كان خطاب الرئيس مرسي في 26 يونيو 2013م يحمل أهمية خاصة تأتي من السياق الذي ألقي فيه والظروف المحيطة به، ويقدر نجاح الخطاب من عدمه بقدرته على تحقيق الهدف الذي ألقي من أجل تحقيقه، وإذا تخيلنا السيد الرئيس يجلس وسط مستشاريه يتساءلون عن الهدف من هذا الخطاب وكيف يتحقق فسنرى من استقراء الأحوال والظروف أن ثمة هدف محوري يحدد مسار الخطاب ومحتواه ألا وهو نزع فتيل الحرب الأهلية التي باتت تهدد مصر خاصة بعد ثلاث أيام من بيان الفريق السيسي وزير الدفاع والذي كان يستشعر فيه خطرا يهدد الأمن القومي ووجه رسائل قوية وحاسمة لأطراف الصراع كي يحققوا توافقا في خلال أسبوع، ليس هذا فقط بل إن الخطاب كان يلقى بينما وحدات من الجيش تنتشر في ربوع مصر تحسبا لمظاهرات واعتصامات المعارضة المحدد لها يوم 30 يونيو.
وطبقا لمقاييس علمية فإن مصر فعلا تقترب من خطر الحرب الأهلية حيث يعتبرها المتخصصون في الدرجة الثالثة على متصل القابلية للحرب الأهلية وأنه لم يعد بينها وبين تلك الحرب غير شيئين لو حدث أحدهما – لا قدر الله - تشتعل الحرب الأهلية: الأول: أن يموت عدد يتجاوز الألف من أحد الطرفين أو كليهما،
الثاني: أن تحدث اغتيالات لرموز أو قيادات من الطرفين.
كما أن مصر الآن تقع فيما يسمى بمربع الانفجار، وأركان هذا المربع هي : الإحباط والغضب والخوف والكراهية، وأن الأمور قد تخرج عن السيطرة ونقطة اللاعودة في أي لحظة.
إذن كان متوقعا أن ينزع خطاب الرئيس فتيل هذا الصراع حتى لا يحتدم أكثر من ذلك خاصة وأن الأمور كانت مشتعلة فعلا قبل وأثناء الخطاب في المنصورة (قتل خمسة أشخاص وجرح 265 شخصا في صراع مسلح بين مؤيدي الرئيس ومعارضيه) والشرقية وميدان التحرير. وفيما يلي بعض الملاحظات على الخطاب:
٠ كان شيئا إيجابيا أن يبدأ الخطاب في موعده بالضبط (التاسعة والنصف) على غير العادة، ولكن على الجانب الآخر امتد الخطاب لمدة ساعتين ونصف وحوى الكثير من التفاصيل والإطالة والتكرار التي لا تناسب إيقاع العصر وإيقاع الأحداث وسخونتها.
٠ كانت القاعة ممتلئة بأنصار الرئيس وغاب عنها أطياف كثيرة من الشعب المصري وربما هذا يفسر وجود أماكن خالية كثيرة في القاعة يبدو أنها كانت مخصصة لأشخاص لم يحضروا . وأكثر ما يلفت النظر هو غياب شيخ الأزهر والبابا عن هذه المناسبة الهامة.
٠ كانت علامات القلق والتوتر والوجوم بادية على وجوه المسئولين الجالسين في الصف الأول.
٠ استخدام العبارات الدينية في بداية الخطاب ونهايته، وهذا أمر مقبول ومقدر في مجتمع متدين، ولكن انتقاء العبارات والأدعية والآيات ربما كانت تحتاج لمزيد من التمحيص، حيث بدأ الخطاب بعبارة: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا. وهذه العبارة تناسب خطابا في مسلمين فقط، أما حين يكون الخطاب عاما وموجها للجميع فإنها ربما تعطي إيحاءات استقطابية دينية. واختتم الخطاب بآيات: كانت نهايتها: ......"وانصرنا على القوم الكافرين"، وهذا قد يثير حفيظة المعارضين الذين يتهمون التيار الإسلامي بتكفيرهم، خاصة وأن السياق هنا سياق داخلي مصري بين فريقين متصارعين سياسيا وليس دينيا.
