الاختلاف قوة حضارية وطاقة إنسانية تساهم في تحقيق التقدم والارتقاء، وقدرة حية على استنهاض الكوامن الإيجابية في الأعماق البشرية، إذا تم توجيهها وفقا لمناهج الصيرورات الأفضل. ومشكلة المجتمعات التي تجهل الاستثمار في ثروة الاختلاف، تتلخص في عدم معرفتها بمهارات التفاعل وآليات بناء الوعاء الجامع، اللازم لتفاعلات عناصر الاختلاف وتمازجها لصناعة الحالة الأقوى والأجمل. وكأنها لا ترى أن الدول المتقدمة تسعى بجدٍ وتواصل إلى إدامة الاختلاف المتفاعل، لأنها تدرك أن قوتها الحقيقية تكمن فيه، وبدون ديمومة الاختلاف المتفاعل تضعف المجتمعات وتذبل الأمم. وفي مجتمعاتنا نغفل هذه الحقائق، بل وننكرها ونعاديها ونحسبها قوة سلبية ومعادية تستهلك طاقاتنا وندمر معالم وجودنا الأصيل.
إن وعي أهمية الاختلاف وإضافاته وعطاءاته وضروراته الحضارية، من أهم التحديات التي تواجه المجتمع العربي، خصوصا بعد النهضة الثورية الفوارة التي تسوده اليوم.
وبدون الجد والاجتهاد وابتكار وسائل التفاعل البناء ما بين عناصر الاختلاف، لا يمكن للمجتمع أن يقدم إنجازا وطنيا حضاريا، وربما يتهاوى ويتبدد ويعيش حالة بدائية من التفاعلات الغابية السيئة، التي تقضي عليه وتدفع بخيرة أبنائه للرحيل إلى مجتمعات أخرى تستثمرها وتوظف طاقاتها لصالحها.
ولهذا فالمطلوب من القيادات السياسية، أن تتكلم بلغة جامعة ذات مفردات إيجابية، وأن تعمل على إنجاز الحالات الصالحة التي يقتدي بها، وتقديم الأمثلة الصحيحة الضرورية للتعبير عن أهمية الاختلاف، وصب طاقاته في بودقة وطنية ذات معاني إيجابية ومؤثرة في سلامة وفائدة المصلحة العامة والإنسانية.
ومن هنا فإن على أصحاب الكلمة والكتاب والصحفيين والإعلاميين وجميع المسؤولين الدقة والحذر فيما يطرحونه، وأن لا يساهموا في تأطير الاختلاف بملامح ومواصفات سيئة وضارة بالحياة.
إن المطلوب منا جميعا أن نكون إيجابيين وواعين ومتبصرين، ومؤهلين لوضع الآليات وابتكار المهارات اللازمة لصناعة سبيكة الوطن والحضارة اللائقة بنا.
وتبا للمعمعية ومرحبا بالاختلاف المتبصر الإيجابي الواعي المنير.
وتمتلك المجتمعات الغنية بثروة الاختلاف حقائق حضارية وتاريخية وإنسانية ساطعة، أثرت في المسيرة البشرية عبر العصور ولا زالت تقودها، وفقا لآليات التفاعل الحاصل ما بين عناصر الاختلاف.
فهل سندرك ضرورة وقيمة الاختلاف في صناعة الحضارة المعاصرة؟!!
واقرأ أيضاً:
العقل العقل!! / إنها العنتريات يا عبلة!! / التآلف والتخالف!! / سلوك النكران!!