كثيرا ما يسأل الناس بعضهم: هي البلد رايحه على فين... هو إيه اللي هايحصل في 30 يونيو... أنت نازل ولا مش نازل؟!.. ومهما تكن الإجابة فلن ترضي السائل أو تطمئنه لأن حالة القلق لها ما يبررها ويدعو إلى استمرارها. وهذه التساؤلات بقدر ما تعكس من قلق وحيرة فهي أيضا تعكس حالة من السلبية التي تكتفي بمحاولة التوقع والتكهن بما سيحدث في هذا اليوم دون فعل حقيقي على المستوى الفردي والجماعي يحدد ما سيحدث فعلا. ولكي نكون أكثر إيجابية في صنع ما يحدث وليس مجرد التنبؤ بما سيحدث تعالو نتخيل سيناريوهات محتملة لهذا اليوم لعلها تضعنا على خريطة الفعل في أي من هذه السيناريوهات التي نختارها:
السيناريو الأول: ظلت الناس تحبس أنفاسها مع اقتراب يوم 30 يونيو, ولم يتغير شيء على المستوى الرسمي أو الشعبي بينما دعوات المعارضة تتزايد وسخونة الشارع ترتفع خاصة مع أزمات السولار والبنزين وانقطاع الكهرباء والأزمات الاقتصادية وحالة الانسداد السياسي والعناد السياسي المتبادل بين الحكم والمعارضة, وقد وصلت إلى القيادة معلومات تفيد بأن ثمة حالة من عدم الرضا تتزايد لتصل إلى حالة من الإحباط والغضب لدى فئات كثيرة من الشعب, وأن هؤلاء الغاضبين والمحبطين يحملون جماعة الإخوان المسلمين المسئولية في كل ما يجري مما خلق حالة من العداء تجاه الجماعة تزداد يوما بعد يوم مع تفاقم الأزمات، وأن هناك احتمال حدوث حالة من الغضب المرتد تجاه الجماعة مما يهدد وجودها في السلطة بل ويهدد كيان الجماعة ذاته حين تصبح في مواجهة مع قطاعات كبيرة من الشعب.
وفي يوم 25 يونيو صدرت دعوة من فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر لعدد من القيادات الرسمية والشعبية في مصر من بينهم مرشد الإخوان المسلمين وعدد من أعضاء مكتب الإرشاد, والبابا تواضروس بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية, وعدد من الكتاب والمفكرين من بينهم المستشار طارق البشري والأستاذ فهمي هويدي والدكتور محمد عمارة والدكتور محمد سليم العوا والشيخ محمد حسان والدكتور محمد إسماعيل المقدم والدكتور رفيق حبيب, وعدد من السياسيين من بينهم الدكتور محمد البرادعي والسيد عمرو موسى والسيد حمدين صباحي والدكتور السيد البدوي, ومجموعة من المتخصصين في علم النفس السياسي وعلم الاجتماع السياسي, وعدد من شباب الثورة.
واستمر الاجتماع أكثر من ثمان ساعات في مكتب فضيلة الإمام شيخ الأزهر تخلله بعض فترات الراحة القصيرة, وفي نهاية الاجتماع تم عقد مؤتمر صحفي تحدث فيه شيخ الأزهر وكان مجمل حديثه:
أن مصر تواجه خطر التفرقة والانقسام بين أبنائها حيث توزع الناس بين حملة "تمرد" وحملة "تجرد" وراحت كل حملة تدعو أنصارها للاحتشاد في مليونيات, وأن علماء النفس والاجتماع حذروا من أن مصر أصبحت على مشارف المرحلة الرابعة في متصل الحرب الأهلية بين أنصار التيار الإسلامي والتيار المدني, وأننا لا يجب أن ننتظر للمرحلة الخامسة التي تقع فيها تلك الحرب فعلا؛
ومن هنا اجتمع عقلاء الأمة وحكمائها في رحاب الأزهر الذي يحظى بثقة واحترام الجميع والذي لم يقع في التحيز أو الاستقطاب عبر تاريخه وبقي مؤسسة علمية وطنية إسلامية جامعة يعمل لخير مصر والأمة الإسلامية, وقد أجمع المجتمعون على تغليب صوت العقل لتجاوز الأزمة ولتفويت الفرصة على القوى المختلفة داخليا وخارجيا والتي تسعى لبث الفرقة وإحداث الفتنة بين أبناء الوطن.
