يبدأ إيكارت توللي فصله الأول من كتاب "قوة الآن" بقصة تلمسنا جميعاً حيث يقول:
كان هناك شحاذ يجلس على قارعة الطريق منذ ثلاثين عاماً. وفي يوم من الأياء جاءه رجل غريب، فسأله الشحاذ قائلا: "أعطني قليلاً من المال!" وبطريقة آلية مد قبعتة القديمة. فقال له الغريب: "إنني لا أملك شيئاً أعطيك إياه". ثم سأله الغريب قائلا: "ما هذا الذي تجلس عليه؟". فرد عليه الشحاذ قائلا: "لا شيء. إنه مجرد صندوق قديم أجلس عليه منذ زمن." فسأله الغريب "ألم تنظر أبداً إلى ما بداخله؟" فرد الشحاذ: "لا. ولماذا أفعل؟ فلا شيء بداخله." فأصر الغريب قائلا للشحاذ: "انظر بداخله!". فتح الشحاذ الصندوق وقد سيطر عليه الذهول وعدم التصديق لما رأى فقد وجد الصندوق مليئاً بالذهب!.
ويعلق الكاتب قائلاً:
هؤلاء الذين لم يجدوا قيمتهم الحقيقية بعد، تلك القيمة التي تشع بهجة الوجود والسلام العميق الذي لا يهتز فهؤلاء هم الشحاذون حقاً حتى لو كانت لديهم وفرة مادية.
إنهم يبحثون خارجهم عن قصاصات من المتعة أو الإشباع؛ من أجل القبول أو الأمان أو الحب رغم أنهم يمتلكون هذا الكنز بداخلهم والذي يحتوي كل هذه الأشياء، وهو لا يقارن بما يمكن أن يقدمه أي شيء في العالم.
بداية يصدمنا بها إيكارت توللي. فكم منا من يبحث خارجه مثلاً عن الحب دون أن يحب نفسه أو يحب غيره. كم منا من يبحث عمن يفعل له ولا يفعل هو شيئاً. نبحث عن الحب ولا نحب. نبحث عن الصداقة دون أن نعطي معاني الصداقة ودون أن نفهم أننا نستحق الصداقة أيضاً. نقول أننا لا نستطيع فعل هذا وذاك دون أن ندرك فعلا ما نستطيع فعله. وأتساءل هل نحن نبحث بصدق عن الصفات الجميلة التي بداخلنا ونشعر بالرضا عن أنفسنا لهذه الصفات. هل نبحث عن مواهبنا التي وهبنا الله إياها. فالله وهبنا من المواهب، لكن ينقصنا أن نبحث عنها وندركها.
وأستطيع أن أسمع سؤالاً يقول: وكيف لي أن أعرف موهبتي؟ أعتقد أن ما علينا فعله لنكتشف مواهبنا وما حبانا الله به هو أن نخرج للحياة ونحتك بها. فذلك سيساعدنا في أن نكتشف أنفسنا. ربما ترى موهبتك في شخص أمامك فتدرك أن لديك مبادئ نفس الموهبة فتنميها. وربما تقرأ كتباً أو تقابل أشخاصاً تفتح لك كلماتهم طريقا لم تفكر يوماً أن تسلكه. ربما يصادفك طريق يأخذك إلي طريق يخبرك.
وأستطيع أن أسمع كلاماً آخر يقول وكيف تقولين أن نبحث داخل أنفسنا وأنتِ تخبرينا أن نرى ما خارجنا! وأرد على ذلك أن الأمر يشبه استخدامنا مرآة نرى فيها أنفسنا أو ربما مصابيح تنير لنا ما لا نراه داخل أنفسنا.
إن بحثنا داخل أنفسنا يؤدي بنا شيئا فشيئاً إلى أن نكون إيجابيين. فسلوكنا لهذا الطريق يشعرنا بتحمل المسئولية تجاه أنفسنا وبالتالي شيئا فشيئا نتحمل المسئولية تجاه مجتمعنا. وبدلا من التأفف من السلبيات شيئاً فشيئاً سنتجه إلى سبل فعل أشياء إيجابية وشيئا فشيئا ستغطي وتقهر يوماً ما السلبيات. إنها نفس الفكرة التي طرحها عبد المنعم الصاوي في روايته "المصابيح" والتي تتلخص في أن نضيء المصابيح التي ستقهر بنورها الظلمة.
ربما هذه هي أول خطوة في الطريق أن نبحث بداخلنا. ولنشكر الله على كل ما نجده بداخل أنفسنا. ولنحمد لله بأفعالنا على ما حبانا الله به.
واقرأ أيضاً:
الحيوانات أحياناً أحن كثيرا من الإنسان! / ردود على كتاب وهم الإله