يلاحظ في الفترة الأخيرة ارتفاع أصوات ودعوات عنصرية في أعمدة بعض الكتاب وفي بعض البرامج الحوارية وحتى في الهتافات وسط التظاهرات, ومجملها يعطي صورة شيطانية (أو حيوانية بإطلاق لفظ الخرفان) للإخوان وربما لبقية فصائل تيار الإسلام السياسي, وهذا في النهاية يرسخ لصورة ذهنية نمطية سلبية لدى جموع الناس تجاه الإخوان أو غيرهم ويشحن الجموع المستهدفة بشحنات كراهية واذدراء وغضب يخشى أن تتحول في أي وقت إلى عنف موجه إلى كل ما هو إخواني أو إسلامي سياسي.
وهذا خطأ وخطر كبير, خطأ لأن التعمميم نفسه غير صحيح, فعلى الرغم من كون الإخوان تنظيم محكم إلا أنهم ليسوا سواءا في كل شيء, ففيهم كل التنويعات الفكرية والخلقية والسلوكية شأنهم شأن المصريين وشأن كل البشر. وأنا وغيري نعرف الآلاف منهم ونعرف فيهم الطيبة والتدين الحقيقي والإخلاص والمودة والصدق والمروءة والنبل ونعرف كم قدموا من تضحيات ومن أعمال خير في فترات الإستضعاف والتجريم والمطاردة, ونعرف أيضا آلاف منهم يتصرفون بقدر من الفهلوة والمراوغة والتحايل (شأن سائر البشر في مصر وغيرها).
إذن فحالة التعميم السائدة الآن ضد الإخوان وحالة الشيطنة التي تعمل ليلا ونهارا هي من قبيل العنصرية التي تمهد للإستئصال العرقي الذي يرفضه كل إنسان عاقل لديه حس سليم وترفضه كل الشرائع والنظم الأخلاقية وحقوق الإنسان. ربما يستند المعممون (بحسن أو بسوء نية) على الأخطاء السياسية التي حدثت في الفترة الأخيرة وأدت إلى حالة الإحتقان والصراع الحالية في المجتمع المصري, وربما أيضا يقول قائل بأن الإخوان ساهموا بقدر كبير فيي ترسيخ هذه الحالة من العنصرية والتمييز حين قسموا المجتمع إلى إسلاميين وغير إسلاميين ورسخوا للفرقة على أسس دينية وطائفية. حتى لو كان ذلك أو بعضه صحيحا فهو ليس مبررا لاتخاذ مواقف عنصرية تجاههم أو تجاهه غيرهم لأن في النهاية النزعة العنصرية تحرق الجميع, ولا يجوز أن نمارس كمجتمع نوع من العنصرية المضادة ضد من ارتكب خطأ يرسخ للعنصرية.
قد يكون القادة أخطأوا التقدير والتصرف وربما يتحمل الأتباع وزر الإنقياد لقرارات وسلوكيات غير صائبة, وربما يحتاج الفكر الإخواني لعمليات تصحيح ومراجعة وربما يحتاج المنهج التربوي الإخواني إلى إعادة نظر, ولكن هذا ينطبق أيضا على فئات أخرى في الشعب المصري تحتاج لإعادة نظر وتصحيح ومراجعات, ولا يبرر خطأ هنا أو هناك موقفا عنصريا استئصاليا أو إقصائيا.
سيرد الآن وفورا صوت يقول: بل هم الذين مارسوا الإقصاء والإستبعاد في سلوكهم وسعوا نحو التمكين الذي يستبعد كل ماهو إخواني من منظومة الحكم, بل وجعلوا أنفسهم كيانا مغلقا وعاشوا في جيتو إخواني يتزوجوم من بعضهم ويتاجرون مع بعضهم ويتبنون مفاهيم منفصلة عن سائر المصريين ويجعلون انتماءهم للجماعة أقوى من انتمائهم لبلدهم, ألا تذكر كلمات صبحي صالح (عن زواج الإخواني بالإخوانية) وكلمات مهدي عاكف (طظ في مصر)؟؟؟, ألا تذكر الكلمات والخطب التي تنضح بالعنصرية والكراهية والتحريض في استاد القاهرة وفي مركز المؤتمرات تحت سمع وبصر الرئيس؟؟؟ ألا تذكر تكفيرهم لمعارضيهم والدعاء عليهم كخارجين من الملة؟؟؟ ألا تذكرر كلمات المنصة يوم جمعة "نبذ العنف" وجمعة "الشرعية خط أحمر" وكل التجمعات الإخوانية في رابعة العدوية؟؟؟ ألم يدفعوا بالخارجين على القانون والقتلة إلى المنصة ليروعوا المصريين ويهددوهم بالقتل؟؟؟؟؟؟
نعم أذكر ذلك وأكثر منه , وقد انتقدت الكثير من هذه الأفكار والتصريحات والسلوكيات نقدا أغضب الكثير من الأصدقاء والأحبة منهم وتلقيت شتائم وسباب من بعض شبابهم, وكتبت منذ أكثر من عام مقالا تحت عنوان "نصيحتي للإخوان المسلمين" وكتبت منذ حوالي ثلاثة أشهر مقالا آخر بعنوان "من يوقف هذا السلوك الإنتحاري الإخواني" وحددت فيها مواطن الخطر في قرارات وسلوك القيادة الإخوانية والتي تكاد تعصف بتاريخ الإخوان وتعطي صورة سلبية عن الجماعة يتم تكبيرها وتسويقها تمهيدا للإقصاء العنصري تجاههم, وكتبت منذ أيام قليلة رسالة إلى فضيلة المرشد أطالبه فيها بحقن دماء الإخوان وبأن لا يدفع جموعهم في مواجهة الجموع الأخرى التي تخرج في 30 يونيو تعترض على الأوضاع القائمة.