٠ بدا أن الرئيس غاضب من كثير من الشخصيات والمؤسسات والهيئات والدول وكان يبدو هذا واضحا في لغته اللفظية وغير اللفظية، وكانت هناك حالة من الشخصنة للصراع السياسي حيث هاجم الرئيس بشدة مجموعة من الأشخاص بأسمائهم (مكرم محمد أحمد، والقاضي على النمر، وفوده وعاشور والنائب العام السابق وصفوت الشريف وحسن عبد الرحمن ومحمد الأمين وأحمد بهجت وغيرهم) وحمل عليهم حملة شديدة، مع أنه من المفترض أن هؤلاء الأشخاص مواطنين مصريين لهم كل حقوق المواطنة ولهم حق الرعاية من الرئيس ولا يجوز النيل منهم بأي شكل خارج إطار القانون. ولم يكن مناسبا للمقام الرئاسي التورط في هذه الشخصنة وإظهار تلك المشاعر والهجوم على أشخاص لا يملكون نفس الفرصة للدفاع عن أنفسهم ولم يدنهم القضاء بعد.
٠ كان هناك انشقاقا بين ما يذكره الرئيس من إنجازات بالأرقام وما يشهده المواطن ويعانيه من أزمات خاصة في الوقود والكهرباء والحالة الاقتصادية.
٠ اتضح أن ثمة جرح عميق في علاقة الرئيس بالقضاء والإعلام وأن صراعات كبيرة قائمة ومحتدمة تتضح في نظرات الغضب وحدة تعبيرات الجسد حين يتحدث الرئيس عنهما.
٠ تناوبت الرئيس تعبيرات وجدانية مختلفة أثناء الخطاب ولكن كان أهمها حالة الغضب الشديدة في بعض الأوقات وعلى العكس منها حالة من الاسترخاء وفرط الطمأنينة في أوقات أخرى راح خلالها يتحدث بإسهاب وإطناب ويذكر حكايات وتفاصيل كثيرة بما يوحي بأن إدراك عنصر الزمن وحرارة وإيقاع الأحداث بعيد عما يحدث في الشارع المصري خاصة مع اشتعال أزمات الوقود والكهرباء وتردي الحالة الاقتصادية واشتعال الصراع السياسي في أقصى صوره.
٠ كان المفترض والمنتظر في مثل هذه الظروف الخطرة والصعبة أن يقدم الرئيس مبادرات سياسية حقيقية ومؤثرة تسحب من طاقة الاحتقان المتصاعد وتهدئ من سخونة وصخب المعارضة المتنامية، ولكن ما تم تقديمه ربما يقع في إطار قرارات إدارية في الأغلب لن تكفي لتحقيق الهدف من الخطاب.
٠ كان الفريق عبد الفتاح السيسي حاضرا ومتابعا للخطاب، ولكونه رجل عسكري ورجل مخابرات محترف، لذلك حرص على إخفاء مشاعره الشخصية تجاه الخطاب وكانت ملامح وجهه تبدو محايدة، ولكن وضع أصابعه تحت ذقنه أغلب الوقت تعني في لغة الجسد حالة من التفكير النقدي العميق لما يقال، كما لوحظ عدم وجود تناغم وجداني مع أحداث الخطاب وعباراته على الرغم من جلسة الاحترام المهنية.
٠ وكان من المفترض أن يخاطب الرئيس معارضيه ويقنعهم أو يستميلهم عقلانيا وموضوعيا وحتى وجدانيا، ولكن يبدو أن هؤلاء المعارضين لم يظهروا جليا على شاشة وعي الرئيس لذا جاء الخطاب وكأنه موجه أكثر نحو المؤيدين، وموجه أكثر نحو الدفاع عن مواقف الرئيس وقراراته.
وستثبت اللحظات والأيام القادمة مدى نجاح خطاب الرئيس من عدمه في احتواء الأزمة الراهنة، وليحفظ الله مصر وشعبها من كل سوء.
واقرأ أيضاً:
الهجوم على المقرات شرارة الحرب الأهلية/ الاغتيال المعنوي/ سيناريوهات 30 يونيو/ هل بقي صوت للعقل ؟/ تحليل نفسي لبيان الفريق أول عبدالفتاح السيسي