وقد ترك فضيلة الإمام الميكروفون للمرشد العام للإخوان المسلمين والذي أعلن باقتضاب ما يلي:
بعد ثورة يناير حاولت جماعة الإخوان المسلمين أن تشارك في الانتقال السلمي للسلطة حقنا لدماء المصريين, ولهذا تعاونت مع المجلس العسكري لتحقيق ذلك الهدف, وحين ظهرت معارضات شديدة للمجلس العسكري كنا حريصين على تحمل المسئولية من بعده للوصول بمصر إلى بر الأمان, وكنا قد أعلنا عدم نيتنا لترشيح رئيس للجمهورية, ولكننا وجدنا أنه لا يوجد في مصر في الوقت الحالي قوى منظمة غير الجيش وجماعة الإخوان لذلك قررنا الدخول في انتخابات الرئاسة حفاظا على الاستقرار, وحاولنا بكل جهدنا حل المشكلات المتراكمة ولكن كانت هناك اتهامات كثيرة للجماعة بأنها تسعى للسلطة وتستحوذ عليها, ويعلم الله أننا ما كنا أبدا طلاب سلطة أو جاه وإنما نحن ضحينا كثيرا في سبيل الله وعملنا من أجل تحرير الوطن من الحكم الاستبدادي؛
ولكن البعض دأب على تشويه صورة الجماعة وعلى تحميلها مسئولية كل المشاكل والأزمات, وبناءا عليه فقد قررت جماعة الإخوان المسلمين أن تبتعد عن ساحة العمل السياسي المباشر وأن تتفرغ لرسالتها الدعوية والتربوية والتنموية كجمعية أهلية تخضع للقانون بين صفوف الشعب المصري بعيدا عن مواقع السلطة, وأن حزب الحرية والعدالة سيكون منفصلا تنظيميا عن الجماعة, وأنه لا يجوز الجمع بين عضوية الحزب والجماعة, وأن الجماعة لن يكون لها أي تدخل في عمل مؤسسة الرئاسة أو المؤسسات الرسمية الأخرى.
ثم تحدث مندوب رئاسة الجمهورية وأعلن عن ضم مجموعة من المستشارين المستقلين من ذوي الكفاءات النوعية في السياسة والاقتصاد, وأعلن أيضا عن قرار بتشكيل حكومة ائتلافية يرأسها شخصية مستقلة لا تنتمي إلى أي حزب أو جماعة وسيكون لرئيس الوزراء كل الحرية في اختيار أعضاء الوزارة وفي رسم الخطوط العريضة لسياسة الحكومة بناءا على اعتبارات المصلحة الوطنية وأن الحكومة سوف تضم إلى صفوفها عدد من شباب الثورة النابغين, وأنه سيتم تشكيل لجنة من أساتذة القانون في الجامعات المصرية لوضع قانون الانتخابات التشريعية في أقرب فرصة للسعي لانتخابات مجلس الشعب بعد إقرار القانون من مجلس الشورى ومن المحكمة الدستورية العليا، وأن مجلس الشعب المنتخب سيترك له الرأي في تعديل الدستور الذي تم الاستفتاء عليه.
وبعد هذا المؤتمر سادت حالة من الارتياح في الشارع المصري وخرجت مجموعات إلى الشوارع والميادين تعلن تأييدها لما جاء فيه بينما تشكك البعض في مصداقيته, ولكن الأيام التالية أظهرت أن الرئيس أصبح أكثر مرونة ودينامية في تعاملاته مع الأزمات وتعاملاته مع القوى المعارضة وظهر في قصر الرئاسة مجموعة من المستشارين المحترفين ذوي الرأي السديد وذوي الخبرة في تسيير أمور الدولة, وتحولت فلسفة الحكم من الأيديولوجية إلى المعلوماتية حيث أصبح هناك اهتماما بقياس اتجاهات الرأي العام ومطالب الشعب ومعرفة حجم المشكلات القائمة ودراسة مشروعات التنمية بأساليب علمية دقيقة بعيدا عن الشعارات, وحدثت حالة من المصالحة مع مثقفي مصر ومفكريها, ومصالحة مع مؤسسة القضاء, ومصالحة مع الإعلاميين, وتم فعلا تشكيل حكومة ائتلافية بقيادة شخصية وطنية يقدرها ويحترمها الجميع, وساد جو من التعاون بين الأطراف المختلفة وتحول يوم 30 يونيو إلى احتفالية وطنية حمل فيها الجميع أعلام مصر.
السيناريو الثاني: جاءت المعلومات من حزب الحرية والعدالة ومركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار, تفيد بأن حجم المعارضة ليس كبيرا كما تصوره وسائل الإعلام, وأن الموقعين على استمارة تمرد لا يتعدون في الحقيقة بضعة آلاف, وأن الشارع المصري مازال إسلامي النزعة وذات مزاج متدين وخاصة في القرى والمناطق الشعبية, وأن حجم المعارضة لا يتجاوز 20% من الشعب المصري ولكنها معارضة صاخبة ولها صوت مرتفع في الإعلام ولكنها لا تملك قواعد على الأرض وليس لها حضور بين الجماهير, وبالتالي فإن يوم 30 يونيو سيثبت هذه الحقيقة للمعارضة وللشعب وأن من سيستجيبون للدعوة لن يتجاوزوا عدة آلاف.
أما المعلومات القادمة من جهاز الأمن الوطني ومن المخابرات فتؤكد أن ثمة حالة من الغضب المتزايد لدى فئات كثيرة من الشعب بعضها يرجع إلى الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة وبعضها يرجع إلى حالة الإحباط وعدم الرضا عما حدث بعد الثورة وبعضها يتصل بأزمات البنزين والسولار والكهرباء ومياه النيل, وأنه على الرغم من أن عدد المعارضين السياسيين ليس كبيرا إلا أنهم يستطيعون تحريك أعداد كبيرة من الناس الغاضبين والمحبطين.
