فضيلة الأستاذ الدكتور محمد بديع المرشد العام للإخوان المسلمين؛
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
لما كان الدين النصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم أناشدك بالتراجع عن نزول الإخوان والتيارات الإسلامية إلى الميادين أو الشوارع حيث من المعلوم أن التقاء الكتل البشرية المتعارضة في الميادين والشوارع يفجر نزعات العنف والمواجهة بين الأطراف خاصة في هذه الأيام التي ازدادت فيها حدة الصراع بين التيار الإسلامي والتيار المدني، وأن مصر الآن تدخل فيما يسمى بمربع الانفجار وأركانه هي الإحباط والغضب والخوف والكراهية وهذا يعني قابلية عالية للاشتباك العنيف بين القوى المتصارعة، كما أن مصر الآن طبقا للتقسيمات العلمية في المرحلة الثالثة على متصل القابلية للحرب الأهلية ولم يتبق إلا مرحلة واحدة لتشتعل فيها هذه الحرب لا قدر الله، ولا نغتر بدعوات السلمية (رغم أخلاقيتها وروعتها وتمنياتنا لها) فكلها عبارة عن وجاهة سياسية ولا تمت للواقع بصلة وكل الدلائل الموضوعية تشير إلى احتمالات عنف مروعة في ظروفنا الحالية.
وتعلم فضيلتكم أن شباب الإخوان سيطيعون أوامر النزول إلى الشارع طاعة لأولي الأمر وتطبيقا لمبدأ الجندية الذي تربوا عليه وهم مخلصون متفانون وإخوة وأحبة لنا جميعا ويرجون الثواب أو حتى الشهادة، ولكن هذا النزول يحمل مخاطر جمة لهم ولغيرهم وكلهم من أبناء مصر وكل الدم المصري غال علينا، وحرمة الدم عند الله أعظم من حرمة الكعبة، وأنه لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما.
قد يقول البعض أنه دفاع عن المشروع الإسلامي يستحق التضحية، وقد يقول البعض الآخر أنها معركة حياة أو موت للإخوان وأنهم لو تراجعوا عن السلطة فسوف يلقى بهم في السجون مرة أخرى وربما واجهوا خطر الموت انتقاما ومعهم التيار الإسلامي بأكمله وبدون تمييز... ولكن الحقيقة الآن على الأرض تعكس رفضا حقيقيا لاستمرار الإخوان في السلطة ولا تصدق من يقول لك غير ذلك، وأرجو أن تكون حالة الإدراك والرصد لدى فضيلتكم تلتقط ما نراهه ونسمعه ونلمسه في الشارع وبين الناس وتلتقط نتائج استطلاعات الرأي المحلية والعالمية لتراجع شعبية الإخوان، ولا ضير في ذلك فتلك هي السياسة وتقلباتها؛
وجماعة الإخوان لن تموت إذا فقدت السلطة فقد عاشت ثمانين سنة بلا سلطة غير السلطة المعنوية من عملها بين الناس حتى في أوقات المطاردة والتجريم، بل أقول لكم أن الجماعة خسرت كثيرا من سمعتها وصورتها في السنة الأخيرة حين توجهت نحو السلطة وتشبثت بها في ظروف غير مواتية لم تمكنها من تقديم النموذج الإسلامي الحضاري في السياسة وإدارة البلاد فضلا عن تراكم مشاكل وأزمات وأخطاء أدت إلى صورة ذهنية سلبية لدى المواطن المصري البسيط تجاه الإخوان، وهذا أمر كان يستلزم تصحيحا لأشياء كثيرة ولكن الوقت كان ضاغطا والظروف قاهرة ولم يتم هذا التصحيح حتى الآن، ولا يخفى على فضيلتكم مشكلاتكم مع القضاء ومع الإعلام ومع المثقفين ومع الشرطة ومع المعارضة التي انسدت كل مسارات الحوار بينكم.
كل هذا يشير إلى وضع غاية في التأزم خاصة لو أضفنا إلى الصورة مشكلات خارجية مع دول الخليج تؤدي إلى خنق مصر اقتصاديا وحصارها سياسيا نكاية في الإخوان. والصورة الحالية هي أن ملايين كثيرة خرجت وملايين غيرها تواصل الخروج إلى الميادين والشوارع في كل محافظات مصر، ومن الاستقراء الواقعي لأحوال الناس ومشاعرهم وتوجهاتهم نتوقع خروج أعداد هائلة يوم 30 يونيو.
