كتاب "وهم الإله" لريتشارد دوكنز كتاب صادم ومُحزن لكل مؤمن. الأفكار والمعتقدات التي يطرحها الكاتب غير منطقية. ولأنني شعرت بتيار الإلحاد الذي بدأ ينتشر، ففكرت في طرح معتقداته وردود عليها سواء من القرآن أو السنة أو كلمات لعلمائنا الأجلاء الذين تحيا كلماتهم بيننا حتى بعد رحيلهم عن دنيانا.
إنني لست عالمة دين ولكنني باحثة أحاول أن أفهم وأحاول أن أساعد غيري بما توصلت إليه من بحثي. وما توفيقي إلا بالله.
يبدأ الكاتب فصله الأول مستشهدا بموقف داروين ووجهة نظره عن أن كل شيء هو "خلاصة للقوانين التي تعمل من حولنا".
وفي ذلك يقول الشيخ الشعراوي في خواطره حول القرآن الكريم وبالتحديد عندما كان يفسر "بسم الله الرحمن الرحيم":
والله تبارك وتعالى سخر لنا الكون جميعاً وأعطانا الدليل على ذلك. فلا تعتقد أن لك قدرة أو ذاتية في هذا الكون. ولا تعتقد أن الأسباب والقوانين في الكون لها ذاتية بل هي تعمل بقدرة خالقها. الذي إن شاء أجراها وإن شاء أوقفها. الجمل الضخم والفيل الهائل المستأنس قد يقودهما طفل صغير فيطيعانه. ولكن الحية صغيرة الحجم لا يقوى أي إنسان على أن يستأنسها. ولو كنا نفعل ذلك بقدراتنا لكان استئناس الحية أو الثعبان سهلا لصغر حجمهما ولكن الله سبحانه وتعالى أراد أن يجعلهما مثلا لنعلم أنه بقدراته هو قد أخضع لنا ما شاء، ولم يخضع لنا ما شاء. ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى: "أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعَـماً فَهُمْ لَهَا مَـلِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَـهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72)" سورة يس.
يأتي الله سبحانه وتعالى إلى أرض ينزل عليها المطر بغزارة. والعلماء يقولون إن هذا يحدث بقوانين الكون. فيلفتنا الله تبارك وتعالى إلى خطأ هذا الكلام. بأن تأتي مواسم جفاف لا تسقط فيها حبة مطر واحدة لنعلم أن المطر لا يسقط بقوانين الكون ولكن بإرادة خالق الكون. فإذا كانت القوانين وحدها تعمل فمن الذي عطلها؟ ولكن إرادة الخالق فوق القوانين إن شاءت جعلتها تعمل وإن شاءت جعلتها لا تعمل. إذن فكل شيء في الكون باسم الله. هو الذي سخر وأعطى وهو الذي يمنح ويمنع. حتى في الأمور التي للإنسان فيها نوع من الاختيار. واقرأ قول الحق تبارك وتعالى: "لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ(50)" سورة الشورى
والأصل في الذرية أنها تأتي من اجتماع الذكر والأنثى. هذا هو القانون. ولكن القوانين لا تعمل إلا بأمر الله. لذلك يتزوج الرجل والمرأة ولا تأتي الذرية لأن ليس القانون هو الذي يخلق ولكنها إرادة خالق القانون. إن شاء جعله يعمل وإن شاء يبطل عمله. والله سبحانه وتعالى لا تحكمه القوانين ولكنه هو الذي يحكمها.
وكما أن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يجعل القوانين تفعل أو لا تفعل. فهو قادر على أن يخرق القوانين. خذ مثلاً قصة زكريا عليه السلام. كان يكفل مريم ويأتيها بكل ما تحتاج إليه. ودخل عليها ليجد عندها ما لم يحضره لها. وسألها وهي القديسة العابدة الملازمة لمحرابها: "قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا (37)" سورة آل عمران.
الحق سبحانه وتعالى يعطينا هذه الصورة مع أن مريم بسلوكها وعبادتها وتقواها فوق كل الشبهات. ولكن لنعرف أن الذي يفسد الكون هو عدم السؤال عن مصدر الأشياء التي تتناسب مع قدرات من يحص عليها.
الأم ترى الأب ينفق ما لا يتناسب مع مرتبه ، وترى الابنة ترتدي ما هو أكبر كثيرا من مرتبها أو مصروفها. ولو سألت الأم الأب أو الابنة من أين لك هذا؟ لما فسد المجتمع. ولكن الفساد يأتي من أننا نغمض أعيننا عن المال الحرام.
بماذا ردت مريم عليها السلام؟
"قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ (37)" سورة آل عمران آية 37
إذن فطلاقة قدرة الله لا يحكمها قانون. لقد لفتت مريم زكريا عليهما السلام إلى طلاقة القدرة، فدعا زكريا ربه في قضية لا تنفع فيها إلا طلاقة القدرة. فهو رجل عجوز وامرأته عجوز وعاقر ويريد ولداً. هذه قضية ضد قوانين الكون؛ لأن الإنجاب لا يتم إلا وقت الشباب، فإذا كبر الرجل وكبرت المرأة لا ينجبان. فما بالك إذا كانت الزوجة أساساً عاقراً لم تنجب وهي شبة وزوجها شاب. فكيف تنجب وهي عجوز وزوجها عجوز. هذه مسألة ضد القوانين التي تحكم البشر. ولكن الله وحده القادر على أن يأتي بالقانون وضده. ولذلك شاء أن يرزق زكريا بالولد وكان. ورزق زكريا بابنه يحيى.
إذن كل شيء في هذا الكون باسم الله. يتم باسم الله وبإذن من الله. الكون تحكمه الأسباب نعم ولكن إرادة الله فوق كل الأسباب.
واقرأ أيضاً:
عمار الشريعي.... لن نقول وداعاً / الحيوانات أحياناً أحن كثيرا من الإنسان! / ابحث داخل نفسك قصة الشحاذ