفراد يمكن توضيح صفاتهم الفردية بوجود خليط من العلامات لا تختلف كثيراً عن الأفراد أعلاه، وعدم وصول الأعراض إلى العتبة المطلوبة يمكن تفسيره كالآتي:
1- عدم وصول العلامات إلى العتبة المطلوبة.
2- فحص طبي نفسي غير متكامل فشل في تحديد العتبة.
على ضوء ذلك يمكن حصر من يتم تشخيصهم أو لا يتم تشخيصهم باستعمال النموذج أدناه:----¬
إن من المحتمل بأن المسار التاريخي للمجموعتين (من تم تشخيصهم أم لا) لا يختلف. البعض منهم يتجاوز التأخر التطوري (الحسي، الحركي، المعرفي، والاتصالي) ويقترب في قدراته من أقرانه في العقد الثالث من العمر، ولكن هناك كثيرين منهم من يفشلون في اكتساب المقدرة الكافية.
يحتاج الكثير من هؤلاء إلى دعم الأهل والأقارب، ولكن مثل هذا الدعم يبدأ بالتلاشي مع تقدم العمر. يلاحظ الوالدان هذه الحقيقة في مرحلة ما، أو ينتبه أحد الأفراد وخاصة في مجال العمل إلى ضعف الفرد أو ظهور اضطراب سلوكي لا يتناسب مع العمر أو استغلال الفرد من قبل الآخرين.
هناك مسار آخر للإنسان المستضعف على المدى البعيد. من جراء المشاكل التطورية التي يعاني منها ترى هؤلاء الأفراد أكثر تعرضاً للإصابة بشتى الاضطرابات العقلية من غيرهم من الأفراد لعدة أسباب7 منها:
1- الظروف الاجتماعية القاهرة: الإنسان المصاب الذي يعاني من مشاكل تطورية أقل حظاً من غيره في الحصول على العمل، إقامة علاقة زوجية، والانضمام إلى شبكة اجتماعية مساندة. هذه الظروف الاجتماعية القاهرة تكون عاملاً في تولد عواطف سلبية Negative Emotions
2- عوامل نفسية ديناميكية: الكثير من هؤلاء الأفراد يكونون أكثر تعرضاً للاستغلال من قبل الآخرين مما يولد لديهم أزمات نفسية يصعب تجاوزها. يضاف إلى ذلك قد يلجأ البعض منهم الى استعمال دفاعات نفسية حركية غير شعورية منها عصابية وغير ناضجة والبعض ذهانية. هذه الدفاعات تكون عاملاً في ولادة أعراض نفسية Psychiatric Symptoms مزمنة.
3- عوامل معرفية سلوكية Cognitive Behavioural : من جراء العوامل الأولى أعلاه يلجأ الفرد أحياناً إلى سلوك مرضي للتعامل مع عواطفه السلبية والأعراض النفسية. هذه المشاكل السلبية قد تدفع به باتجاه استعمال المخدرات غير المشروعة والكحول والتي بدورها تؤدي إلى مضاعفة تأثير العوامل الاجتماعية والنفسية الديناميكية، وتتولد حلقة مفرغة لا نهاية لها. ما يتم ملاحظته في هذه المرحلة هو التغيير Change الواضح في شخصية الفرد المتعارف عليها.
4- العوامل الطبية النفسية: هؤلاء الأفراد هم أكثر تعرضاً من غيرهم للإصابة بأمراض عقلية ذهانية وربما أمراض طبية. من جراء العوامل الثلاثة أعلاه يدخل الإنسان مرحلة تفسخ Disintegration في تفكيره وشخصيته تؤدي بدورها إلى مضاعفة العوامل الاجتماعية والنفسية الديناميكية والسلوكية.
هناك العديد من الأمثلة السريرية التي توضح العوامل الأربعة أعلاه وعلاقتها بالاضطراب العقلي والاستضعاف والقدرة العقلية.