وقد نصح أيضا الكثيرون من الكتّاب والمفكرين الموضوعيين وعلى رأسهم المستشار طارق البشري والأستاذ فهمي هويدي والدكتور المعتز بالله عبدالفتاح والدكتور سيف الدين عبدالفتاح والدكتوره هبه رؤوف عزت, وجلس بعضنا مع قيادات عاقلة وحكيمة من الإخوان نناقشهم فيما يجري ونستفسر منهم عما يحدث ونسدي إليهم النصح ونرجوهم التصحيح, وكانوا يتفقون معنا في بعض ما نقول ويعدوننا بتوصيل الأمر إلى القيادة.
ومع كل هذا لا يصح ولا يجوز أن نعمم النظرة السلبية على كل ماهو إخواني, وأظن أن أي مصري ربما له علاقات ومعارف ومعاملات مع أشخاص إخوانيين وجد فيهم مانجده في كل المصريين من صفات بعضها حسن وبعضها غير ذلك فهم ليسوا شياطين كما يصورهم كارهيهم وليسوا ملائكة كما يدّعي البعض.
ولا يخفى على أحد أنه جرت في الشهور الأخيرة عملية اغتيال معنوي للإخوان, وقد يقول البعض انه نقد لسلوك الإخوان وأخطائهم يستحقونه بما ارتكبوه في حق مصر وفي حق الثورة, ولكن في الحقيقة يختلف النقد عن الإغتيال المعنوي فأنت حين تنقد أحدا تكون قادرا على رؤية حسناته وسيئاته, أما حين تتحدث فقط عن سيئاته ولا ترى له حسنة واحدة فأنت في هذه الحالة تمارس اغتيالا معنويا مدفوعا بنظرة عنصرية لامحالة.
والتوجهات العنصرية خطر شديد لأنها لاتتوقف عند فصيل بعينه في حالة تبنيها في أي مجتمع بل تتسع دائرتها وتحرق بنارها كل من هو مختلف, وتفتح الباب للعنف والعنف المضاد بلا نهاية.
إذن فمن النبل ومن العقل أن نكون منصفين وموضوعيين (حتى في وسط هذا الصخب والغضب) وأن لانحمل على فصيل سياسي أو ديني بشكل جماعي تعميمي يجعله هدفا لممارسات عنصرية عنيفة أو غير عنيفة. ولست أقول هذا من فراغ, ولكني أقوله بناءا على شواهد منها عزو كل أعمال عنف إلى عناصر إخوانية, وإسقاط كل الخطايا والمصائب عليهم, واتهامهم بكل التهم , وحرق مقراتهم, والإعتداء على كل ماهو إخواني بل ومطالبة بعضض المتطرفين بتطهير البلاد منهم أو إعادتهم إلى السجون والمعتقلات.
ولقد سمعت من أحد المهووسين بالدماء والإنتقام من يقول: حسنا لقد تجمع الإخوان كلهم فر ميدان رابعة العدوية وهي فرصة للتخلص منهم جميعا في ضربة واحدة. هذه الأفكار والتصريحات والشعارات يجب أن ينتبه إليها كل العقلاء من أصحاب الفكر والتوجيه والتأثير ومن العلماء المنصفين الموضوعيين وأن لا يستدرج المجتمع المصري خلف دعوات المهووسين بالإنتقام والمغرمين بالعنصرية والطائفية والتطهير العرقي. ولو أننا سلمنا بأن ثمة أخطاء حدثت من أي فصيل مصري فالعلاج هو النصح والإحتواء وتقديم المساعدة بكل الوسائل الممكنة بما فيها الأخذ على يد المتجاوزين وإعادتهم إلى جادة الصواب بالوسائل القانونية والإصلاحية العاقلة والناضجة بعيدا عن الإنتقام العنصري أو التشفي.