وفي مثل هذه الظروف يصبح من الخطر وضع الإخوان في مواجهة هذه الملايين التي خرجت إحباطا وغضبا من تردي الأحوال المعيشية ومن حالة الانسداد السياسي ومن أسباب أخرى كثيرة، وإن من الحكمة في مثل هذه الظروف أن نتحلى بكل الشجاعة ونأخذ القرار السليم في الوقت المناسب وقبل فوات الأوان، إذ أنه من المعلوم أن وجود هذه الأعداد الهائلة من المعارضين والمؤيدين سيؤدي إلى كارثة محققة وقد يموت الآلاف في لحظات ويتحول الأمر إلى ثأر متبادل يحتاج لسنوات طويلة حتى يتوقف (هذا إن توقف) وساعتها لن ينس المصريون ولن ينس التاريخ كل من تسبب في هذا الأمر الكارثي عنادا أو حسن نية (لا فرق).
وكثير من العقلاء والمخلصين والحريصين على سلامة هذا البلد يتصورون وينتظرون قرارا شجاعا من فضيلتكم بسحب مؤيديكم من الشوارع والميادين خاصة وأنكم أخذتم فرصة كافية في الجمعة الماضية (جمعة نبذ العنف) وهذه الجمعة (جمعة الشرعية خط أحمر) وأوصلتم رسالتكم للداخل والخارج وآن الأوان أن تتركوا للمعارضين فرصة لتوصيل رسالتهم بشكل سلمي في الموعد الذي حددوه سلفا، وحتى إذا خرجوا عن السلمية فأمامهم قوات الشرطةة والجيش يتكفلون بضبط حركتهم وترشيدها.
قد يكون في ذلك بعض الخسائر لكم والتي قد تصل إلى فقد كرسي الرئاسة، حتى هذا الاحتمال هو أقل خسارة من سيناريوهات المواجهة بين الإخوان وبين الجحافل الغاضبة واليائسة من الشعب الذي عانى كثيرا في السنوات الأخيرة وسيصب غضبه على أي قوة تقف في طريقه.
ولو اتخذتم القرار بسحب الإخوان من الشارع فستكون خطوة مقدرة من الجميع ومبررة منكم بالحفاظ على دماء المصريين جميعا وقد تخفف من حدة هجمة الغضب المرتدة على الإخوان في هذه الظروف وقد تعطي فرصة لدعوات التسامح مع التيار الإسلامي واستيعابه في المنظومة الوطنية حتى في حالة إقالة الرئيس أو حدوث انتخابات مبكرة، وقد تعطي الفرصة لاستمرار نشاط الإسلاميين بوزن مقبول في أي منظومة حكم أو معارضة. أما إذا استمرت الحشود والحشود المضادة في الشارع فإننا بهذا ندفع بأبناء مصر في مواجهة دموية ونضعهم في حريق هائل ونحن نتفرج أو نتحسر، وهناك لحظات ومراحل في الصراع العنيف نصل فيها لحالة اللاعودة وتصبح القرارات وقتها بلا جدوى.
فضيلة المرشد الوقت أصبح ضيقا جدا والظروف شديدة الخطورة والقتلى يتساقطون هنا وهناك بطول مصر وعرضها في لحظة كتابة هذه السطور، والمقرات تحرق والخطر يتهدد البلد بأكمله وأول ما يتهدد الإخوان أنفسهم، بل وكل شخص ملتح أو سيدة منتقبة يتعرضون الآن لمخاطر جمة في الشارع حيث يصب عليهم الناس غضبهم على اعتبار أنهم منتمون للإخوان أو للتيار الإسلامي الذي يعتقدون (بحق أو بغير حق) أنه تسبب في هذا الصراعع الدامي.
وأخيرا أرجو أن يوفقكم الله لما فعله الحسن بن علي رضي الله عنه حين تخلى عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان لا لشيء وإنما لحقن الدماء، فأرجو أن تكون سببا في حقن دماء الإخوان ودماء المصريين.