وكان القرار هو استمرار الحال على ما هو عليه وانتظار عبور يوم 30 يونيو بأقل الخسائر. ووصلنا إلى يوم 30 يونيو, وفي أول اليوم كان عدد المتظاهرين في الشوارع والميادين قليلا ففرح أصحاب الرأي الأول واعتبروا ذلك انتصارا على المعارضة وكشفا لزيفها وحجمها أمام الناس, ولكن بعد الساعة الخامسة بدأت الأعداد تتزايد بشكل ملحوظ, وحاول المتظاهرون تسلق سور قصر الاتحادية فصدرت الأوامر بإطلاق الرصاص عليهم حتى لا ينجحوا في الدخول للقصر وسقط أكثر من خمسين قتيلا مما أشعل غضب المتظاهرين وتوافدت أعداد هائلة نجحت في اقتحام القصر وإعلان سقوط النظام.
وفي هذه اللحظة اندفعت أعداد هائلة من أنصار التيار الإسلامي من كافة الجماعات الإسلامية وأنصارهم يحاولون تحرير قصر الرئاسة ممن دخلوه حيث اعتبروا أن ذلك إعلان لانهيار المشروع الإسلامي أمام المشروع العلماني, وهنا حدثت مواجهة دموية وظهرت أسلحة مختلفة في ساحة القصر وسقطت أعداد كبيرة من القتلى والجرحى مما دعى الجيش إلى إعلان الأحكام العرفية وفرض منع التجوال بالقاهرة والمدن الكبرى. ولكن هذا لم يمنع الاشتباكات بين أنصار التيار الإسلامي ومعارضيهم وقد ظهرت مجموعات مسلحة تابعة لكل طرف على الطرق وفي القرى والأحياء الشعبية وتم الاعتداء على عدد كبير من المواطنين ووصل الأمر إلى حد القتل على الهوية, وأصبحت السيطرة على الأمور مستحيلة بسبب توافر أعداد كبيرة من الأسلحة لدى المواطنين من الطرفين.
السيناريو الثالث: خرج مئات الآلاف من أنصار حملة تمرد وجبهة الإنقاذ وظلت الأعداد تتناقص مع الليل ولكن بقي عدة مئات من الشباب الثوري قرروا الاعتصام حتى إسقاط النظام, وقد اعتبر النظام هذا اليوم يوما مجيدا حيث كشف حجم تأثير المعارضة الليبرالية والعلمانية في الشارع المصري. وظهر رموز جبهة الإنقاذ ليلا في الفضائيات يوجهون التهديدات للنظام ويتوعدون بأن الثورة مستمرة, بينما استمر النظام في ترتيب الأمور سعيا للوصول إلى الانتخابات التشريعية.
وبما أن شهر رمضان قد اقترب فإن عددا من الثائرين والمعتصمين انصرفوا حين وجدوا أن تجاوب الناس مع الحل الثوري في رمضان أصبح ضعيفا. وأصبح الحديث يدور حول صعوبة الحل الثوري في التغيير والتوجه إلى الحل الانتخابي ومحاولة الاستفادة من تغير توجهات الرأي العام التي تصب في صالح القوى المدنية في الوقت الحالي كما ظهر في انتخابات اتحاد طلاب الجامعات.
السيناريو الرابع: أصدر الرئيس قرارا بفرض حالة الطوارئ في البلاد ومنع أي شكل من أشكال التظاهر, وحل المحكمة الدستورية وحل نادي القضاة, والقبض على من يثير حالة من الشغب أو العنف أو البلبلة, ووقف عدد من الإعلاميين المناوئين للسلطة إلى أجل غير مسمى. وسادت البلاد حالة من الهدوء الحذر, ولم يعد أحد يدري ماذا سيحدث غدا, وخرج الرئيس يعلن أنه اتخذ هذه القرارات الاستثنائية مضطرا في هذه الظروف حين وجد أن البلاد وصلت إلى حالة من الخطر يهدد الأمن القومي.
أرجوك عزيزي القارئ أن تكمل هذه السيناريوهات إلى عشرة ثم تنظر أيها تتوقع وتؤيد وبناءا على ذلك سيتشكل تفكيرك وتتشكل حركتك في الاتجاه الذي تراه صحيحا لحاضرك ومستقبلك ومستقبل أبنائك, ولا تدع أحد يزيف وعيك الحر أو يحتل إرادتك المستقلة, بل حكم ضميرك الوطني النقي من كل الشوائب وبذلك لا تسأل ذلك السؤال مرة أخرى: البلد رايحة على فين لأنك وقتها ستكون أنت صانع حركة البلد في الاتجاه الذي تراه صحيحا.
واقرأ أيضاً:
التوحش/ فرط الطمأنينة في خطاب الرئيس/ من يوقف هذا السلوك الانتحاري الإخواني ؟/ الهجوم على المقرات شرارة الحرب الأهلية/ الاغتيال المعنوي