مثال سريري:
رجل في منتصف الأربعينيات من العمر يعيش مع والدته. كان تحصيله التعليمي ضعيفاً وغادر التعليم قبل عمر السادسة عشر من العمر لشغبه، ودون القراءة بصعوبة واستعمال الحساب البسيط لم يكتسب مواهب أخرى. كان في غاية الفشل في كرة القدم ولكنه شارك في لعبة ركبي لكرة القدم Rugby Football لثقل وزنه واستعماله أحياناً في مواجهات الدفع بين الفريقين.
فشل تماماً في العمل لمدة تزيد على 6 أشهر، والاستمرار في علاقة عاطفية لمدة تزيد على ثلاثة أشهر. تم وصمه بالغباء وتقديمه لاستعمال المخدرات. دخل العقد الثالث واستضافته الخدمات الصحية للطب العقلي، وتم تشخيصه بالفصام.
لم تكن الوالدة مقتنعة تماماً بتشخيص الفصام ولكنها تعاونت مع الخدمات الصحية. طلبت فحصه في عيادة الاضطرابات التطورية العصبية، وتم تشخيصه بعدة مشاكل على رأسها ضعف الانتباه وفرط الحركة. تم سحب مضادات الذهان وبدأ علاجه بعقاقير نفسية منبهة.
رغم تحسنه لا يزال معرضاً للاستغلال المادي من قبل البعض. قررت الخدمات الصحية مساعدته بالعيش في شقة لوحده، وتم طرح السؤال عن امتلاكه القدرة العقلية للتصرف بدخله الشهري المنتظم من الرعاية الاجتماعية.
هذه الحالة توضح تفاعل الاضطراب العقلي، الاستضعاف والقدرة العقلية9 بعضها مع البعض الآخر. يضاف إلى ذلك وجود أكثر من تأخر في التطور العصبي الذي لم يتحسن بسبب الظروف الاجتماعية والفردية والصحية.
عند هذا المنعطف يمكن أن نتحدث عن وجود نموذج متكامل يجمع بين:
۰ الاضطراب العقلي.
۰ الاستضعاف.
۰ القدرة العقلية.
يمكن تتبع جميع ذلك من خلال المشاكل التطورية العصبية للإنسان. هذه المشاكل التطورية مصدرها قد يكون وراثياً أو عوامل بيئية وعضوية قبل وخلال وبعد الولادة. تحدد الرعاية التي يتلقاها الطفل والظروف البيئية فرصة تجاوز هذه المشاكل التطورية، ولكن إن لم يتم تجاوزها هناك ثلاثة احتمالات:
۰ الإصابة باضطراب عقلي.
۰ تصنيف الإنسان بمستضعف بدون اضطراب عقلي.
۰ قد يمتلك القدرة العقلية لاتخاذ بعض القرارات أو يفقدها.
المخطط أعلاه يوضح هذا النموذج ----¬
هذا النموذج قد يساعد الطبيب النفسي أو كل من يتولى مهمة تقييم درجة الاستضعاف في دراسة حالة الفرد. الأهم من ذلك لابد من تشاور جميع أفراد الفريق الطبي النفسي8 باتخاذ القرار الجماعي حول وجود اضطراب عقلي وتصنيف الفرد من المستضعفين.
المصادر:
5. GARMEZY N(1987). Stress, Competence and vulnerability: Continuities in the Study of Schizophrenic Adults, Children Vulnerable to Psychopathology, and the Search for Stress-Resistant Children. American journal of Orthopsychiatry 57(2): 159 -174.
6. Al-Timimi S(2012). Asperger’s Disorder: Social, psychiatric and Cultural Dimensions. Maganin.com. 07 August 2012.
7. Al-Timimi S(2012). Models in Mental Health. Maganin.com 15 February 2012.
8. LEE-FOSTER A( 2010). Capacity to communicate: Sense’s three-year project training independent mental capacity advocates in communication skills. Journal of Adult Protection, 12: 32- 42.
9. LEPPING P(2011). Overestimating patients’ capacity. The British Journal of Psychiatry, 199: 355-356.
واقرأ أيضاً:
اضطراب الأسبرجر : أبعاد اجتماعية وصحية وحضارية/ الاضطراب الوهامي من النرويج إلى القاهرة/ الطب النفسي عبر الثقافات/ التحميل المعرفي والعاطفي الزائد Cognitive & Emotional Overload